بعد سنوات من القلاقل مع جيرانها

المواجهة مع دول الخليج أظهرت هشاشة قطر

الفنانة مريم السميت وأمامها بعض منحوتاتها في صالة العرض التي تقيم فيها معرضها. أرشيفية

أوضحت الفنانة القطرية مريم السميت، (27 عاماً)، في معرضها الجديد في الدوحة لضيوفها ما هي الرسالة التي يحملها عملها الأخير، التي تحمل عنوان «ما الذي يحدث عندما تصبح الثروة شيئاً من بديهيات الحياة» هذه الأموال التي جاءت بصورة رئيسة من بيع الغاز في قطر، ساعدت الدوحة على بناء ناطحات السحاب والفنادق، والاستثمار في أفضل الشركات العالمية والمباني والفرق الرياضية. ولكن الأمر الذي لم تستطع أموال قطر أن تؤمنه، حسبما قالت الفنانة، هو تأمين الحماية والأمان لهذه الدولة، التي باتت تصنف أكثر دول العالم ثراء.

لطالما قامت محطة الجزيرة التي تستخدمها قطر ببث الرسائل من «تنظيم القاعدة»، كما أنها دعمت المنشقين ضد الحكام العرب.

الثروة لا تحمي

وأظهرت المواجهة الحالية بين السعودية والإمارات العربية وقطر مدى هشاشة موقف قطر وضعفها، إذ إن المليارات التي تملكها هذه الدولة التي كان من المفروض أن تؤمن لها الحماية، لم تمنع من ظهورها في حالة من الضعف لم تكن عليها من قبل. لقد دخلت حالة عزل قطر أسبوعها الثالث بعد أن قامت دول الخليج المجاورة بمقاطعتها الدبلوماسية. وقالت السميت في اليوم الثاني من معرضها، الذي شاركها فيه فنان آخر «في حقيقة الأمر لطالما كانت حقيقة الأمان والثروة والسلم أمراً بديهياً في حياتنا لا يتناقش فيه اثنان، ولكن الآن بات هذا الأمر حالياً هو موضوع نقاش الساعة»، وأضافت «نحن في الواقع لا نقدر قيمة أي شيء إلا بعد أن نخسره».

وجوهر الخلاف بين قطر وجيرانها هو عدم التزامها بكل الاتفاقات التي تتوصل إليها دول مجلس التعاون الخليجي. والوقوف في موقف المتحدي لكل هذه الدول دون أن يكون لديها مقومات هذ التحدي، ناهيك عن المواقف المتناقضة التي تبنتها قطر خلال الفترة الماضية.

وإذا أخذنا السياسة الخارجية، تستضيف قطر قاعدة العديد العسكرية الأميركية، منذ بداية العقد الماضي، وفي الوقت ذاته تقيم علاقات وثيقة مع الجماعات الإسلامية. واستناداً لما تقوله السعودية والإمارات، فإن قطر تمول المتطرفين، في الوقت الذي تستثمر فيه أموال صندوقها السياسي البالغة 335 مليار دولار في شركات عالمية عريقة مثل شركة فولكس فاغن المصنعة للسيارات في ألمانيا، إلى المصارف العالمية مثل مصرف باركليز. ومن المقرر أن تستضيف قطر بطولة كأس العالم في عام 2022.

الأمن والشرعية

ويقول البروفيسور سامر شحاتة في برنامج السياسة والعلاقات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا «كانت قطر تريد أن تجلب الأمن والشرعية لنفسها، كما أنها تريد جعل اسمها معروفاً في العالم، وفي الخريطة الدولية حتى يعرف الجميع من هي قطر وأهمية قطر. ولكن في نهاية المطاف هل تستطيع الدول الصغيرة تحقيق كل ذلك؟ هل تستطيع جلب الأمن؟ تظهر الأزمة الحالية الجواب على ذلك. وأنا لا أعتقد أن القوى الصغيرة تستطيع الوقوف لوحدها خصوصاً في منطقة متفجرة».

وكانت قطر محمية عثمانية قبل أن يسيطر عليها البريطانيون. وظهرت فيها صناعة استخراج النفط في خمسينات وستينات القرن الماضي، كما أنها رفضت الانضمام إلى الإمارات العربية عند تأسيسها، وقررت البقاء دولة لوحدها.

وبالطبع فإن المداخيل الضخمة من حقول الغاز والنفط سمحت لقطر ببسط نفوذها بما هو أكبر من حجمها، إذ يبلغ دخل الفرد فيها نحو 130 ألف دولار سنوياً، أي ما يعادل ضعف دخل الفرد في السعودية، كما أنها قامت بدعم مصر إبان حكم الإخوان المسلمين، كما أنها عارضت الجهود الرامية إلى عزل إيران التي تنافس للسيطرة على الخليج.

قناة الجزيرة

ولطالما قامت محطة الجزيرة التي تستخدمها قطر ببث الرسائل من «تنظيم القاعدة»، كما أنها دعمت المنشقين ضد الحكام العرب. وخلال مرات عدة أثارت قطر غضب السعودية والإمارات ومصر جراء قناة الجزيرة، كما أن مصر أوقفت بث الجزيرة وطردت موظفيها من أراضيها.

وكتب السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة، في صحيفة «وول ستريت جورنال» هذا الأسبوع يقول: «لا يمكن لقطر أن تمتلك أسهماً في مبنى الإمباير ستيت الأميركية ومبانٍ مهمة أخرى في لندن وتستخدم أرباحها لتمويل القاعدة. وهي لا يمكن أن تلصق اسمها على قمصان لاعبي كرة القدم وفي الوقت ذاته تقوم وسائل إعلامها بالدعوة للتطرف وتحسين صورة المتشددين. ولا يمكن أن تمتلك متجر هارودز الشهير في لندن، وفي الوقت ذاته تؤمن الملجأ الأمين لحركة حماس، وللأخوان المسلمين».

ولكن قطر ترفض تهمة دعم الإرهاب واستأجرت حكومتها شركة قانونية أميركية يمتلكها المدعي العام الأميركي السابق جون اشكروفت من أجل الدفاع عنها وتنظيف اسمها. وعلى الرغم من وجود العديد من الوساطات، إلا أنه من غير الواضح كيف ستنتهي الأزمة الحالية بين قطر ودول الخليج.

ويبدو سكان العاصمة القطرية متحفظين في الحديث عن الأزمة الحالية، ولكن الفنان ناصر المطلق، 26 عاماً، الذي يشارك الفنانة السميت في معرضها الأسبوع الجاري، قال «من حسن حظنا أننا نعيش في هذه الدولة، إذ إننا نعيش حياة يتمناها أي شخص آخر في العالم. ونحن لم نحصل على هذه الحياة عبر العمل الجاد»، وأضاف «هذه الأزمة الحالية ستجعلنا نفتح أعيننا وحتى الجيل الجديد لندرك أنه لا شيء يدوم».

وقال ناصر الخوري، 28 عاماً، الذي يعمل في مؤسسة «قطر فاونديشن» التي تركز على التعليم والعلوم، إن جده عاش في السنوات التي كانت قطر تعتمد فيها على صيد اللؤلؤ من كسب العيش، وهو دائماً يحب أن يذكر أحفاده بالأيام التي كانت فيها قطر لا تملك الكثير. وأضاف «هذه الأزمة كشفت عن هشاشة قطر».

ويقول أيهم كامل مدير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة «يوراسيا غروب»، معلقاً «إن خليط السياسات التي تبنتها قطر خلال العقد الماضي كانت مثيرة للمتاعب وغير بناءة، خصوصاً في السنوات القليلة الماضية التي أدت فعلاً إلى القلاقل، إنها لم تكن تجلب النفع. ويبدو أن الأزمة الحالية هي نتيجة خليط السياسات التي كانت تعتمدها قطر في الآونة الأخيرة والتي لن تجلب الخير يوماً للمنطقة».

تويتر