أردوغان يساند الدوحة حماية لاستثمارات بلاده

دعم أنقرة للدوحة مقامرة سياسية محفوفة بالمخاطر

صورة

واجهت قطر ضغوطاً دبلوماسية واقتصادية متضافرة من حلفائها العرب السابقين بقيادة السعودية والإمارات وبلدان أخرى ليست أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، مثل مصر. ويبدو أن السبب الرسمي لهذا الصدع هو تصريحات أمير قطر، التي تنتقد التعاون العسكري الأميركي - السعودي المتنامي، وموقف الرياض المناهض لإيران.

ما فتئت الأزمة تختمر منذ فترة، ففي 2014، أدى انهيار دبلوماسي آخر إلى سحب السفراء من الدوحة. وخلال ذلك الوقت اتهمت الدوحة بعلاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، وتوفير ملاذ لقادتها بعد سقوط الرئيس المصري، محمد مرسي، في يوليو 2013.

كان معظم أعضاء مجلس التعاون الخليجي قد أعلنوا رسمياً أن جماعة الإخوان المسلمين «منظمة إرهابية». وعقب النزاع في عام 2014، وبعد عودة جميع السفراء إلى الدوحة، وعدت قطر بأن الدوحة لن تسمح أبدا لجماعة «الإخوان» بالعمل من أراضيها، إلا أن قطر أخلفت هذا الوعد، حيث كان قادة الجماعة المحظورة وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحتى أفراد أسرة الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، يتجولون بحرية في فنادق الخمس نجوم بالدوحة.

كما أن الدوحة تتحمل اللوم هنا، إذ كانت تتنافس من أجل وضع إقليمي أقوى، ومن ثم أتت مشاركتها مع الجماعات المناهضة للحكومة في مصر وسورية وليبيا واليمن، وقامت بدعمها. وفي الوقت نفسه، وضعت ثقلها وراء حزب العدالة والتنمية التركي، الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، وجماعات مثل «حماس» في غزة.

وكما هي الحال دائماً في المنطقة، لعب النفط والغاز دوراً في الصراع الدائر بين أطراف النزاع. وخلال التسعينات، اتهمت قطر جيرانها ودولاً أخرى بمحاولة منع تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى دول مجلس التعاون الخليجي. ويمكن أن تعود المسألة نفسها مرة أخرى إلى السطح، لأن مستقبل الوقود في كلا البلدين يتعرض حالياً للضغوط. وفي الوقت الذي تعمل السعودية حالياً على قيادة في منظمة أوبك، مع استمرار مناقشاتها مع روسيا، بل حتى مع دول مثل العراق، فإن مركز السلطة السياسية داخل ما يسمى «أوبك للغاز»، قد يكون الخيار الحقيقي. وقد يكون وضع قطر في قطاع الغاز العالمي تحت الضغط.

هجوم مباشر

• على الرغم من أن أنقرة لاتزال تحرص رسمياً على الحفاظ على علاقات جيدة مع السعودية وقطر، إلا أن هذا يبدو مستبعداً في الوقت الحالي، وحتى المحللين الأتراك يوافقون على أن هذه الخطوة تعتبر تأكيداً لتأييد الدوحة.

• يمكن لمقامرة أردوغان أن تخلّف نتائج سلبية للغاية إذا ما تغيرت النخبة الحاكمة في قطر، أو تم التوصل إلى تغيير في السلطة.

• يعتبر الخيار العسكري التركي غير قابل للتطبيق حالياً، حيث لا توجد قوة تركية كبيرة على الأرض في قطر. وبالإضافة إلى ذلك فإن المساندة الإيرانية للدوحة غير واردة، لأن الجيش الأميركي في قطر لن يسمح أبداً لبعثة عسكرية إيرانية بالهبوط في شبه الجزيرة الصغيرة.

أصبحت الدوحة تمثل مشكلة لمعظم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر. ويعتبر تدخل قطر في السياسة الداخلية في معظم البلدان العربية الأخرى، بينما تحافظ على علاقات طبيعية مع إيران، هجوماً مباشراً على الجميع. وكانت السعودية ومصر الهدفين الرئيسين لهجمات قناة الجزيرة الفضائية، المملوكة للدولة القطرية، إذ شملت انتقادات قاسية واستضافة معارضين سعوديين في برامج حوارية. وفي الوقت نفسه تتعارض السياسات القطرية الحالية في المنطقة مع المصالح السعودية والإماراتية وحتى المصرية. ويبدو أن التوترات التي طال أمدها، طفت في نهاية المطاف على السطح.

وعلاوة على ذلك، هناك نزاع آخر في الأفق. حيث إن قطر لا تحتفظ فقط بالقاعدة العسكرية الأميركية الرئيسة في منطقة الخليج، بل سمحت أيضاً لتركيا بإنشاء قاعدة عسكرية هناك. وقد وضع الرئيس التركي ثقله الكامل خلف الدوحة، مشيراً إلى أن القوات العسكرية التركية في خدمة الخليج، وتؤيد وسائل الإعلام التركية، التي تسيطر عليها الدولة، الاتجاه الذي تتبناه أنقرة.

في الوقت الراهن، يعتبر الخيار العسكري التركي غير قابل للتطبيق حقاً، حيث لا توجد قوة تركية كبيرة على الأرض في قطر، وبالإضافة إلى ذلك فإن المساندة الإيرانية للدوحة غير واردة، لأن الجيش الأميركي في قطر لن يسمح أبدا لبعثة عسكرية إيرانية بالهبوط في شبه الجزيرة الصغيرة. وسيكون من المقامرة العسكرية الخطيرة للغاية بالنسبة لتركيا أو إيران دعم الدوحة.

يمكن أن تتدهور الاستراتيجية الإقليمية التركية إذا انتهت مقامرة أردوغان في قطر بنتائج عكسية. وعلى الرغم من أن الرئيس التركي قال، خلال اجتماعه مع وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، إن القاعدة العسكرية التركية في قطر تهدف إلى الإسهام في أمن منطقة الخليج بأكملها، ولا تستهدف أي دولة خليجية محددة، فإن دعم قطر قد يكون «جسراً بعيداً جداً» بالنسبة لمعظم أصدقائه العرب الخليجيين. وجاء في بيان صدر أخيراً عن وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أن «تركيا ستواصل جهودها لحل النزاع، حيث تواجه قطر العزلة التي تفرضها الدول العربية».

إدانات قوية

كما استدعت الخطوة الأخيرة تصديق حزب العدالة والتنمية التركي على معاهدتين حول نشر القوات في قطر، وتدريب قوات الأمن هناك، الأمر الذي أثار الغضب في البلاد. ورداً على إدانات قوية من الخليج، أشارت أنقرة إلى أن التصديق على المعاهدات العسكرية يجب ألا ينظر إليه على أنه خطوة مناهضة للسعودية على الإطلاق. ولاتزال أنقرة تحرص رسمياً على الحفاظ على علاقات جيدة مع كلا الجانبين، لكن هذا يبدو مستبعداً في الوقت الحالي. وحتى المحللين الأتراك يوافقون على أن هذه الخطوة تعتبر تأكيداً للتأييد لقطر.

في الأشهر القليلة الماضية، كثفت تركيا جهودها لتحسين علاقتها مع روسيا وإيران، ليس فقط لدعم العمليات العسكرية الجارية في سورية، لكن أيضاً على أساس تجاري، حيث إن إيران تعتبر سوقاً واسعة للمنتجات التركية، كما تصدّر طهران الغاز إلى تركيا. إن الدعم الكامل من أنقرة لقطر يقع ضمن هذه التطورات. وقد ذكر أحد المحللين أن أنقرة أعطت الأولوية لمنظورها الجيوسياسي، ما يدل على أن القاعدة العسكرية في قطر ذات أهمية قصوى لأردوغان. وذكرت صحيفة «حريت» التركية أنه بعد وصول الجنود الأتراك إلى الدوحة سترسل الطائرات المقاتلة والسفن التركية أيضاً.

الصراع المستمر على النفوذ أمر خطير جداً، لأنه يتزامن مع الاستيلاء الإيراني على السلطة في العراق وسورية واليمن، وما تفعله أنقرة محفوف بالمخاطر. وفي الوقت نفسه، ذكر المحللون أن دعم تركيا لقطر في الوقت الحاضر يقوم على فورة الإنفاق على صندوق الثروة السيادية القطري، الذي يبلغ مليارات الدولارات. وذكر البعض أن موقف أنقرة يمكن تفسيره بحجم استثمارات قطر، التي من المقرر أن تبلغ نحو 1.5 مليار دولار. وفي الوقت نفسه فازت الشركات التركية بعقود قيمتها أكثر من 13 مليار دولار لمشروعات بناء كأس العالم 2022 الهائلة في قطر.

وبينما يبدو أن سياسة أردوغان تحقق النتائج المرجوة منها على الأقل في نظر وسائل الإعلام الاجتماعية التركية والقطرية، إلا أن البلدان العربية الأخرى لا تبدو معجبة بذلك على الإطلاق.

علاقة وثيقة

يمكن لمقامرة أردوغان أن تخلّف نتائج سلبية للغاية إذا ما تغيرت النخبة الحاكمة في قطر، أو تم التوصل إلى تغيير في السلطة. تركيا ليست فقط على علاقات وثيقة جداً مع قطر في قطاع الطاقة، ولكن أيضاً مع الدول العربية الأخرى. ويذكر أن موردي الغاز الرئيسين في تركيا هم حالياً روسيا وإيران وقطر. وقد تؤدي لعبة النفوذ هذه إلى توقف إمدادات الغاز الطبيعي المسال القطرية، ما يترك السوق التركية أمام فجوة كبيرة في الطلب. ومن الصعب جداً العثور على بدائل أخرى محتملة، على الرغم من أن روسيا يمكنها زيادة إمدادات الغاز إلى أنقرة. وبالنظر إلى الواردات السابقة، فإن إمدادات الغاز من إيران ليست موثوقة تماماً. كما أن اختيار أنقرة لدعم قطر قد أنهى أيضاً السياسة المستقبلية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، المصري أو الإسرائيلي.

وعلاوة على ذلك، فإن دعم أنقرة لقطر سيهدد الاستثمارات السعودية الإماراتية المحتملة والمخطط لها في السنوات المقبلة. كما ستشعر الشركات التركية في البلدين بالضغوط. وسيتم وضع الاستثمارات التركية في السعودية رهن الانتظار لفترة طويلة جداً، كما ذكر مراقبون سعوديون. وكانت شركات الدفاع التركية قد أصيبت بصدمة كبيرة، في مايو، بعد قرار الرياض إلغاء اتفاق أسلحة مع تركيا يضم أربع سفن حربية بقيمة ملياري دولار. وقد ذكر البعض أن هذا حدث بسبب صفقة الأسلحة مع الولايات المتحدة بقيمة 110 مليارات دولار.

سيريل وايدرشوفن - مراقب دولي وخبير في العديد من مراكز الأبحاث.

تويتر