تدهور البنية التحتية والحروب والفساد أهم الأسباب

انقطاع الكهرباء.. كابوس يومي يؤرِّق الملايين في الشرق الأوسط

صورة

قبل ستة أشهر كنت في المتحف الوطني في بيروت، معجبة بتابوتين فينيقيين بين كنوز الحضارات الشرق أوسطية القديمة، عندما انقطعت الأنوار فجأة. وبعد بضعة أيام كنت في وادي البقاع، حيث انقطع التيار الكهربائي لمدة نصف يوم، كما حدث في أيام عدة. في الآونة الأخيرة كنت في العراق الغنية بالنفط، حيث كانت الكهرباء متقطعة في أحسن الأحوال. «الكهرباء متوافرة 12 ساعة في اليوم، إلا أن التيار سينقطع تماماً في اليوم التالي». يخبرني الصحافي العراقي عراس مامان، بعد انقطاع التيار الكهربائي في المطعم، حيث كنا ننتظر الغداء.

10

ساعات يومياً، هي مدة توافر الكهرباء في كردستان العراق، الذي يعد أفضل حالاً.


تطبيق عبر الهاتف للتنبيه إلى انقطاع التيار الكهربائي

يحاول مصطفى بعلبكي، وهو مهندس برمجيات شاب، مساعدة الناس على التعامل مع الانقطاعات من خلال تطبيق على الهاتف النقال «كهرباء بيروت»، والذي يفعل ما لا تفعله الحكومة، وذلك من خلال توقع انقطاع التيار الكهربائي في بيروت، ومن ثم يرسل تنبيهات قبل الانقطاع بـ10 دقائق، ويقول بعلبكي: «أمضيت أياماً وليالي في انتظار أن تصلح الحكومة هذه المشكلة، لكن دون جدوى»، متابعاً: «رسمت في الأصل معادلات خوارزمية معقدة لتخطيط دراستي الجامعية، ومعرفة متى يمكن لجدتي المريضة أن تزورنا حتى تتمكن من استخدام المصعد إلى شقة العائلة في الطابق التاسع». وتمكن المهندس الشاب من تطوير التطبيق لأغراض التنبيه إلى انقطاعات محتملة في التيار، وعرضه مجاناً على اللبنانيين الآخرين من خلال متجر «أبل»، وشهد التطبيق إقبالاً كبيراً، إذ قام أكثر من 10 آلاف شخص بتنزيله في اليوم الأول. وقال بعلبكي: «الحكومة لا تحبني كثيراً»، موضحاً: «أنا لست بصدد المنافسة».

في مصر، ناشدت الحكومة الناس خفض استخدام المصابيح والأجهزة الكهربائية، وإيقاف تكييف الهواء حتى في الحرارة المرتفعة لتفادي انقطاع أوسع. وتجدر الإشارة إلى أن أجزاء من ليبيا، التي لديها أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا، قد مرت بأسابيع دون كهرباء، هذا العام. وفي قطاع غزة، يحصل مليونا فلسطيني على الكهرباء من ساعتين الى أربع ساعات يومياً، بعد تقليص آخر في أبريل.

تواجه المنطقة الأكثر تقلباً في العالم تحدياً لا يتضمن أسلحة، أو ميليشيات، أو أمراء حرب أو إراقة دماء، لكنه يدمر المجتمعات أيضاً. الشرق الأوسط، رغم أنه غني بالطاقة، لم يعد لديه ما يكفي من الكهرباء. من بيروت إلى بغداد، يعاني عشرات الملايين من الناس، اليوم، من انقطاعات يومية، مع تأثير سلبي على الأعمال التجارية والمدارس، والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية، بما في ذلك المياه الجارية والصرف الصحي.

صرح الممثل الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، الشهر الماضي، حول أزمة غزة، قائلاً: «لا ينبغي التقليل من شأن العواقب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المترتبة على أزمة الطاقة الوشيكة».

غضب عام

أثار الغضب العام بسبب الانقطاعات المتفشية احتجاجات من حين لآخر، ففي يناير، وفي واحدة من أكبر التظاهرات منذ تولي حركة المقاومة الإسلامية «حماس» السلطة في غزة، قبل عقد من الزمان، ألقى آلاف الفلسطينيين جام غضبهم على السلطات المحلية خلال فصل شتاء بارد جداً، وأضرموا إطارات السيارات خارج شركة الكهرباء، ورشقوا مقرها بالحجارة.

يملك العراق خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم، لكن خلال العامين الماضيين اندلعت تظاهرات متكررة مناهضة للحكومة، بسبب انقطاع متكرر للتيار الكهربائي، الذي نادراً ما يتم الإعلان عنه مسبقاً، رغم أنه يتم لفترة غير محددة. إنها قضية واحدة توحد السنة المنكسرين في الغرب، والشيعة في الجنوب القاحل، والأكراد في الشمال الجبلي.

وفي سورية، قام أنصار الرئيس بشار الأسد في اللاذقية، المعقل الرئيس لأسرته، الذين ظلوا موالين لمدة ست سنوات من الحرب الأهلية، بالتظاهر ضد الانقطاعات، وقد نظموا احتجاجاً في يناير الماضي بعد خفض توافر التيار الكهربائي الى ساعة واحدة فقط في اليوم.

على مدى الأشهر الثمانية الماضية، ذُهلت من حديث الناس بشكل أقل عن آفاق السلام، ومخاطر «داعش»، أو نوايا الرئيس ترامب في الشرق الأوسط، مقارنة بمعاناتهم في الحياة اليومية. وعادت الأسر إلى الاستيقاظ في منتصف الليل عندما يعود التيار الكهربائي فجأة من أجل القيام بغسل الملابس، أو إجراء معاملات تجارية على أجهزة الكمبيوتر، أو شحن الهواتف، أو مجرد الاستحمام واستخدام المراحيض، إلى أن تنقطع الكهرباء مرة أخرى. وقد توقفت بعض الأسر عن استخدام المصاعد بسبب الذعر الذي يصيب أطفالهم عندما يبقون عالقين في كثير من الأحيان بين الطوابق.

زيادة الطلب

اشتكى الطلاب من البرد القارس في الفصول الدراسية خلال فصل الشتاء، في حين يضطرون للدراسة أو القيام بواجباتهم دون أجهزة الكمبيوتر، والقراءة ليلاً على ضوء الشموع. وستزداد التحديات قريباً مع زيادة الطلب على الطاقة والتكييف، حيث درجات الحرارة الصيفية المرتفعة.

تتباين أسباب هذا الانقطاع من بلد إلى آخر، وباستثناء دول الخليج فإن البنية التحتية قديمة أو غير كافية في العديد من البلدان العربية الـ23. وقد أدت الحروب في المنطقة، في الماضي والحاضر، إلى أضرار أو تدمير الشبكات الكهربائية. بعض الحكومات، حتى في العراق، لا تستطيع تحمل كلفة تشغيل محطات الطاقة على مدار الساعة. وقد أدى الفساد المزمن إلى تعقيد التحديات الميدانية، فيما عمل السياسيون على تأخير أو منع الحلول، إذا لم يحصل المقربون منهم على عقود لشراء الوقود، أو بناء وصيانة محطات توليد الطاقة.

لقد أدت حركة اللاجئين إلى مزيد من التذبذب في توزيع الطاقة. لبنان والأردن والعراق ومصر، التي تكافح بالفعل في هذا المجال، استقبلت مئات الآلاف من اللاجئين السوريين منذ 2011. وقد أخبرني حاكم أربيل، نوزاد هادي مولود، أن إقليم شمال كردستان العراق، الذي يضم أربعة ملايين نسمة أغلبهم أكراد، استقبل نحو مليوني نازح عراقي هربوا من تنظيم «داعش» منذ 2014، فضلاً عن أكثر من 100 ألف لاجئ فروا من الحرب في سورية المجاورة منذ 2011.

لم يعد لدى كردستان المرافق، أو الوقود، أو الأموال، لتوفير الطاقة. وتراوح مدة توافر التيار بين تسع و10 ساعات يومياً، وفقاً لمسؤول في شركة الكهرباء في كردستان، على الرغم من أن الوضع أسوأ في أجزاء أخرى من العراق. زرت المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، في منزله، لأن الكهرباء باتت حالياً مسألة سياسية، وهو لا يفضل استضافة صحافي في مقر العمل. كان وقت الغسق وكانت غرفة المعيشة مضاءة بشكل سيئ، وكان منزله بلا كهرباء أيضاً، والشيء الوحيد الذي يعمل كان ساعة الحائط. قال لي: «إنها تعمل بالبطارية».

سألته ما إذا كان يعرف متى تعود الكهرباء، هز كتفيه وأجاب: «عندما ترين المصابيح تضيء مجدداً»، متابعاً: «أنا مجرد موظف في شركة الكهرباء، والإدارة لا تبلغني بمواعيد عودة التيار».

وفي أربيل، كما هي الحال في المدن الأخرى بمختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، البدائل الوحيدة هي مولدات صاخبة وملوثة، تكلف من ثلاثة إلى عشرة أضعاف المقابل الذي يدفع للدولة.

روبن رايت  كاتبة ومحللةسياسية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط

تويتر