تموِّل «الإرهاب» في الخفاء والعلن

قطر استنَّت قوانين تجرِّم غسيل الأموال لكنها ظلت بين صفحات الكتب

صورة

من الأهمية بمكان تقييم سجل قطر في تمويل الإرهاب، على ضوء قرار «جبهة النصرة»، في يوليو 2016، إعادة تسمية نفسها باسم «جبهة فتح الشام»، بحيث تبدو بأنه «لا علاقة لها بأي طرف أجنبي». ووفقاً للمصادر التي ذكرتها وكالة رويترز، فقد قادت قطر جهوداً كبيرة، بدأت في عام 2015، لتعزيز المعارضة السورية من خلال إقناع «النصرة» بالابتعاد عن «القاعدة».

فمنذ عام 2014، يعتقد بعض المسؤولين أن الضغط الأميركي أقنع قطر بأن تتخذ «موقفاً أكثر تعاوناً على المستوى السياسي بشأن تمويل الإرهاب». وفي عام 2015، ذكر مسؤول في الإدارة الأميركية أن التعاون بدأ «يتحسن». وفي أبريل 2016، ذكر نائب مستشار الأمن القومي، بن رودس، أن الرئيس (باراك) أوباما «رحب بخطوة أمير قطر حول توسيع نطاق التدابير المناهضة للإرهاب، لاسيما في مجال مكافحة تمويل الإرهاب».

وبعد شهرين من ذلك، كشفت وزارة الخارجية الأميركية، في تقاريرها القطرية لعام 2015 عن الإرهاب، أن «الكيانات والأفراد داخل قطر لايزالون يمثلون مصدر دعم مالي للإرهاب والعنف والجماعات المتطرفة، لاسيما الفروع الإقليمية لتنظيم القاعدة، مثل (جبهة النصرة)».

- تزعم القيادة العليا لتنظيم (القاعدة)، وفقاً لواشنطن، أنها تتلقى الدعم من ممولين مقيمين في قطر، بما في ذلك تنظيم (القاعدة في شبه جزيرة العرب)، و(حركة الشباب)، و(القاعدة في شبه القارة الهندية)، وعناصر (القاعدة) في إيران، و(القاعدة في العراق)، وتنظيم (داعش).

- وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، دفعت قطر فدية بقيمة 16 مليون دولار في مارس 2014، لـ13 راهبة سورية، وثلاثة أشخاص آخرين، كانت تحتجزهم (النصرة).

وتصف الولايات المتحدة قطر، تاريخياً، بأنها الجهة التي توفر التمويل للمجموعات الإرهابية الأخرى إلى جانب «النصرة». وتزعم القيادة العليا لتنظيم القاعدة، وفقاً لواشنطن، أنها تتلقى الدعم من ممولين مقيمين في قطر، بما في ذلك تنظيم «القاعدة في شبه جزيرة العرب»، و«حركة الشباب»، و«القاعدة في شبه القارة الهندية»، وعناصر «القاعدة» في إيران، و«القاعدة في العراق»، وتنظيم داعش المتطرف. ووفقاً لوزارة الخزانة الأميركية، فإن «أمير الانتحاريين» توصل إلى ترتيب «لتلقي ما يقرب من مليوني دولار من أحد المسهلين المنتمين لتنظيم «داعش»، الذي نظم جهود جمع أموال في قطر.

لا مؤشر إلى الالتزام

وعلى الرغم من ذلك، ليست هناك أي إشارة تدل على أن قطر تصرفت ضد هذا الممول، الذي لم يكشف عن اسمه. وتستضيف دولة قطر جامعي الأموال لحركة «حماس»، رغم العقوبات الأميركية بحقهم، بل إنها قامت بتمويل المجموعة مباشرة. وذكرت الولايات المتحدة أن حركة طالبان و«الاشكار - طيبة» قامتا بجمع أموال في قطر.

ما يجدر ذكره هنا أن الدوحة وقعت عام 2014 في الذكرى السنوية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، على بيان جدة، الذي ينص ليس فقط على «مواجهة» تمويل «داعش» و«المتطرفين الآخرين المرتبطين بالعنف»، لكن أيضاً على «وضع حد للإفلات من العقاب، وجلب الجناة إلى العدالة». لكن بعد شهر واحد من ذلك، كشف وكيل وزارة الخزانة في ذلك الوقت، ديفيد كوهين، عن وجود ممولين مدرجين على قوائم تمويل الإرهاب الخاصة بالولايات المتحدة والأمم المتحدة مقيمين في قطر «ولم يتم التعامل ضدهم بموجب القانون القطري».

وبالمثل، كتب رئيس اللجنة الفرعية المعنية بالأمن القومي والتجارة الدولية ولجنة المالية في مجلس الشيوخ، مارك كيرك، في مايو 2016، أن الممولين الإرهابيين المدرجين في القوائم السوداء للولايات المتحدة والأمم المتحدة «لايزالون بمنأى عن العقاب في قطر».

وفي أكتوبر 2016، أثنى مساعد وزير الخزانة لتمويل الإرهاب، دانيال غلاسر، على قطر لتنفيذها بعض «الملاحقات الجنائية لممولي الإرهاب».

لا توجد إرادة سياسية

كما أن وكيل وزارة الخزانة، آدم سوزوبين، أورد بالتفصيل - في وقت لاحق من ذلك الشهر - أن القطريين لايزال أمامهم «شوط طويل ليقطعوه»، وأنهم «يفتقرون إلى الإرادة السياسية» في بعض الحالات، «والخاصة بإنفاذ قوانين مكافحة تمويل الإرهاب بفاعلية ضد جميع التهديدات، بغض النظر عن تنظيماتها أو انتماءاتها».

تفعيل القوانين

ورغم أن إدانة المواطنين القطريين أو المقيمين في قطر في تهم تتعلق بتمويل الإرهاب يمكن أن تؤدي إلى بعض الاحتجاجات المحلية والشكاوى، فإن نظام آل ثاني قادر بالتأكيد على القيام بذلك. وكما هو معروف فإن هذا النظام يستطيع السيطرة على الوضع أكثر من أي دولة خليجية أخرى، نظراً لصغر حجم البلاد، وقلة عدد سكانها نسبياً.

وفي خطوة مشهودة، سعت قطر لتقوية وتفعيل بعض قدراتها القانونية والمؤسسية، على سبيل المثال إعلانها عن خطط لإطلاق مركز تدريب لمكافحة غسيل الأموال. ولكن كل ذلك كان من الناحية النظرية، في الوقت الذي غابت فيه الإرادة السياسية. وفي الواقع، فإن لدى الدوحة قانوناً يجرم تمويل الإرهاب لأكثر من عقد من الزمان، لكنه على صفحات الكتب فقط.

ورغم عدد سكانها القليل نسبياً، وقوتها العسكرية المتواضعة، تسعى قطر إلى تجاوز وزنها وتوسيع علامتها التجارية ونفوذها في الخارج. لكن لأسباب أيديولوجية أو استراتيجية، اختارت قطر أن تحتضن ليس فقط جيرانها المباشرين والديمقراطيات الغربية الصناعية، لكن أيضاً مجموعة من الفاعلين الإسلاميين العنيفين أو المتطرفين. فهي تدعم بقوة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، و«الإخوان المسلمين»، وتؤوي العراقيين الذين تتهمهم الولايات المتحدة بتمويل «القاعدة»، وتملك قناة الجزيرة، التي توفر منبراً لزعماء الإرهاب. وفي خضم سعيها لهزيمة نظام الرئيس السوري، بشار الأسد في دمشق، رعت الدوحة جهاديين متهمين بارتكاب جرائم حرب، يتعاونون في ساحة المعركة مع «القاعدة».

يقول صحافي يغطي منطقة الخليج إن «الدوحة لا تنظر إلى (النصرة) على أنها منظمة إرهابية، بل بوصفها منظمة أصيلة في المقاومة السورية»، ونتيجة لذلك، يبدو أن «جبهة النصرة» تتمتع بمعاملة خاصة في إطار السياسة القطرية. وأوردت صحيفة وول ستريت جورنال أن قادة «النصرة» «بدأوا زيارة الدوحة في 2012، للاجتماع مع كبار المسؤولين والقادة العسكريين والممولين».

اعتراض أوباما

وفي 2013، أوردت صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس الأميركي آنذاك، أوباما، أنب الأمير حمد بشأن الأسلحة المتطورة التي تم شحنها إلى سورية، والتي يبدو أنها في طريقها إلى مجموعات مثل «جبهة النصرة».

وفي عام 2014، ذكر كاتب العمود في «واشنطن بوست»، ديفيد إغناتيوس، أن قطر «قدمت المساعدات لمنظمات مثل الجبهة الإسلامية، وهو الدعم الذي أخذ طريقه في وقت لاحق إلى متطرفي (القاعدة)».

وتصر حكومة قطر على أنها لا تساند الجماعات الإرهابية «من خلال الباب الخلفي»، من خلال دفعها فدى لهم كما تدعي بعض الجهات، إلا أن «رويترز» ذكرت أن «مصادر دبلوماسية غربية في الدوحة تقول خلاف ذلك».

وفي العديد من الحالات منذ عام 2013، ظلت قطر تواجه اتهامات في تقارير صحافية، تتعلق بدفعها فدى أو تسهيلات، يُعتقد أن «النصرة» هي الجهة التي تمر عبرها تلك الأموال.

وفي عام 2013، ذكر مسؤول أمني لبناني لوسائل إعلامية أن قطر دفعت فدية لتسعة حجاج لبنانيين واثنين من الطيارين الأتراك، وذكر كاتب عمود في صحيفة حريات التركية أن قطر دفعت هذه الأموال لـ«جبهة النصرة». و«وول ستريت جورنال» ذكرت أيضاً أنه وفقاً لمسؤول لبناني، دفعت قطر فدية بقيمة 16 مليون دولار في مارس 2014، لـ13 راهبة سورية وثلاثة أشخاص آخرين، كانت تحتجزهم «النصرة». وأوردت صحيفة ديلي بيست، عن مصادر قريبة من الجهود المبذولة لتحرير أميركيين في الخارج، أن قطر سهلت دفع فدية «لإطلاق سراح الصحافي الأميركي المختطف، ثيو بادنوس، في أغسطس من ذلك العام»

وفي الآونة الأخيرة، أكدت صحيفة تركية موالية للحكومة التركية، أن ثلاثة صحافيين إسبان، تم تحريرهم من قبل «جبهة النصرة» في مايو 2016 مقابل 11 مليون دولار، توسطت في تحريرهم قطر وتركيا.

ويشير بعض المراقبين إلى أن الولايات المتحدة أدرجت مواطناً قطرياً واحداً، في ما يتعلق بتمويل «جبهة النصرة»، ما يعني أن مشكلات الدوحة في ما يتعلق بالمجموعة طفيفة للغاية، وفي حين أن هذا الرقم دقيق من الناحية الفنية، فإنه أيضاً يسيء بشكل كبير لتقدير عدد الأفراد الذين يمولون المجموعات الإرهابية المتخذين من قطر مقراً لهم، وكما هو معروف أن واشنطن أدرجت مواطنين قطريين في قوائمها لمكافحة الإرهاب بتهم أخرى، إلا أن هؤلاء تتهمهم تقارير صحافية بأنهم متورطون في تمويل «النصرة».

ديفيد آندرو واينبيرغ 

تويتر