تشبه الملصق الإعلاني الذي يخدم جهتين ذواتي توجهين مختلفين

طوال 20 عاماً.. قطر واصلت دعم الحـركات المتطرفة والمنظمات الإرهابية

صورة

تمثلت الأهداف المهمة لاجتماعات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع القادة العرب والإسلاميين، نهاية الأسبوع الماضي، في تشجيعهم على تحمل المزيد من العبء في الدفاع عن المصالح المشتركة، لاسيما مواجهة التهديدات الإرهابية وإيران، وفي هذا الصدد، سيكون من غير المستحسن للرئيس الأميركي أن يجعل إمارة قطر الصغيرة إحدى أولوياته العليا، وهي الحليف الذي يعتمد في أمنه كلياً على أميركا، والتي منذ أكثر من 20 عاماً اتبعت بشكل منهجي عدداً من السياسات، التي فشلت ليس فقط في الدفع قدماً بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وإنما قوّضت في حالات كثيرة جداً هذه المصالح بشكل فعّال.

ملصق إعلاني

ازدواجية مقلقة

الازدواجية المقلقة للسياسة القطرية تجاه الولايات المتحدة ازدادت سوءاً من نواح كثيرة، خصوصاً منذ عام 2011. وفي الوقت نفسه، فإن جيران قطر، خصوصاً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بدتا أكثر انزعاجاً للدور القطري في زرع عدم الاستقرار الإقليمي، وفي الوقت نفسه، أكثر انفتاحاً وثقة حول استعراض شراكاتهما العسكرية مع واشنطن.

أساليب إعلامية تضليلية تتبعها قناة الجزيرة

  • ادعاء الدفاع عن القضية الفلسطينية رغم العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل.
  • المطالبة بالديمقراطية في البلدان العربية، والتعمية على اعتقال من يطالب بها في قطر.
  • فتح المجال أمام أبواق «الإخوان المسلمين»، لكسب تعاطف شعوب الخليج.
  • ادعاء الوقوف مع حرية الشعوب، وتجاهل الكبت الذي يتعرض له الشعب القطري.

  • ليس هناك أي قوة خارجية أكثر من قطر تتحمل مسؤولية تحويل «الربيع العربي» إلى «شتاء إسلامي» عام 2011.
  • يجب وضع مقاييس واضحة للتغيير الذي يطرأ على سلوك قطر وآليات التنفيذ وتطبيقها بشكل صارم.
  • أراد نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، وضع دراسة لاستكشاف بدائل إقليمية لنقل قاعدة العيديد الجوية، إلا أن الجيش الأميركي أرجأ هذا الاقتراح.
  • إن كان القطريون يهتمون بالاعتراف بنتائج سياستهم المدمرة أم لا، فإن الحقيقة هي أن العلاقات مع أميركا تسوء ببطء، وستتعرض أميركا لضرر كبير إذا سمحت لهذا النهج بالتفاقم.

وفي الواقع تشبه قطر الملصق الإعلاني الذي يخدم جهتين ذواتي توجهين مختلفين، فهي تستخدم كلا الوجهين عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، فمن ناحية هي تمثل وكيلاً يوفر المأوى لبعض من أهم المرافق العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى، ربما كانت الداعم الرئيس سياسياً ومالياً وعسكرياً وأيديولوجياً - عبر قناة الجزيرة - لبعض أكثر القوى الراديكالية زعزعة للاستقرار في المنطقة.

لائحة الاتهام ضد قطر طويلة جداً، بحيث لا يمكن إيرادها هنا بالتفصيل، وغني عن القول، ليس هناك أي قوة خارجية أكثر من قطر تتحمل مسؤولية تحويل «الربيع العربي» إلى «شتاء إسلامي» عام 2011، فقد قامت بتمويل حكومة «الإخوان المسلمين» الكارثية للرئيس المخلوع، محمد مرسي في مصر. وبعد إطاحة مرسي في عام 2013، طفقت قطر في العمل على زعزعة استقرار حكومة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، واضعة قناة الجزيرة وغيرها من منصات البث المدعومة من قطر في خدمة «الإخوان المسلمين» المصريين، في حين استضافت الدوحة مبدئياً العديد من زعماء «الإخوان المسلمين» المنفيين.

الأعمال المدمّرة في ليبيا وسورية

الأعمال المدمّرة لقطر تبدو أكثر فظاعة في ليبيا وسورية، ولا يشمل ذلك المال والتحريض فحسب، بل الأسلحة التي توفرها أيضاً بكميات كبيرة لجميع الإسلاميين الراديكاليين. وعلى الرغم من الجهود المتواصلة التي تبذلها الولايات المتحدة لتوجيه الدعم المقدم من شركائها لفصائل أكثر اعتدالاً وبراغماتية، تتجاهل قطر على الدوام المخاوف الأميركية، وتوفر كميات كبيرة من الأسلحة للعديد من الميليشيات المتطرفة، التي تثير قلقاً كبيراً لصانعي السياسة في واشنطن.

ومع ذلك، فإن أياً من هذه المظاهر ليست حديثة العهد، وعلى سبيل المثال: عندما كنت أعمل في منتصف التسعينات ضمن طاقم وزير الخارجية الأميركي، وارن كريستوفر، نمى إلى علم الولايات المتحدة أن كبار المسؤولين في حكومة قطر، من المحتمل أن يكونوا قد وفروا المأوى لمتطرف تورط في مؤامرة تم إحباطها لتفجير طائرة مدنية أثناء توجهها إلى الولايات المتحدة. ولكن بعد أن اتصل مكتب التحقيقات الفيدرالي بقطر من أجل اعتقال المشتبه فيه، اختفى فجأة. وكان هناك تأكيد واسع النطاق من قبل مسؤولي الاستخبارات، أن هناك إرهابياً حصل على رعاية من أعلى مستويات الحكومة القطرية. واقترح مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، لويس فريح، في رسالة صريحة إلى وزير الخارجية القطري، يؤكد فيها أن لدى حكومة الولايات المتحدة «معلومات مزعجة» تفيد بأن المشتبه فيه «هرب مرة أخرى من مراقبة الأمن القطري، ويبدو انه على علم باهتمام مكتب التحقيقات الفيدرالي بأمره».

ولم يكن ذلك المتطرف سوى خالد الشيخ محمد، الذي شارك في ما بعد، في الهجمات الشهيرة بالحادي عشر من سبتمبر. والجدير بالذكر أن المسؤول الكبير، الذي يعتقد أنه وفر المأوى والدعم لخالد، خدم تقريباً دون انقطاع كوزير في حكومة قطر حتى عام 2013، وأبرز الوظائف التي شغلها هي رئاسة الأمن الداخلي في البلاد.

مثل آخر من المحفوظات الشخصية، في عام 2004، عندما كان مد التمرد في أوجه في العراق، كنت من بين طاقم شؤون الأمن القومي لنائب الرئيس آنذاك ديك تشيني، وكانت قناة الجزيرة، خلال قيام الطيارين الأميركيين بمهام قتالية ضد إرهابيين عراقيين انطلاقاً من قاعدة العيديد الجوية في قطر، تحرّض العالم العربي ضد القوات الأميركية بلا هوادة. ويوماً بعد يوم، انتشرت صور غاية في الفظاعة لنساء وأطفال قتلى في جميع أنحاء المنطقة، ضمن حلقة مستمرة تقريباً، مقترنة بادعاءات عن جريمة حرب مزعومة مرتبطة في ذهن الجمهور، بما تطلق عليه قناة الجزيرة بشكل استفزازي «الحرب الأميركية على العراق». وتعتبر الجزيرة هي المحطة الإخبارية التي أصبحت بعد أحداث ‏‏‏11 سبتمبر القناة المفضلة للمكالمات الصوتية لزعيم تنظيم «القاعدة» السابق، أسامة بن لادن، ضد أميركا - وينعتها تشيني باسم «منفذ أسامة للعالم» - وظلت البوق الدعائي للمسلحين خلال أسوأ سنوات الحرب العراقية ضد التمرد.

كاميرات الجزيرة

وعجز المحللون الأميركيون عن إحصاء عدد المرات التي كانت فيها كاميرات الجزيرة في المواقع في الوقت المناسب، لالتقاط هجوم مذهل على القوات الأميركية. كانت الأدلة الظرفية على تواطؤ الجزيرة مع الإرهابيين، الذين يستهدفون الجنود الأميركيين مقنعة للغاية، وانتقد قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط آنذاك، الجنرال جوني أبي زيد، ما تقوم به الجزيرة، مصرحاً بأنه «من المثير للاهتمام بالنسبة لي أن أعرف كيف تستطيع الجزيرة أن تصل إلى موقع الجريمة، عندما يظهر رهينة أو بعض المشكلات الأخرى». وأرسل رئيس أركان سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق، باتريك كينيدي، رسالة اتهام إلى مجلس إدارة قناة الجزيرة، يسألهم فيها «ما الإجراءات التي يتبعونها عندما يتلقى أحد العاملين في القناة معلومات بشأن هجوم وشيك، أو غير ذلك من الحوادث غير المحددة، التي قد تؤدي إلى إصابة أو وفاة أي شخص، بما في ذلك المدنيون، والسلطات المدنية، أو الأفراد العسكريون؟».

ويعتبر الجيش الأميركي أن أنشطة الجزيرة تضره، للحد الذي رأى فيه تشيني ووزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، في أبريل 2004، أن من الضروري تنظيم اجتماع استثنائي في الجناح الغربي لمكتب تشيني مع وزير الخارجية القطري الزائر. وكان اثنان من أقوى كبار المسؤولين في الإدارة «نصبوا كميناً للوزير القطري»، وكانت نقطة النقاش تتمثل في أن الجزيرة تصور الأميركيين الذين قتلوا في العراق، فإما أن تضع قطر حداً لأكاذيب المحطة وتحريضها ومؤازرتها للعدو، أو أن تضطر الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم علاقتها الثنائية مع الدوحة.

واسترعت هذه الرسالة اهتمام قطر - على الأقل مؤقتاً. وبسرعة كبيرة، أعلنت الحكومة القطرية الحاجة إلى مزيد من الاحتراف في قناة الجزيرة. بعد ذلك بوقت قصير، مع الكثير من الضجة، أعلنت المحطة أنها اعتمدت ميثاق شرف جديداً.

إلا أن ذلك لم يدم طويلاً. ومن الأمثلة على ذلك: بعد بضعة أشهر من اجتماع تشيني - رامسفيلد، أصدر رجل الدين المصري الشهير الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين في العالم، يوسف القرضاوي، الذي كان يستضيف أحد البرامج الأسبوعية الأكثر شعبية في الجزيرة، فتوى، في مؤتمر عقد في القاهرة، أعلن فيه أن «كل الأميركيين في العراق مقاتلون، ولا فرق بين المدنيين والجنود، وينبغي للمرء أن يقاتلهم، لأن المدنيين الأميركيين جاءوا إلى العراق من أجل خدمة الاحتلال. وإن اختطاف وقتل الأميركيين في العراق هو التزام (ديني)». وغني عن القول إنه على الرغم من بعض الهيمنة والصراخ في محاولة تفسير الفتوى، لم ينقطع ظهور القرضاوي عن قناة الجزيرة أبداً.

خداع أميركا

ما حدث ببساطة هو أن القطريين خدعوا أميركا، وأراد تشيني أن يدعم تهديده من خلال قيام «البنتاغون» ببدء دراسة لاستكشاف بدائل إقليمية لنقل قاعدة العيديد الجوية، إلا أن الجيش الأميركي أرجأ هذا الاقتراح، ودفنه حتى انتهى تماماً. وعلى ما يبدو، وعلى الرغم من غضب القيادة المركزية للولايات المتحدة بشأن التعامل المزدوج الذي تنتهجه قطر، فإن ذلك لم يكن مبرراً كافياً للميزة الهائلة التي يتمتع بها الجيش الأميركي في القاعدة القطرية: أحدث المرافق، حرية غير مقيدة للعمليات، وبلد مضيف سخي جداً. ولعل الأهم من ذلك هو أن الجيش بدا مقتنعاً، وليس من دون سبب وجيه، بأن هذه المزايا سيكون من المستحيل تكرارها مع أي شركاء إقليميين آخرين للولايات المتحدة، والذين بدوا أكثر حساسية للآثار السياسية المترتبة على وجود آلاف من القوات الأميركية التي تشن علناً حرباً في مسارح متعددة في العالم الإسلامي.

الأميركيون الذين التقوا أخيراً على انفراد بالقادة السعوديين، علموا بأن قرار السماح للقوات الأميركية بالانسحاب من قاعدة الأمير سلطان الجوية في المملكة عام 2003 (لمصلحة قاعدة العيديد)، بأنها «واحدة من أكبر أخطائنا». وهناك أيضاً شائعات عن جهد مشترك بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لجمع الموارد لضمان أن يكون لدى الأميركيين خيارات بديلة في المنطقة، تتناسب أو تتجاوز ما يتمتعون به في قطر.

الخليج العربي يتغير

الخليج العربي آخذ في التغير، ويتغير على هذا الأساس نفوذ الولايات المتحدة، ونظراً لتجربة المنطقة غير الموفقة مع إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، وضخامة التهديدات التي تواجهها حالياً، فإن الخليج يتطلع كما هي الحال للقيادة الأميركية. والدليل على ذلك الاستقبال الهائل لترامب في الرياض. كل هذا ينبغي أن يصب مباشرة في «فن التعامل» للرئيس ترامب، من خلال حثه القطريين والحلفاء الإقليميين الآخرين لبذل المزيد من الجهد.

وبطبيعة الحال يجب أن يصب الجهد الأميركي في قناة إجبار الدوحة على السير في الطريق القويم، عندما يتعلق الأمر بأنشطتها اللامنهجية، ودعمها للتطرف. وما إذا كان القطريون يهتمون بالاعتراف به أم لا، فإن الحقيقة هي أن العلاقات مع الولايات المتحدة تسوء ببطء، ونحن سنسبب لأنفسنا ضرراً كبيراً، إذا سمحنا لهذا النهج بالتفاقم، وعلى طاقم الرئيس مواجهة ذلك بصراحة ووضوح، بالتعاون مع نظرائهم القطريين. ويجب وضع مقاييس واضحة للتغيير وتنفيذها وتطبيقها بشكل صارم. وينبغي أن توضع العلاقة في مسار أكثر استدامة، وإلا فإن الفتق سيزداد سوءاً. ومع خياراتها الإقليمية المتنامية ومرونتها الاستراتيجية تستطيع للولايات المتحدة أن تتحمل هذه الانتكاسات، ولكنها ستزدهر بالتأكيد، ولاتزال تزدهر.

بقلم: جون حنا كبير المستشارين في مجمع الدفاع عن الديمقراطيات، ولديه خبرة تفوق الـ20 عاماً في حقل السياسة الخارجية الأميركية.

تويتر