الحرب الأهلية والفساد من بين أسبابها

المجاعة في جنوب السودان تحصـد أرواح الآلاف وتشرّد الملايين

صورة

يعاني جنوب السودان نذر مجاعة طاحنة أفرزتها الحرب الأهلية الشرسة، التي لاتزال رحاها تدور في هذه الدولة الإفريقية الحديثة، وعدم الاستقرار الاقتصادي. ويواجه أكثر من 100 ألف شخص خطر نقص الغذاء، بينما يحتاج ثمانية ملايين شخص تقريباً إلى مساعدات غذاء عاجلة. ويقول مكتب الإحصاء الوطني في جنوب السودان إن أجزاء عدة من ولاية الوحدة (شمال) «صنّفت باعتبارها في حالة مجاعة، أو تواجه خطر المجاعة»، وفق المؤشر الأكثر استخداماً لتصنيف الأمن الغذائي. وتحذر وكالات الإغاثة من أن هذا الرقم قد يتصاعد، إن لم تصل المساعدات الغذائية الدولية بسرعة، حيث من المتوقع أن يصل عدد من يتأثرون بنقص الغذاء إلى 5.5 ملايين شخص.

ويقول متحدث باسم منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) إن عدد المتأثرين بنقص الغذاء لم يكن أبداً بمثل هذا المستوى، ولهذا السبب اضطرت حكومة جنوب السودان إلى إعلان هذه المنطقة ومناطق أخرى مناطق متأثرة بالمجاعة.

تصنيف المجاعة

لابد من استيفاء ثلاثة معايير من أجل وصف الوضع بأنه مجاعة، حسب الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي، حيث تتمثل هذه المعايير في أن يعاني 30٪ من الأطفال سوء التغذية الحاد، و20٪ من السكان يواجهون نقصاً شديداً في المواد الغذائية، وموت على الأقل شخصين من كل 100 ألف شخص من الجوع.


• %86 من اللاجئين الذين يعبرون الحدود هم من النساء والأطفال، وفقاً للأمم المتحدة. أما الرجال فمعظمهم يشاركون في القتال بجنوب السودان أو يحاولون كسب عيشهم بطريقة ما.

ويقول رئيس الاتصالات بشرق وجنوب إفريقيا بصندوق الطفولة العالمي (يونيسف)، جيمس الدر: «إن الكثير من السكان فروا من القتال واضطروا لأكل أي شيء يجدونه أمامهم من العشب، وحتى بصيلات النباتات». يضاف إلى ذلك أن ما يصل إلى مليون طفل يعانون سوء التغذية. ويؤكد ممثل «يونيسف» في جنوب السودان، جيريمي هوبكنز، أنه «إذا لم نصل اليهم بسرعة سيموت منهم الكثير». العام الماضي استطاع «يونيسف» أن يعالج وضع 148 ألف طفل مصابين بسوء التغذية، وهو رقم يزيد بـ 50% على العدد الذي تم التعامل معه عام 2015. ولاية الوحدة هي الأكثر تأثراً من بقية مناطق البلاد بسبب القتال الدائر هناك.

صراع على السلطة

قبل بضع سنوات كان العالم يعلّق آمالاً كبيرة على مستقبل جنوب السودان، عندما أصبحت أحدث دولة في العالم في عام 2011. وعاد عدد من أبناء جنوب السودان الى الوطن قادمين من دول الشتات التي كانوا يقيمون فيها، على أمل أن يروا بلادهم تزدهر، وأن يسهموا في تقدمها. إلا أنه وبعد استقلاله عن شمال السودان في 2011 شهد صراعاً مريراً على السلطة بين الرئيس سلفا كير ميارديت ونائبه رياك مشار، على الرغم من أنهما كانا حليفين في قتالهما ضد حكومة الخرطوم من أجل الاستقلال. وأدى القتال بين فصائل كير ومشار إلى نزوح أكثر من مليوني شخص، بينما قتل أكثر من 50 ألف شخص، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من توقيع اتفاقية سلام بين الزعيمين عام 2015، وتشكيل حكومة انتقالية في العام التالي، إلا أن الحكومة الانتقالية انهارت سريعاً، بعد أشهر قليلة، لتغرق البلاد مرة أخرى في الصراع.

تم إعلان جنوب السودان دولة على شفا المجاعة مرتين خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن وكالات الإغاثة تقول إن هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، لأنها ــ أي الوكالات ــ لا تستطيع الوصول إلى المناطق المتضررة بسبب القتال المستعر هناك. وبسبب الحرب الأهلية لم يستطع المزارعون العمل في الحقول، واضطر السكان للاعتماد على صيد الأسماك وجمع الأطعمة البرية. الأمر الذي جعل معدل التضخم يصل الى 800٪، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع.

أسباب بشرية وبيئية

ويقول الخبير الاقتصادي في «الفاو»، لورنزو بيلو: «إن الصراعات واحد من الأسباب الرئيسة لانعدام الأمن الغذائي». ويضيف «إن هذا الصراع العنيف أدى إلى عرقلة الإنتاج الزراعي، ما أدى بالتالي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في البلاد، كما أن المنطقة تشهد أيضاً جفافاً طال أمده بسبب تغير المناخ»، وبعبارة أخرى، فإن الأزمة هي إلى حد كبير من صنع الإنسان، وكان من الممكن تجنبها، ففي ديسمبر الماضي حظرت الأمم المتحدة توريد الأسلحة إلى جنوب السودان، حيث يعتقد الخبراء أن هذا الحظر قد يخفف من حدة الصراع ويعالج نقص الغذاء. وحثت جماعات إنسانية المجتمع الدولي لأشهر عدة بضخ المساعدات والمواد الغذائية إلى جنوب السودان لتفادي المجاعة، ولكن من دون جدوى.

وجاءت المجاعة، «إلا أن العاملين في المجال الإنساني ليس لديهم حتى الآن ما يكفي من الموارد لمواجهة الموقف»، كما يقول المتحدث باسم الأمم المتحدة في العاصمة جوبا، جورج فومينين، ويضيف «نحن قلقون جداً من قلة الموارد، حتى هذا القليل قد ينفد بحلول نهاية يونيو».

الفرار إلى دول الجوار

الآلاف من اللاجئين الجنوب سودانيين يعبرون حدود الدول المجاورة يومياً هرباً من الحرب والمجاعة في بلادهم، وتفرض كلٌ من القوات الحكومية وقوات المعارضة المسلحة رسوماً تعادل ثلاثة دولارات لكل من يريد أن يعبر الحدود. في ديسمبر، حذّر الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، من «خطر هذه الفظائع الجماعية، التي تشمل نوبات متكررة من التطهير العرقي، والتي قد ترقى إلى الإبادة الجماعية». يقول المواطن وليام تومدين: «أطلقت القوات الحكومية النار على جيراننا، مدعية أنهم يساعدون المتمردين، لكنهم ليسوا كذلك، وهذا هو السبب في هربي من البلاد، قضيت جلّ حياتي هارباً».

%86 من اللاجئين الذين يعبرون الحدود هم من النساء والأطفال، وفقاً للأمم المتحدة. أما الرجال فمعظمهم يشاركون في القتال في جنوب السودان أو يحاولون كسب عيشهم بطريقة ما.

تقول نانسي يوبو (21 عاماً)، بعد دقائق من عبورها الحدود الى أوغندا: «غادرت منزلي عند الساعة 3 مساءً، الكثير من الناس كانوا يقولون لي: هل تريدين أن تموتي؟ اذا أردت أن تعيشي غادري البلاد، كنت خائفة من أن يأتوا الى بيتي» تقصد الأطراف المتحاربة.

اغتصاب النساء بدلاً من الراتب

ويؤكد أحد تقارير الأمم المتحدة أن مسؤولين حكوميين يسمحون للجنود باغتصاب النساء عوضاً عن رواتبهم، ما جعل العديد من النساء يغادرن قراهن على عجل للهرب من هذا المصير. معظم النساء يعبرن الحدود بمفردهن حاملات أطفالهن وطعامهن وبعض حاجيات المنزل الخفيفة. ويقول المتحدث باسم الأمم المتحدة، وليام سبندلر: «أكثر من 60% من اللاجئين أطفال، الكثير منهم يعاني سوء تغذية مريعاً».

تويتر