البيت الأبيض خفض سقف التوقعات حول «إعلان وشيك» للخطوة

نقل السفارة الأميركية إلى القدس يتراجع على جدول أعمال ترامب

صورة

اللهجة العدائية التي تبناها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خطاب تنصيبه الأسبوع الماضي، تشير إلى أنه من البداية، لن يهدر الكثير من الوقت في معالجة أكبر الهموم التي تعترض طريقه. فقد أصدر أمراً تنفيذياً، ظهر الجمعة الماضية، ضد ما يسمى خطة (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما الصحية (أوباما كير)، ثم خلال عطلة نهاية الأسبوع، اتخذ خطوة مفاجئة في حربه ضد وسائل الإعلام، حيث يشي الوضع بانعدام أي أمل في وقف العدائيات بين الطرفين، مع الوابل الكثيف من الأكاذيب الذي ظل يطلقه فريق ترامب الصحافي.

تغيير السياسة الأميركية

لم تعد الافتراضات القديمة بشأن صناعة السياسة سارية، كما أعلن الرئيس الأميركي الجديد بوضوح عند توليه منصبه، لهذا فإن صداقة مفترضة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلاقات ودودة مع الرياض أو القاهرة، قد تكون أقل أهمية في ما يتعلق بنهج أميركا في الشرق الأوسط الكبير، خصوصاً إذا قرر ترامب التركيز على الشؤون الداخلية بقدر أكبر، وكما أشار في كلمته الافتتاحية. وفي هذه الحالة، فإن تصرفه بطريقة تثير غضب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة (وما يترتب عليه من رد إسرائيل بطريقة عنيفة)، قد لا يكون ذا أهمية كبيرة بالنسبة له، وقد يتمثل هدف ترامب المعلن في سلام طويل الأمد بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن إذا أصر على نقل السفارة السفارة الأميركية إلى القدس، فإن استمرار الصراع هو النتيجة الأكثر احتمالاً.

والآن.. وبعد أن بدأ ترامب يلوح بعصاه السحرية في أنحاء أميركا، فهل سيكون الشرق الأوسط هو التالي ليخضع لعصا الساحر؟ بالتأكيد فعندما يتعلق الأمر بالبحث عن حل للغز الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن ترامب يعتقد أن زوج ابنته (جاريد كوشنر)، سيكون الرجل المناسب لوضع خطة تقبلها جميع الأطراف. فهو على الأقل يتمتع بميزة يستطيع من خلالها أن يحقق ما لم يستطع أي شخص آخر تحقيقه، خلال عقود من المحاولة.

وبما أن ترامب رجل يتخذ العديد من الخطوات الرمزية، فإن احتمال نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، قد لا يكون بمثابة مفاجأة كبيرة للجميع، ومن المؤكد أن يثير هذا الفعل قلق الكثير من الدول في أنحاء العالم العربي، حيث ذكر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أن بناء سفارة جديدة هناك «لن يساعد السلام»، وسوف «يدمر حل الدولتين»، وسيكون أيضاً متعارضاً مع رفض الأمم المتحدة المستمر الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.

وفي حقيقة الأمر، إن مسألة وضع القدس تعتبر أمراً شائكاً، وتمسك بتلابيب لغز الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني على نطاق واسع. ومدينة القدس هي إما أن تكون سبباً في السلام الدائم، أو سبباً في الحيلولة دون ذلك. فكل من الإسرائيليين والفلسطينيين يعتبرونها عاصمة لهم. لكن الإدارة الإسرائيلية الحالية، وتماشياً مع كثير من سابقاتها، تزعم أن كل القدس - وليس جزءاً منها - ستبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية، فعلى الرغم من أن نقل أي سفارة أجنبية للقدس لن يكون، في حد ذاته، تحركاً ضد حل الدولتين، المحتمل مستقبلاً، إلا أن معظم المهتمين بهذا الشأن ينظرون إليه على أنه يمثل دعماً للموقف المتشدد، الذي تتبناه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

ويبدو أن اختيار ترامب لسفير لدى إسرائيل يتميز بمعارضته الشديدة لاقتراح حل الدولتين، أقنع بعض المعلقين بأن خطة نقل السفارة الأميركية ستؤتي ثمارها، كما تعتبر موافقة السلطات الإسرائيلية على بناء مئات المنازل الاستيطانية الجديدة في القدس الشرقية المحتلة، بعد فترة قصيرة من تولي ترامب منصبه، تعتبر إشارة أخرى إلى أن إسرائيل واثقة بأن لديها الآن صديقاً راسخاً في البيت الأبيض.

وعلى الرغم من ذلك، فإن ترامب ليس هو أول رئيس للولايات المتحدة، يثير إمكانية نقل مقر أميركا الدبلوماسي في إسرائيل إلى القدس، إذ تعهد الرئيسان السابقان: بيل كلينتون وجورج بوش الابن، على حد سواء، خلال حملاتهما الانتخابية باتخاذ هذه الخطوة، حتى أن الكونغرس، خلال فترة كلينتون الأولى، أجاز قانون نقل السفارة الأميركية للقدس. لكن منذ ذلك الحين ظل الرؤساء المتعاقبون يوقعون على «تأجيل» كل ستة أشهر، لعرقلة إنفاذ التشريعات المتعلقة بذلك، قناعة منهم بأن حماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، تتمثل في الحفاظ على السفارة في تل أبيب.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيشذ ترامب عن هذا النهج الحكيم والحذر؟ يعتقد المتشككون أنه ومستشاريه سيدركون أن مثل هذه الخطوة الرمزية لن تهدد فقط آفاق الاتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وإنما يمكن أيضاً أن تثير غضب الدول العربية، وأنها ستساعد على نحو فعال على انضمام الشباب لصفوف تنظيم «داعش»، وأمثاله من المجموعات الإرهابية، التي يدعي ترامب أنه يريد أن يخلص منها العالم. كما أن بعض حلفاء أميركا في الشرق الأوسط سيعارضون بشدة فكرة تعيين سفير للولايات المتحدة لدى إسرائيل، انطلاقاً من القدس، وهذه المعارضة هي التي يعتقد كثير من المراقبين أنها ستقنع فريق ترامب بالتخلي عن هذا المسعى.

وتحدث فريق ترامب، خلال الحملة الرئاسية، كثيراً حول نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس. لكن منذ توليه منصبه، أصبحت هذه القضية مثيرة للجدل، ويبدو أنها بشكل أكثر دقة بدأت بالفعل تتحرك نحو الأبواب الخلفية. وفي بيان قبل أول مكالمة هاتفية بين نتنياهو وترامب، بعد تنصيب الأخير مباشرة، خفض السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، شون سبيسر، سقف التوقعات بإعلان وشيك لخطوة قد تثير غضب العالم العربي. ويضيف: «نحن في المراحل الأولى جداً في مناقشة هذا الموضوع». إلا أن بعض وكالات الأنباء الإسرائيلية، والجماعات المؤيدة للاستيطان الإسرائيلي، رأت أن المكالمة التي جرت علامة إيجابية، إلا أن مسؤولين إسرائيليين أكدوا أن هذا الموضوع تطرق إليه الجانبان بالكاد، خلال المكالمة التي دامت لمدة 30 دقيقة، ويقول دبلوماسيون إنهم يعتقدون أن «الموضوع» تم ترحيله إلى أسفل جدول الأعمال، على الأقل في الوقت الراهن.

تويتر