يمثل خروجاً عن المألوف

تعيين فريدمان سفيراً لدى إسرائيل يأذن بتحوّل سياسة أميركا في المنطقة

فريدمان أسهم في بناء بعض المستوطنات الإسرائيلية. رويترز

بما أنني «الحديث للكاتب» شهدتُ العديد من التحولات الرئاسية الأميركية، فإنني استطيع الإحساس بحدوث تغيير جذري للسياسة السابقة للولايات المتحدة مع كل تحول رئاسي، لاسيما فيما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط.

في ما يتعلق بفريدمان، فهناك العديد من أمثاله، لكنني لا أذكر أبداً أن تم تعيين سفير بهذا المنصب الدبلوماسي الحساس في هذا الوقت المبكر من المرحلة الانتقالية.

آمل ألّا أكون مخطئاً بأن ذلك سيحدث بالفعل هذه المرة، حيث إن هناك نقطتين تتحدثان بما يملأ مجلدات من البيانات عما يخبئه انتقال البلاد، من إدارة الرئيس باراك أوباما، إلى إدارة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط، والعلاقات الأميركية الإسرائيلية: النقطة الأولى هي إعلان الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، اختياره ديفيد فريدمان سفيراً مرتقباً لأميركا في اسرائيل؛ أما النقطة الثانية فهي إشارة الإدارة الجديدة الى أنها جادة في نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

التغييرات في النهج والسياسة - حتى تلك المفاجئة - على حد سواء، هي طبيعية ومفهومة من إدارة إلى أخرى، حتى في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، حيث إن ذلك يشير، على العموم، إلى أنه استمرارية، أكثر من النظر اليه كتغيير في السياسة الأميركية.

فريدمان.. المنافح عن إسرائيل

فريدمان، محامٍ في نيويورك، عمل مع ترامب في بعض شركاته الترفيهية، اختصم مع إدارة أوباما، ودعا اسرائيل إلى سياسات أكثر تشدداً، واتهم إدارة أوباما بـ«العداء السافر للسامية»، لعدم دعمها اسرائيل بما فيه الكفاية، كما موّل بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المتنازع عليها في الضفة الغربية، ودعا إلى نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وهي قضية مثيرة للجدل، نظراً لان القدس لاتزال من المناطق المتنازع عليها، ولما تمثل من رمز ديني وسياسي كبير للفلسطينيين على وجه الخصوص، والمسلمين بشكل عام.

في يناير 1993، بعد أن أنهيت لتوّي أربع سنوات من العمل مع إدارة الرئيس الأميركي السابق، جورج دبليو بوش، أخبرني فريق إدارة الرئيس بيل كلينتون الجديد بعبارات لا لبس فيها أن مصطلح «عقبة في طريق السلام»، وكما يشار إلى النشاط الاستيطاني الاسرائيلي (وهي كلمات تبدو الآن ضعيفة، وتبعث على السخرية، وفارغة من مضمونها في ما يتعلق بالمشكلة)، سيتم حذفها من معجم السلام الخاص بالإدارة الجديدة، حيث أصبح ممنوعاً استخدامها من قبل أي شخص مهتم بهذا الملف. ويتمثل جزء من المبررات في رغبة الادارة الأميركية الجديدة في تخفيف حدة التوتر القائمة بين أميركا وإسرائيل في عهد رئيس الوزراء إسحق رابين، وكتلته السياسية، حزب العمل. وفي الواقع فإن رابين - على الرغم من أن بناء المستوطنات لم يتوقف في عهده - أثبت أنه ملتزم بشكل أساسي بالاتفاقات التي تم التفاوض بشأنها مع جيرانه، وبالشكل الذي لم يكن يلتزم به سلفه إسحق شامير.

في يناير 2001، وبعد أن عملتُ لمدة ثماني سنوات مكثفة في عهد بيل كلينتون بشأن عملية السلام، بدأت دواليب عملي تدور مرة أخرى في عهد جورج دبليو بوش. وبصفتي موظفاً حكومياً، كنت أرغب في البقاء - ولكن كنت اعلم أنني سأعمل تحت ظروف متغيرة جداً. وهذا ما حدث بالفعل، اذ عمدت إدارة بوش الى تفكيك مكتب المنسق الخاص لشؤون الشرق الأوسط. وأطلقت على مديره مسمى وظيفياً جديداً، وهو مستشار في المفاوضات العربية الإسرائيلية. وكانت المشكلة الوحيدة هي عدم وجود مفاوضات، ولا يوجد أحد لتقديم المشورة اليه. وكان وزير الخارجية، في ذلك العهد، كولن باول، كثيراً ما يدبر عملاً لي، ولكن بات واضحاً أن إدارة بوش لم يكن من بين أولوياتها تحقيق السلام في الشرق الأوسط. الانتقال الوشيك لرئاسة ترامب، مع ذلك، يبدو مختلفاً كثيراً عن التحولات الرئاسية السابقة التي شهدتها بنفسي. فمن المحتمل أن يختلف هذا التحول الرئاسي عما سبقه من تحولات رئاسية في الشكل والمضمون، والسوابق، والسياسة والطاقم، على الأقل هذا ما يبدو في الظاهر.

وفي ما يتعلق بفريدمان، فهناك العديد من أمثاله، لكنني لا أذكر أبداً أن تم تعيين سفير بهذا المنصب الدبلوماسي الحساس، في هذا الوقت المبكر من المرحلة الانتقالية. وعادة ما يشارك وزير الخارجية في اتخاذ القرار حول من سيكون المرشح الأفضل. ولا توجد حتى في السنوات الأخيرة سابقة لتعيين شخص ليس لديه أي تجربة حكومية، في العمل في مثل هذه الوظائف. حيث إن جميع سفراء الولايات المتحدة لدى اسرائيل كانوا يشغلون قبل تعيينهم، إما موقعاً في الخارجية أو كانوا أفراداً من ذوي الخبرة الحكومية، يتميزون بالمعرفة العميقة للقضايا والسياسات، والممارسات الدبلوماسية.

ولكن ما يهمني حول التحول عن النهج المتعارف عليه – وهو بالفعل تحول جذري – هو التصريحات التي أدلى بها فريدمان، بشأن قضايا السياسة العامة. وسواء عبرت هذه التصريحات عن وجهة نظره الشخصية، أو أنها تعكس سياسات ترامب، فإن معالم الإدارة لم تتضح بعد، ولكن ما يتضح هو أن فريدمان يحمل وجهات نظر حول بعض القضايا، مثل دعم النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، ومعارضة التوصل لحل الدولتين، والتي ظلت تتعارض لسنوات مع سياسة الولايات المتحدة.

وهناك وجهات نظر أخرى يحملها هذا الرجل، على سبيل المثال، اعتقاده بأن ضم الضفة الغربية لا يتعارض مع القانون، وهو ما يتعارض مع وجهات نظر الحكومة الإسرائيلية أيضاً. وعلى الأقل، فإن التفضيلات السياسية الصلبة لفريدمان تمثل تحولاً محتملاً نحو هذه الآراء في ظل الإدارة الجديدة.

وفي الواقع، فإن هذا التحول يتمثل بالفعل في قضية واحدة: نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فقد أشار ترامب الى أنه عازم على ذلك؛ اذ أكدت كبيرة مساعديه، كيليان كونواي، قبل ايام، أنها - أي نقل السفارة - تمثل «أولوية كبرى للغاية»، وهناك تقارير تفيد بأن فريق ترامب يمسح بالفعل المواقع. كما أن إعلان الفريق الانتقالي لاختيار فريدمان سفيراً شمل بياناً يشير إلى أنه – أي فريدمان - يتطلع لتمثيل الولايات المتحدة من سفارتها في القدس، حيث يشكل ذلك خروجاً مرعباً عن المالوف، وربما نذيراً لما ستؤول اليه الأمور في المستقبل.

والسؤال الذي يطرح نفسه بالطبع هو: ما التأثير الكبير الذي سيخلقه فريدمان في الإدارة الجديدة؟ إذا قسنا الوضع على غرار العديد من سابقيه، فليس هنا أي إشارة في أن يكون له تأثير كبير في هذا الخصوص، فقد درجت الإدارات الأميركية المتعاقبة على مناقشة الأمور الحساسة للغاية بشأن إسرائيل مباشرة مع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وليس من خلال السفير.

لاتزال هناك بعض العواقب التي خلفتها الانتخابات، وعندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإننا نتوقع تغيراً جذرياً. ويبدو أن تصور ترامب يتمثل في أنه نظراً للخلل الكبير خلال سنوات أوباما، فإن العلاقة يجب أن تزداد متانة، وهو ينوي تحقيق ذلك. ولكن على الرغم من ذلك ليس من المستبعد أن نشهد في غضون عام أو نحو ذلك مواجهات جهنمية بين ترامب، ونتنياهو - وهما شخصيتان قويتان تتمتعان بالإرادة ـ ولكن في الوقت الراهن ومع تعيين فريدمان، يتضح أن شهر عسل قد بدأ للتو بين الاثنين.

آرون ديفيد ميلر باحث في السياسة العامة في مركز وودرو ويلسون، وعمل أيضاً مستشاراً في المفاوضات العربية الإسرائيلية لوزراء خارجية الولايات المتحدة، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين.

تويتر