المرصد

انتخاب ترامب زلزال ضرب الإعلام الأميركي

إذا كان انتخاب دونالد ترامب الرئيس الـ45 للولايات المتحدة يشكل الهزيمة التاريخية بالنسبة للنخب السياسية في الولايات المتحدة بصورة عامة، وللمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بصورة خاصة، فإن ذلك يعود إلى أنه شكّل صدمة زلزالية بالنسبة لوسائل الإعلام الرئيسة في البلاد. وللأمانة التاريخية لم يحدث أبداً أن توقعت وسائل الإعلام الأميركية وبكامل الثقة، بل والتبجح أيضاً، استحالة فوز أحد المرشحين الرئيسين ودخوله البيت الأبيض، كما لم يحدث في تاريخ الانتخابات من قبل أن تعرضت وسائل الإعلام الرئيسة لمثل هذه الحال من الفشل.

وعشية هذه الحالة من المهانة والانهيار التي أصابت وسائل الإعلام الرئيسة، كان من المتوقع منها أن تقوم بدراسة تستشرف أسباب هذا الإحباط الذي منيت به، إلا أن الامر غير المتوقع أنها عمدت إلى البحث عن كبش فداء من خارج حدود الإعلام و الصحافة، وحاول بعض المحافظين في وسائل الإعلام المحافظة إلقاء اللوم عن فشل الإعلام على الشعار الجاهز دائماً، والمتمثل في «تحيز وسائل الإعلام الليبرالية».

ولكن إذا كانت وسائل الإعلام الليبرالية هي المسؤولة عن العمل غير المهني الذي قام به الصحافيون لتغطية الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016، فكيف يمكننا تفسير قيام محطة «فوكس نيوز» التلفزيونية، التي تمثل نموذجاً للصحافة الرئيسة المحافظة، باستضافة العديد من الخبراء في برامجها والذين قالوا للناخبين الأميركيين إن دونالد ترامب لن يستطيع الفوز بهذه الانتخابات، واستمر ذلك حتى مساء 8 نوفمبر 2016 عندما كانت النتائج الأولية للانتخابات قد رشحت إلى غرف الأخبار في وسائل الإعلام.

وهناك أيضاً مثال آخر عن مخرج الأفلام الوثائقية التقدمي المعروف بليبراليته المتطرفة، مايكل مور، فقبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات نشر مور فيلماً على موقعه الخاص يحمل عنوان «5 أسباب لفوز ترامب» ولم يُخف مور احتقاره الشديد لترامب في هذا الفيلم، لكن عندما تعلق الأمر بتحليل ديناميكية انتخابات 2016، كان مور يتمتع بالنزاهة الفكرية، وكان حكمه على النتيجة المحتملة يستند إلى تحليل موضوعي للحقائق التي عرفها من خلال علاقات عميقة بالعديد من الدوائر الانتخابية المحورية بالنسبة لانتصار ترامب، وكانت أكثر توقعاته تأكيداً تقول إن ترامب يمكن أن يفوز في ولايات كانت تعد صناعية سابقاً، لكن تدهورت أحوالها الاقتصادية الآن أمثال ميشيغان وأوهايو وويسكنسين وبنسلفانيا، وهي فعلاً التي منحت الرئاسة لترامب.

وترجع الأسباب الحقيقية وراء فشل وسائل الإعلام الرئيسة في الولايات المتحدة إلى ابتعاد الصحافة الأميركية عن الموضوعية التي طالما اتسمت بها، وكذلك فشل الصحافيين في فهم التغيرات التي حدثت في المجتمع الأميركي خلال ثماني سنوات من حكم الرئيس باراك أوباما، وما شعر به البيض من خطر على وجودهم كأغلبية في البلاد، كما أن المؤسسات الصحافية الأميركية لم تستوعب حتى الآن قوة وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير في الحملة الانتخابية الرئاسية، ناهيك عن أن العديد من الصحافيين انجروا وراء استطلاعات الرأي واعتبروها حقائق مثبتة إلى درجة أن أحد المحللين السياسيين أكد أن نسبة فوز هيلاري كلينتون تصل إلى 90%، في حين أن ترامب ليس له أي فرص مهمة في الدخول إلى البيت الابيض.

 

تويتر