بلدة الينابيع وأشجار اللوز لن تقدر على حمل أزهار الربيع

مياه آرائيل العادمة تغرق بروقين

صورة

تقع قرية بروقين، البلدة الواقعة جنوب غرب مدينة نابلس بالضفة الغربية، على منطقة جبلية قليلة الارتفاع، وهي تعد مدينة الجمال والزراعة والينابيع، فاسمها يخبر عن ذلك، فهو مشتق من مقطعين، الأول (بر) ويعني القمح، والثاني (قين) ويعني مكان استراحة الجمال.

وما يزيد بروقين جمالاً وجود العديد من المواقع والبقاع الأثرية فيها، والتي تدل على تاريخ وحضارة هذه القرية، ومنها خربة الفخاخير، التي تعرف أيضاً باسم خربة حمد، وتقع في شمال القرية، وتحتوي على أنقاض مبانٍ وبقايا بناء مربع ذي أعمدة صهاريج، وناووس منقور في الصخر، وكذلك خربة كركش، أو كما تعرف «كرقوش»، وتقع في الجنوب الشرقي من بروقين، وتحتوي على أنقاض قرى ومدافن منقورة في الصخر، وبركة ماء ومحاجر.

لكن الزائر إلى بروقين اليوم يصاب بالحسرة لما آلت إليه، فلن تلبس هذه البلدة الجميلة بعد اليوم حلتها مع حلول الربيع، فما عادت أشجار لوزها قادرة على حمل أزهار شهر آذار «مارس»، ولم تعد ينابيعها تروي عطش أرضها، بعد أن جارت عليها المستوطنات الإسرائيلية بملوثاتها، وعاثت في تربتها فساداً بمكباتها العشوائية.

روائح كريهة

«الإمارات اليوم» رصدت الصورة المأساوية التي تشوه جمال بروقين، فمدخل القرية غارق بالمياه العادمة، التي تتسرب من المستوطنات الإسرائيلية الجاثمة على أرض القرية، والقرى المجاورة لها في مدينتي نابلس وسلفيت، فوادي المطوي في بروقين، الذي كان نبعاً عذباً قبل عشر سنوات، يروي السكان وأراضيهم، أصبح اليوم عبارة عن نهر للصرف الصحي، ليبعث بدلاً من رائحة الليمون البروقيني روائح تجرح نسيم القرية العليل.

لم نقف طويلاً أمام هذا المشهد المأساوي، حتى بادرنا صوت أحد سكان القرية الذي كان يشرب قهوة الصباح على شرفة منزله، واستضافنا داخل المنزل، لكن الرائحة الكريهة لم تفارقنا، فهي حاضرة دوماً داخل وخارج منازل السكان. الحاج أبوعيسى أبوحجلة، ولد في منطقة وادي المطوي ببلدة بروقين، حيث قضى طفولته في المرح واللعب، ليتحسر عليها قائلاً إن «منطقة الوادي كانت قبل سنوات متنزهاً للقرية، كان يقصده كل الأهالي للاستمتاع بالمياه العذبة، وقطف النباتات الطبيعية، كالميرامية، والنعنع، والزعتر الأخضر، والشومر، التي بتنا نتحسر على رؤيتها، فالمنطقة كانت ملهى للأطفال، وأصبحت ملتقى للحشرات المعروفة وغير المعروفة».

ويضيف «مع وجود مستوطنة آرائيل، بدأت المعاناة، لتصبح القرية المكب الرسمي لمياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية لمستوطنة بركان، التي ساهمت في تلوث التربة والهواء، فأصبحت حياتنا عبارة عن جحيم بحد ذاته».

وتعد بئر المطوي مصدراً مائياً مهماً، حيث تغطي 30% من حاجة مياه مدينة سلفيت وقرية فرخة وخربة قيس، إذ تبلغ قدرتها الإنتاجية 100 كوب يومياً. ويبين أبوحجلة أن المياه العادمة لوثت خزان المطوي من خلال زيادة نسبة الأملاح، وتزايد نسبة النيرات، ما جعلها غير صالحة للاستخدام البشري أو حتى الزراعي.

ذكريات ملوثة

وبعد أن غادرنا منزل أبوحجلة، التقينا بالحاج أبومحمد البسطامي، الذي لم ينسَ، رغم كبر سنه، صورة الأرض التي كبر على ترابها، وترعرع بين تلالها، وتوضأ بمياهها العذبة، تلك الأيام التي قارنها أبومحمد بما تمر به بلدته اليوم من أحداث وصفها بالأليمة.

ويروي أبومحمد معاناة سكان القرية لـ«الإمارات اليوم»، وقد بدت على تقاسيم وجهه ملامح تعب السنين التي قضاها وهو يحاول الوصول إلى أشجار زيتونه، حيث يقول «لم تعد معالم بروقين كما كانت، إذ إنها تغيرت، كما تغيرت تربتها ومياهها وطبيعتها، وحل محل مدخل القرية الذي كانت تزينه أشجار اللوز والزيتون، أنهار المياه العادمة والروائح الكريهة».

ويضيف «ظهرت أمراض في البلدة لم نكن نسمع بها من قبل، طعم الخضار والفواكه قد تغير، ولم يعد للطعام الذي نتناوله طعم، حتى الأراضي لا تنتج كالسابق، وهناك أراض أصبحت جرداء بفعل المخلفات».

مستوطنة آرائيل

أمام هذه الكارثة التي يعانيها سكان بلدة بروقين، يبين معهد البحوث التطبيقية (اريج) في بيت لحم، أن الـمياه العادمة الناتجة عن مستوطنة آرائيل تتدفق في وادي الـمطوي، الذي يمثل أحد مصادر تغذية الحوض الجوفي الغربي في بروقين، حيث تنساب هذه الـمياه لتعبر الأراضي الزراعية المجاورة، ويستمر سيل الـمياه العادمة باتجاه أراضي قرية بروقين، ثم أراضي قرية كفر الديك، وتستمر باتجاه الخط الأخضر.

وتعد مستوطنة آرائيل من كبرى المستعمرات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية، ويبلغ عدد سكانها وفق آخر الإحصاءات الإسرائيلية 16 ألف مستوطن، علماً بأن مساحة حدودها تبلغ أربعة أضعاف مسطح البناء في المستوطنة، ما يؤهلها لاستقبال المزيد من المستوطنين في المستقبل، ليزداد ضررها على حياة الفلسطينيين، ومستقبلهم في المنطقة، إضافة إلى أثرها البالغ على البيئة، ودورها الكبير في نشر الأمراض بالمنطقة.

تجدر الإشارة، بحسب «أريج»، إلى أن معظم البيوت والمنشآت في مستعمرة آرائيل متصلة بشبكة صرف صحي، يتم من خلالها جمع المياه العادمة من بيوت المستوطنة، وإلقاؤها في منطقة تعرف بباطن الحمام وواد البئر، وبعد أن تتجمع المياه العادمة، تسير لتلتقي بعدها في الوديان وصولاً إلى واد بروقين، ومن ثم تخترق بيوت القرية حتى تصل إلى أراضي كفر الديك الجنوبية، حيث يتجمع هناك ما تبقى من المياه العادمة.

تويتر