بعد خطابه في كليفلاند ووصف نفسه بالمخلِّص

ترامب يحاول تقديم نفسه بصـورة أكثر اتزاناً لتغيير قناعات الناخبين

صورة

في الوقت الذي بدأت فيه الجموع في المؤتمر الجمهوري تهتف لمرشحها دونالد ترامب، وتردد عبارة «اسجنها»، يقصدون خصمه اللدود المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، بدأ ترامب يهز رأسه ببطء، في علامة على عدم الموافقة، ويبدو أنه لا يريد أن يلعب هذه اللعبة اليوم. وبدلاً من ذلك قال «دعونا نهزمها في نوفمبر». وكان ضبط النفس الذي أبداه ترامب مثيراً للإعجاب. العديد من المتحدثين السابقين في مؤتمر الحزب الجمهوري في كليفلاند بولاية أوهايو الأميركية، الذي تم اختتام أعماله في 21 يوليو، طالبوا بعقوبة السجن لكلينتون، أحد مندوبي الحزب قال إنه ينبغي إطلاق النار عليها، ويبدو أن هذا أيضاً لم يرق لترامب.

أثناء حملته للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، الذي حصل عليه الآن رسمياً، ظل ترامب يسخر من النساء، بسبب الدورة الشهرية وشكلهن، ورسم ذات مرة على وجهه عبارات مضحكة رداً على أحد الصحافيين المعوقين، وادعى أن أحد خصومه يتحرش بالأطفال، وشهّر بزوجة ووالد شخص آخر، وقال إنه يريد أن يجلد المحتجين، وفي مرات عدة شتم هيلاري كلينتون. ويمتدح معظم مؤيديه المخلصون، إن لم يكن دائماً، مشاعر هذا الرجل، والطريقة الصريحة التي يهاجم بها خصومه، وعلى عكس السياسيين المحترفين سليطي اللسان، يقولون مستحسنين، إن ترامب يعبر عن رأيه.

إلا أن معظم الناخبين يجدون ترامب رجلاً مشاغباً، مسيئاً ومثيراً للاشمئزاز. ويقول 67٪ منهم إنه ليس لديه «شخصية» ليصبح «الرئيس الفعلي». وفي كلمته في مؤتمر كليفلاند، الذي يعتبر أهم حدث في حياته السياسية التي بلغت 70 عاماً تقريباً، حاول ترامب تغيير هذا التصور.

ويحتاج ترامب قبل كل شيء إلى تغيير هذا التصور بين البيض من خريجي الجامعات، لأن نجاحه في هزيمة كلينتون ربما يكمن في مؤازرتهم له. وبعد أن أهان وأفزع الناخبين غير البيض، بسبب مناهضته المهاجرين والناطقين بالإسبانية، وما يتميز به بعض مؤيديه من عنصرية صارخة، على ترامب، على الأقل، أن يكسب أصوات البيض أكثر مما نجح فيه سابقوه في هذا الصدد. ويبدو أنه سينجح في ذلك بين البيض غير الحاصلين على شهادة جامعية، وعلى سبيل المثال صوّت 61٪ منهم في عام 2012، للمرشح ميت رومني. والآن فإن 65٪ منهم يقولون إنهم سيصوّتون لمصلحة ترامب. إلا أن الذين لديهم درجة جامعية لا يرغبون في الإدلاء بأصواتهم لمصلحة ترامب.

ففي عام 2012، صوّت 56٪ منهم لرومني، ما أتاح له التقدم بـ14 نقطة مئوية على المرشح في ذلك الوقت باراك أوباما. ومع ذلك يقول 46٪ فقط منهم إنهم سيدلون بأصواتهم لترامب، ما يمنحه مجرد نقطة مئوية واحدة على كلينتون. وما لم يستطع ترامب استقطاب ما يكفي من أصوات البيض الجامعيين لتوسيع هذه الفجوة بينه وبين كلينتون، فمن الصعب أن نراه يفوز في الانتخابات المقبلة.

يحتمل أن يساعده أداؤه في كليفلاند في هذا الجهد، فقد كانت اللحظات التي قضاها في مؤتمر كليفلاند هي الأكثر انضباطاً في حياته السياسية الوجيزة. وفي وقت مبكر في المؤتمر ظهر على المسرح، ليقدم زوجته ميلانيا، كان هذه المرة يسير بخطى وئيدة تحت أضواء المسرح، واضعاً على وجهه تعبيراً جدياً لا تخطئه العين، وحافظ على هذا التعبير معظم الـ80 دقيقة التي استغرقها في تقديم خطابه. وكان يقرأ من جهاز للتلقين، ونادراً ما كان يفعل ذلك. وألقى خطابه بخطى ثابتة، دون أن يحيد عن المسار كما كان يفعل من قبل، وكان أداؤه رائعاً، وهو أيضاً ألقى، إلى حد بعيد، أطول خطاب قبول ترشيح على الإطلاق.

ويبدو أن الحشد استمع بطرب، وأحياناً بالهتاف العنيف لتشخيص ترامب القاتم لمشكلات أميركا ووعده بمعالجتها.

وفي نهاية المؤتمر المشوش إلى حد ما، أبدوا تفاؤلاً ربما أيضاً بحقيقة أن ترامب بدا فجأة كأنه الشخص الفائز.

أصبح ترامب أقل عدائية من قبل، وأكد مجدداً أن الحظر المقترح على المسلمين الأجانب لدخول البلاد، سيطبق على أي شخص، مسلم أو غير ذلك، قادم من بلد يمزقه الإرهاب.

وعلى الرغم من أن هذا ليس بالضرورة تحسن في نهجه، لكنه يجعل اقتراحه أقل عدائية. لكن أيضاً لا يمكن الحكم عليه بأنه غير شرعي.

هكذا كانت جهود ترامب لتطهير سياسته، لكنها تركت الكثير من الوحل على الطريق، كان الخطاب عنيفاً وقاتماً. ووصف أميركا بأنها بلد تمزقه الجريمة والبطالة والضعف العسكري، وتؤرقه الوكالات متعددة الأطراف أو الاتفاقيات المنضم إليها مثل منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ومنظمة التجارة العالمية، واتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية. وكان هناك اعتقاد ذات مرة بأن ترامب إذا حصل على ترشيح الحزب الجمهوري فسيتخلى عن السياسة المتخبطة، ويتجه لرسالة أكثر اعتدالاً وإشراقاً، وهو العامل الذي عادة ما يتطلبه خوض الانتخابات العامة. لكنه في هذا الخطاب أضاف أساساً بعض الحقائق بشأن معدلات جرائم القتل المتزايدة في أميركا ــ

على سبيل المثال، على الرغم من أن جرائم العنف في أدنى مستوى لها تاريخياً ــ حيث ادعى أن هذا الارتفاع يعود لأسباب واضحة، كان قد ذكرها أثناء حديثه عن مشكلات أميركا خلال الانتخابات التمهيدية. وكانت النتيجة هي خطاب لائق ومحترم، ولكن بالنسبة لعامة الناخبين فإن ترامب يحتاج، ربما، لطرح رؤية مقنعة عن أميركا.

ويجد البيض الحاصلون على درجة جامعية ترامب أكثر قتامة من نظرائهم البيض غير الحاصلين على درجة جامعية، لكنهم أكثر تفاؤلاً من البيض من دون درجة جامعية. بعضهم يحسّ باشمئزاز من تشكك ترامب المفرط، أو أنه غير قابل للتصديق. ويبدو أنهم غير مبهورين بالحلول التي يطرحها، وادعائه الفارغ بأن إعادة التفاوض على الصفقات التجارية، التي وقعتها أميركا ستؤدي إلى إيجاد الملايين من فرص العمل الجديدة النموذجية لهم، ويعتقدون أن مقترحات ترامب التي تتمثل في الجدار الحدودي، وحظر دخول المسلمين، والحمائية وغيرها من المقترحات، جميعها «أمور فظيعة» أو «لا يمكن تصورها».

وعلى الرغم من أن خطاب ترامب، مكتوب بشكل جيد، وألقاه هو بقوة، فقد لا يساعده على استقطاب استطلاعات الرأي المؤيدة التي يحتاج إليها، وهذا يتعلق بالادعاءات التي ذكرها عن نفسه، فقد أثار الشكوك بأنه يمكن أن يكون رئيساً فعالاً، حيث أجاب عن هذا التساؤل بجرأة لا مثيل لها، عندما ادعى أنه وحده يمكن أن يلعب هذا الدور، وربما بالغ في الادعاء عن جرأته في أداء الأعمال بنجاح. ويصوره خطابه بأنه شخص لا غنى للبلاد عنه، يتمتع بقوة البصيرة، لذا يدعوه الشعب الأميركي لإصلاح نظام تسوده الفوضى. حيث يقول في خطابه «لا أحد يعرف النظام أفضل مني، وهذا هو السبب في أنني وحدي الذي يمكنه إصلاحه». ومن الخطأ أن يتحدث السياسي مثل ذلك، لأنه يبدو كأنه شبه مقدس، وهي صفة دائماً يضفيها ترامب إلى نفسه، «عطفي وشفقتي ستكون مكرسة لشعبنا المكافح».

وفي نهاية خطابه بارك عائلته وموظفيه، وأزجى لهم وداعاً حاراً، وهذه إشارة رمزية بأنه سيتفرغ لحمل نير الخدمة الوطنية التي طلب منه التاريخ إنقاذها «أقول لأخواتي ماري وآن وإليزابيث، وأخي روبرت وأخى المتوفى فريد، إنني أكنّ لكم حبي دوماً، أنتم الأكثر تميزاً بالنسبة لي، لقد وجدت نفسي في أعمالي التجارية، لكن الآن تتمثل مهمتي الوحيدة والحصرية في الخدمة من أجل البلد ولكم جميعاً».

ويبدو هذا سخيفاً حقاً. العديد من الأميركيين يقولون إنهم يريدون رئيساً قوياً. الكثير منهم يقول إنه سئم من السياسيين، كثيرون أيضاً أعجبوا بترامب، لأنه في رأيهم شخصية تتمتع بجاذبية كونه بناء ناجحاً.

ولكن لا يمكن أن نصدق أنهم يريدون رجلاً ينعت نفسه بالمخلِّص في المكتب البيضاوي.

ووسط هذه الأبهة الطاغية لحدث سياسي كبير في كليفلاند، فإن جنون العظمة، التي يتمتع بها ترامب قد يبدو تقريباً منسجماً مع هذه المناسبة، لكن هناك بالتأكيد فرصة، بعد أن تسير قافلة الحملة الانتخابية، من أن المزيد والمزيد من الأميركيين سيكتشفون أنه مثير للسخرية.

 

تويتر