نيودلهي تختار الإمارات منطلقاً لإعادة ارتباطها بالمنطقة

الإمارات والهند.. تاريخ من الصــــداقة والمصالح المشتركة

مودي يثمّن دور قيادة الإمارات «البراغماتية» في شيوع الأمن والاستقرار وتحقيق الرفاه الاقتصادي. وام - أرشيفية

حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، على مد جسور التعاون والصداقة مع دول وشعوب العالم، وتعزيز علاقاتها مع مختلف الدول.

وتُعدّ العلاقات الإماراتية الهندية علاقات تاريخية، قائمة على أسس راسخة من الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة في العديد من المجالات، وهي قديمة وضاربة في عمق التاريخ، إذ إنها قامت على أسس ثقافية ودينية واقتصادية، وبنيت على الاحترام المتبادل والتعاون المثمر من أجل التنمية والازدهار للبلدين والشعبين.

وأكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، في وقت سابق، أن العلاقات الثنائية مع الهند تمر في هذه المرحلة بدفء لم تشهده من قبل في تاريخها الطويل.

ولتسليط الضوء على أهمية هذه العلاقة المتشعّبة والراسخة، فإننا نقدم مجموعة من التقارير التي تؤكد متانتها وقوة المصالح المشتركة بين البلدين. دبي - الإمارات اليوم


زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في أغسطس من العام الماضي، هي محاولته الأولى للتعامل مع العالم العربي، ويعكس البيان المشترك، الذي صدر خلال تلك زيارة هذا الشعور، ومع ذلك، فإن زيارة رئيس الوزراء، ساعدت بشكل كبير على ترقية التبادل الثنائي، وتعزيز التعاون والأمن في الوقت الراهن، لاسيما ما يتعلق بترحيل من يشتبه في تعاطفهم مع تنظيم «داعش» الإرهابي، وتعتبر الزيارة أيضاً نقطة تحول في نهج الهند تجاه المنطقة، وكذلك استعداد المنطقة للتعامل مع الهند.

الطاقة والأمن الاقتصادي

تتشابك مصالح الطاقة والأمن الاقتصادي الهندي بشدة مع دول مجلس التعاون الخليجي، ولذلك ترى الهند أنه من المنطقي أن تعمل على تعزيز التعاون في المجال الأمني مع دولة الإمارات، وستكون هذه مبادرة جديدة ومهمة، في الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة كموفر أساسي للأمن لدول مجلس التعاون الخليجي، أيضاً تتجه الولايات المتحدة الآن نحو الاكتفاء الذاتي في مجال النفط والغاز، وبالنسبة إلى الهند، سيظل أمن الطاقة المستقبلي وثيق الصلة بموارد الشرق الأوسط على الأقل للسنوات الـ30 المقبلة، وبالتالي، ستكون حماية إمدادات الطاقة واحدة من أهم أولويات السياسة الخارجية للهند. وحيث إن دور القوات البحرية الهندية في عمليات مكافحة القرصنة لحماية الخطوط البحرية للاتصالات من المهام المعترف بها في المنطقة، لهذا فإن مزيداً من التعاون الأمني والدفاعي للهند مع دولة الإمارات، سيعزز دور الأمن الهندي في المنطقة. وبما أن كلاً من الهند والولايات المتحدة عززتا أيضاً علاقاتهما الأمنية والدفاعية، فإن مثل هذا التآزر آخذ في الظهور، وتمكن رؤيته في الشراكة القوية المتنامية بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي.

وتعترف دول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى بأن علاقات الهند مع إيران وإسرائيل ينبغي أن تتبع مسارات مستقلة، وليس بالضرورة أن تؤثر في العلاقات بين هذه الدول العربية، ولهذا فتحت زيارة مودي الأبواب أمام التعاون الوثيق مع المنطقة، في وقت يشهد فيه العالم الكثير من التحولات الجيوستراتيجية الكبيرة.

نهج غرب آسيا

وتأتي هذه المبادرة بعد تبني مودي سياسة «الجار أولاً»، التي تتمثل في الانخراط مع القوى الكبرى من دول وسط آسيا، وسياسة «الاتجاه شرقاً». وتعتبر زيارته إلى دولة الإمارات، التي تعد دولة فاعلة في مجلس التعاون الخليجي، اختباراً لمهارات الدبلوماسية الهندية في المنطقة، وقد التقط مودي قفازاته، ليعمل على موازنة مصالح الهند وفقاً لما تقتضيه الظروف. ويمكننا فهم علاقات الهند مع دول غرب آسيا، على أنها مثلث تشكل زواياه كلاً من إيران، وإسرائيل، ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث تتمتع الهند بعلاقات جيدة مع كل واحدة من تلك الدول، واستثمرت بشدة في هذه البلدان. وهذا التواصل مع الدول الإسلامية العربية، سيكون له مردوده داخل الهند وفي جنوب آسيا أيضاً، ويبدو أن زيارته إلى دولة الإمارات كانت الخطوة الأولى في خطة شاملة لإعادة الارتباط مع المنطقة، التي شهدت دول أضلاع مثلثها الثلاثة توتراً في العلاقات.

عدم الاستقرار الإقليمي

جاءت زيارة مودي إلى دولة الإمارات في وقت يسود فيه الاضطراب غرب آسيا، وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون مستقرة نسبياً، فقد اقتلع «الربيع العربي» حكومات من السلطة في تونس ومصر وليبيا، ومع ذلك تستعر حروب أهلية في سورية واليمن، وقد خلق هذا الوضع عدم استقرار في هذه البلدان وأزمة إنسانية مأساوية، ويحتل تنظيم «داعش» أجزاء من العراق وسورية، ويلقي بظلال من الشر على المنطقة وخارجها. وفي حين أن مثل هذه القضايا تعمل كمثبط لسياسة الهند في غرب آسيا، إلا أن القيادة البراغماتية والمعتدلة في دولة الإمارات، التي جعلت البلاد من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم العربي، حازت إعجاب واهتمام مودي.

ترتبط مصالح الهند مع دول مجلس التعاون ارتباطاً وثيقاً بالأمن في مجال الطاقة والتجارة والعمالة الهندية، والتحويلات المالية. وتستضيف الإمارات أكثر من 2.5 مليون هندي، الجزء الأكبر منهم عمال غير مهرة. ويسهم استقرار وظائفهم في رفاهية أسرهم في الوطن، وعلاوة على ذلك، برزت الإمارات كثاني أكبر شريك تجاري للهند، ومصدراً مهماً للتحويلات، بحكم حجم الجالية الهندية الكبيرة نسبياً في الإمارات.

وبالنظر إلى المصالح الأمنية الاقتصادية والبشرية، يعتبر استقرار وأمن دول مجلس التعاون الخليجي، أمراً بالغ الأهمية بالنسبة إلى الهند. وفي مقابلة مع صحيفة «خليج تايمز» قبل الزيارة، وصف مودي دولة الإمارات بأنها «الهند مصغرة»، وهي العبارة التي استخدمها لاحقاً في خطابه المثير أمام المواطنين الهنود وغيرهم في دبي. ومن الواضح أن الأولوية الأولى بالنسبة إلى الهند هي الاستثمار في دول مثل دولة الإمارات، التي لديها صناديق ثروة سيادية هائلة، وجاء ذكر ذلك أيضاً في البيان المشترك، مع الإعلان عن صندوق استثماري بقيمة مليارات الدولارات، لتطوير البنية التحتية في الهند.

الجوانب الأمنية

هدف آخر مهم من الزيارة يتمثل في الكفاح المتواصل ضد الإرهاب، والأنشطة الإجرامية المتحالفة معها مثل غسل الأموال، وجاء التنويه إلى هذه الجوانب في البيان المشترك، الذي يدين ويعارض الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، ويدعو البيان جميع الدول إلى رفض الإرهاب، والتخلي عن استخدامه ضد دول أخرى، بغض النظر عن المكان الذي ارتكبت فيه هذه الأفعال، أو الشخص الذي ارتكبها، وتفكيك البنية التحتية للإرهاب حيثما وجدت، وتقديم مرتكبيه إلى العدالة. وأكد مودي في كلمته على هذه النقطة. أيضاً، الإعلان بأن العلاقات الثنائية مع دولة الإمارات سيتم ترقيتها إلى شراكة استراتيجية شاملة، يعتبر خطوة استراتيجية كبرى. ويشير البيان المشترك أيضاً إلى أن العديد من المنابر المحتملة للتعاون في مجال مكافحة التطرف، وإساءة استخدام الدين للتحريض على الكراهية، وتبني وتبرير الإرهاب لدوافع سياسية. وللمرة الأولى يمتد التعاون الثنائي ليشمل عمليات مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخبارية، وبناء القدرات.

إن الاتفاق على إقامة حوار بين مستشاري الأمن القومي ومجلسي الأمن القومي في البلدين، وتبني آليات أخرى للتعاون الأمني، يؤكد العلاقة الأمنية المتنامية بين البلدين.

تويتر