موسكو تقدم المساعدة للنظام الحاكم في سورية

بوتين يريد استعادة وضع روسـيا قوة عظمى في العالم

حاملة الطائرات «هاري ترومان» تعمل بالطاقة النووية في البحر المتوسط. غيتي

خلال الأيام الأخيرة، ظهر دفق كبير من التقارير الإخبارية التي تتحدث بالتفصيل عن تصعيد النشاط العسكري الروسي على الأراضي السورية، وأشار تحقيق أجرته وكالة رويترز، مستعيناً بمصادر لبنانية، إلى أن الجنود الروس بدأوا المشاركة فعلياً في العمليات العسكرية، دعماً لقوات النظام السوري، الذي يعتبر حليفاً قديماً لروسيا. وأشار مسؤولون من الإدارة الأميركية إلى وصول سفينتين روسيتين لإنزال الدبابات، وقوات مشاة بحرية وطائرات، هذا الأسبوع إلى سورية.

وربما يكون هذا التوسع العسكري الروسي في سورية، إشارة إلى نية موسكو لعب دور أكثر مباشرة في المسألة السورية، أو على الأقل تقديم المساعدة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، للحفاظ على السيطرة المحدودة على الدولة التي مزقتها الحرب الأهلية، ولكن كما لاحظت صحيفة «الواشنطن بوست» في وقت مبكر، فإن التحرك الروسي ربما لا يشكل تغيراً مهماً في سياسة موسكو إزاء الموضوع السوري. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الروسية للصحافيين الأربعاء الماضي، «روسيا لم تفشِ سراً حول تعاونها في التقنية العسكرية مع سورية، ويقوم الخبراء الروس بتقديم المساعدة لضباط الجيش السوري، ليتمكنوا من حسن استخدام السلاح الروسي».

لكن يوم الخميس الماضي، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكثر وضوحاً في حديثه، عندما قال في مؤتمر صحافي في موسكو «لطالما كنا صريحين في ما يتعلق بوجود خبرائنا العسكريين في سورية، الذين يقدمون المساعدة لتدريب وتعليم كيفية استخدام الأسلحة والمعدات الروسية. واذا كان ثمة حاجة إلى خطوات أخرى، فإننا دائماً مستعدون لتقديمها»، وفي اليوم التالي كان لافروف أكثر صراحة، عندما قال إن دعم النظام السوري كان أمراً ضرورياً، اذا أراد العالم هزيمة مقاتلي «داعش». وقال لافروف يوم الجمعة الماضي «لا يمكن هزيمة (داعش) بالضربات الجوية فحسب، ومن الضروري التعاون مع القوات البرية، والجيش السوري هو القوة الأكثر فعالية وقوة على الأرض لمحاربة (داعش)».

ويعتقد البعض ان ما تقوم به روسيا، ليس انعكاساً لاستراتيجية حقيقية، وإنما وبصورة أكثر فجاجة، تكتيكات نظام شمولي يتمسك بيأس بما تبقى له من قوة. وقال نيكولي كوجانوف من جمعية تشاتهام هاوس الفكرية «انها مواجهة بين روسيا والغرب، أدت إلى دخول روسيا إلى الشرق الأوسط».

وتجري الأمور على هذا النمط منذ فترة من الزمن، ومنذ عهد الإمبراطورة كاثرين العظيمة، كانت النخبة السياسية في موسكو ترغب في بسط هيمنتها، أو جزء من السيطرة على الشرق الأوسط والبحر المتوسط. وجلبت الحرب الباردة معها مزيداً من التركيز على مطامع الاتحاد السوفييتي. وبالطبع فإن الولايات المتحدة القوة العظمى في العالم الغربي، لها حلفاء مقربون في شتى انحاء المنطقة، مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وتركيا وإيران (حتى عام 1979، قيام الثورة الإسلامية الإيرانية).

وكانت سورية ومصر تدوران في فلك موسكو، ولكن في الفترة ما بين 1955 و1960، قدم الاتحاد السوفييتي مساعدات عسكرية لسورية، تزيد قيمتها على 200 مليون دولار.

ويعتقد بعض المراقبين الغربيين والإسرائيليين، إن الاتحاد السوفييتي لعب دوراً أساسياً في التحريض على حرب عام 1967 بين العرب وإسرائيل، التي انتصرت فيها اسرائيل خلال ستة ايام، وتمكنت خلالها من تدمير قوة الدول العربية المشاركة في تلك الحرب، ولم يكن للاتحاد السوفييتي أي ظهور خلال فترة الحرب.

ولكن التحالف السوري السوفييتي أصبح أكثر قوة بحلول عام 1971، مع تزايد قوة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي امضى سنوات عدة في الاتحاد السوفييتي لتعلم الطيران في الطائرات الحربية السوفييتية، التي أصبحت فيما بعد عماد سلاح الجو السوري. وكان نظام حزب البعث قد بني على نمط دولة الحزب الواحد في الاتحاد السوفييتي، المدعومة من قبل شبكة قوية من اجهزة المخابرات المتنفذة، وقد تعلم العديد من ابناء النخب السورية في مدارس الاتحاد السوفييتي في موسكو.

وسمح الرئيس الاسد للاتحاد السوفييتي بإنشاء مركز صيانة وتزويد في ميناء طرطوس، وهي منشأة تعتبر آخر مواقع موسكو على البحر المتوسط. وذهبت كميات ضخمة من المساعدات العسكرية السوفييتية لدعم الجيش السوري، الذي تدخل في لبنان المقسم خلال منتصف سبعينات القرن الماضي، ولم ينسحب إلا عام 2005.

وحتى خلال العقد المنصرم، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، استأثرت روسيا بمعظم مبيعات الأسلحة إلى الجيش السوري. وفي عام 2011، وعشية اندلاع الثورة السورية، كان لدى روسيا عقود لبيع الأسلحة إلى سورية، تبلغ نحو أربعة مليارات دولار. ولايزال نحو 100 ألف مواطن روسي يعيشون في سورية. وفي الفترة ما بين 2009 و2013 استثمرت الشركات الروسية مبلغ 20 مليار دولار في سورية.

ومنذ عام 2009 حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استعادة وضع روسيا كقوة عظمى في العالم، حيث رسم سياستها كدولة مناوئة للولايات المتحدة، وليظهر أن روسيا تعمل على موازنة نفوذ الغرب في الشرق الأوسط، وقالت المحللة السياسية في معهد واشنطن انا بورشفيسكايا، عام 2013 «سورية هي أهم موقع بالنسبة لروسيا في المنطقة، كما انها اساسية بالنسبة لحسابات بوتين أيضاً»، ولكن احتفاظ روسيا بنفوذ في سورية، يعتبر بمثابة نقطة في بحر، مقارنة لما تحتفظ به الولايات المتحدة وحلف الناتو من حلفاء وقواعد في المنطقة.

وكتب المحلل العسكري الروسي ألكساندر كورولكوف في وقت مبكر من العام الجاري «لا يبدو الأمر هنا مثل صراع داود وجالوت، وإنما بين فيل وحشرة صغيرة».

وأضاف المحلل «القوات الخاصة الروسية الموجودة دائماً في البحر المتوسط، والتي تم الإعلان عنها في مارس من العام الماضي، ستتكون من خمس او ست سفن عسكرية، حيث يبلغ هذا العدد 10 ما كان لدى الاتحاد السوفييتي من سفن حربية وأسلحة، عرفت باسم السرب الخامس، في المتوسط، ومع ذلك فقد كانت أضعف بكثير من الغرب الذي كان يمتلك أساطيل أكبر وأقوى في هذه المنطقة من العالم».

ومن غير الواضح مدى الفرق في القوى الذي سينجم عن التصعيد الجديد بين روسيا والغرب. وقال المحلل السياسي من «مركز اتلانتك كاونسل للدراسات» جون اي هيربست، لصحيفة واشنطن بوست «لطالما كان هناك وجود روسي في الشرق الأوسط، وليس من المستغرب أن الروس يقومون بإعادة توطيد أركان وجودهم وبسط نفوذهم في سورية».

تويتر