ما يحدث للضحايا لا يتصوره عقل

«داعش» يقيم بنية تحتية لاسترقاق الفتيات الإيزيديات

صورة

أصبح اغتصاب نساء وفتيات الأقلية الدينية الإيزيدية أمراً متأصلاً بعمق لدى مقاتلي تنظيم «داعش»، وكشفت المقابلات مع النساء والفتيات الهاربات من جحيم أسر هذه الميليشيا، فضلاً عن دراسة البلاغات الرسمية لـ«داعش»، كيف أن هذه الممارسة صارت جزءاً من تقاليده، حيث أنشأ «داعش» بنية تحتية ثابتة للاتجار بهؤلاء النساء والفتيات، مع شبكة من المستودعات التي تحتجز فيها الضحايا، وغرف عرض حيث يتم فحصهن وتسويقهن، وتصويرهن لكي يطلع عليهن من يرغب في شرائهن، وأسطول من الحافلات المستخدمة في نقلهن.

 

عبودية

صحافية تكتشف الاسترقاق

تحدثت مراسلة «نيويورك تايمز» المتخصصة في تغطية تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، روكميني كاليماشي، في مقابلة خاصة عن مآسي فتيات إيزيديات تبلغ أعمارهن في بعض الأحيان 12 عاماً، استرقّهن «داعش»، واللاتي استطعن أن يهربن في ما بعد من الأسر. وتقول إنها اكتشفت هذا الوضع المزري عندما بدأ «داعش» بمهاجمة جبل سنجار في أغسطس من العام الماضي، وقالت: «بدأنا نشاهد تقارير تتحدث عن عمليات اغتصاب لهؤلاء الفتيات، في البداية لم ندر كيف نتعامل مع تلك التقارير، وبدت لنا كأنها مبالغ فيها، ولم نصدق أن (داعش) استرقّ أعداداً كبيرة من هؤلاء الفتيات».

وأضافت: «أكتوبر الماضي كان نقطة تحول بالنسبة لي، عندما نشر (داعش) موضوعاً في مجلته (دابق) يتحدث عن استرقاقه أعداداً هائلة من الإيزيديات بدعوى أنهن (كافرات)».

وتحدثت أيضاً أنها التقت بالنساء اللاتي تحدثن عن مآسيهن عن طريق المجموعات التي تقدم لهن الدعم النفسي، «ثم بدأت أزورهن في معسكرات اللاجئين للتحدث إليهن، كنت ابحث عن نساء لم يستجوبهن الصحافيون»، وتقول إنها تلقت تهديدات من «داعش» إلا أنها لم تأخذ تلك التهديدات على محمل الجد.

تعرض ما مجموعه 5270 من الإيزيديات للاختطاف العام الماضي، ولايزال 3144 منهن محتجزات على الأقل، وفقاً لقادة المجتمع المحلي. وللتعامل معهن، وضع «داعش» نظاماً بيروقراطياً مفصلاً من العبودية الجنسية، بما في ذلك توثيق عقود بيعهن من قبل المحاكم التي أنشأها التنظيم لهذا الغرض، وأصبحت هذه الممارسة أداة لاستقطاب الرجال من المجتمعات الإسلامية المحافظة، التي تمنع منعاً باتاً ممارسة الدعارة والمواعدة.

هذا النوع من الاسترقاق الذي ابتدعه «داعش» يعود إلى الثالث من أغسطس 2014، عندما غزا مقاتلوه القرى الواقعة على الجهة الجنوبية من جبل سنجار، وهو كتلة صخرية حمراء اللون في شمال العراق. ويسكن الإيزيديون أوديته وأخاديده، وهم أقلية دينية تمثل أقل من 1.5% من سكان العراق البالغ تعدادهم 34 مليون نسمة. وجاء الهجوم على الجبل بعد شهرين فقط من سقوط الموصل في يد «داعش»، ثاني أكبر مدينة في العراق. في البداية، بدا الأمر كأن تقدم التنظيم نحو الجبل مجرد محاولة أخرى لتوسيع الأراضي التي يسيطر عليها مقاتلوه، لكن سرعان ما اتضح هدفهم الحقيقي.

 

انبطاح

ويقول الناجون إنه تم الفصل بين الرجال والنساء خلال الساعة الأولى من إلقاء القبض عليهم. ويأمر «داعش» الصبيان برفع إبطهم، فإن كان عليها شعر أمرهم بالانضمام إلى آبائهم وإخوانهم الأكبر سناً. ومن قرية إلى أخرى يقتاد مقاتلو «داعش» الرجال والأولاد الأكبر سناً الى الحقول المجاورة، ويأمرونهم بالانبطاح على وجوههم في التراب ثم القضاء عليهم بالرشاشات، بينما تساق النساء والفتيات والأطفال في ناقلات مكشوفة.

ويقول الخبير بالأقلية الايزيدية الأستاذ بجامعة شيكاغو ماثيو باربر «كان الهجوم على الجبل عبارة عن غزو جنسي أكثر من كونه احتلال مزيد من الاراضي». وكان باربر في دهوك بالقرب من جبل سنجار عندما بدأ الهجوم في الصيف الماضي، وساعد على إنشاء مؤسسة تقدم الدعم النفسي للهاربين، الذين بلغ عددهم أكثر من 2000، وفقاً لنشطاء المجتمع المحلي.

وتقول الفتاة «ف»، البالغة من العمر 15 عاماً، إن أسرتها المكونة من تسعة أشخاص حاولت الهرب، واستقلت سيارتها «الأوبل» القديمة عبر تعرجات الجبل، إلا أن السيارة ارتفعت حرارتها، وظلت هي ووالدتها وأخواتها في عمر 14، وسبع، وأربع سنوات، وبقية أسرتها عاجزين عن المضي قدماً عندما طوقتهم وأسرتهم قوة من مقاتلي «داعش» مدججة بالسلاح. وتمضي قائلة «بعد وقت قصير فصل المقاتلون الرجال من النساء، ونقلت أنا ووالدتي وأخواتي في شاحنات إلى أقرب مدينة على جبل سنجار، وهناك فصلوني أنا وأخواتي عن أمي، وأجبروا جميع الفتيات غير المتزوجات على الصعود إلى الحافلات».

وكانت حافلات بيضاء كتب عليها «الحج»، ما يدل على أن «داعش» استولى عليها من الحكومة العراقية، وكانت تستخدمها في نقل المسلمين لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة. وازدحمت الحافلات بالنساء والفتيات للحد الذي اضطررن فيه للجلوس على أفخاذ بعضهن.

ووفقاً لرواية بعض الهاربات، فإن الفتيات سقن إلى مدينة الموصل بعد رحلة استغرقت ست ساعات تقريباً، وحُشدن في قاعة زفاف تسمى غالاكسي. وسيقت بعضهن إلى قصر من عهد الرئيس السابق صدام حسين، وإلى مجمع سجن بادوش، ومبنى مديرية الشباب والمدارس الابتدائية ومباني بلدية تلعفر، وسولا، وبعاج، ومدينة سنجار.

وتم احتجازهن هناك أياماً عدة، والبعض الآخر أشهراً عدة، ثم تم تحميلهن في أسطول الحافلات نفسه مرة أخرى، وإرسالهن في مجموعات صغيرة إلى سورية، أو إلى أماكن أخرى داخل العراق، حيث تم بيعهن هناك كرقيقات.

 

بيروقراطية

وأشارت بعض الهاربات حديثاً إلى نظام بيروقراطي معقد، كونهن مسترقات مسجلات ضمن عقد رسمي، فعندما يرغب مالكهن في بيعهن لمشترٍ آخر، يوقع الطرفان عقداً آخر لنقل الملكية للمشتري. ويمكن أيضاً ان يطلق المالك سراح من يسترقهن. وعلى الرغم من أن ذلك نادراً ما يحدث، فإنه خلق منفذاً لهروب الضحايا. إحدى الضحايا التي هربت الشهر الماضي، وصفت كيف أن مالكها الليبي الجنسية سلمها صكاً مغلفاً في ورقة، ينص على أنه أطلق سراحها، وأخبرها بأنه انتهى من تدريبه كتفجيري، ويخطط لعملية تفجيرية، فهو يطلق سراحها لهذا السبب. وأبرزت هذه المرأة الإيزيدية «صك الحرية»، الذي وقعه قاضٍ من «داعش» في المحافظة الغربية لنقاط التفتيش بعد أن غادرت سورية متوجهة لموطنها العراق، حيث انضمت لأسرتها في يوليو الماضي.

واستطاع رجل الاعمال الإيزيدي، عثمان حسن علي، تهريب العديد من النساء المسترقات، وتظاهر بأنه مشترٍ، لكي يتمكن من الحصول على صور لهؤلاء الفتيات والنساء، وشارك المنظمات وجماعات حقوق الإنسان في 12 صورة لنساء إيزيديات يجلسن في غرف خالية من الأثاث، يواجهن الكاميرا بوجوه خالية من التعبير، مكتوب على كل صورة «سبية رقم ...».

 

سبايا

وتقول إحداهن «عندما وصلنا الى أحد المباني أخبرونا بأننا في سوق السبايا، ففهمت أننا في سوق الرقيق». وتقدر بأن هناك نحو 500 فتاة غير متزوجة في المبنى متعدد الطوابق الذي تقيم فيه، أصغرهن في الـ11 من عمرها. وعندما يأتي المشترون يتم أخذ كل واحدة منهن الى غرفة منفصلة. وتمضي هذه الفتاة قائلة، «يجلس الأمراء وظهورهم على الجدار، وينادوننا بأسمائنا، ويأمروننا بأن نجلس على كراسي في مواجهتهم، وننظر إليهم، وقبل أن نمضي إلى داخل الغرفة، يأخذون منا الأوشحة وأي شيء نستخدمه لتغطية أنفسنا». وتقول «عندما حان دوري جعلوني اقف أربع مرات وألتف حولي». تضطر الفتيات أيضاً للإجابة عن أسئلة خاصة جداً مثل: آخر مرة جاءتها الدورة الشهرية، ما يدل على ان المقاتلين يريدون أن يعرفوا ما إذا كانت الفتاة حبلى أم لا.

استرقاق النساء من قبل «داعش» فاجأ حتى أقرب مناصريه، وحاولت قيادة التنظيم مراراً وتكراراً، تبرير هذه الممارسات لمؤيديه الداخليين، وبعد صدور موضوع في هذا الشأن في مجلة «دابق» الخاصة به في أكتوبر الماضي، ظهرت هذه القضية مرة أخرى هذا العام، عندما أبدى احد كتاب «داعش» استياءه من حقيقة أن بعض المجموعات المناصرة له تتساءل عن كون الاسترقاق عملاً لايزال يقرّه الاسلام.

ويقول الخبير في حقوق الإنسان، سامر موسكاتي، إن تجارة الرقيق التي يمارسها «داعش»، ترتكز فقط على استرقاق النساء والفتيات من الأقلية الايزيدية، وليس هناك حتى الآن حملات واسعة النطاق بشأن استرقاق نساء من أقليات دينية اخرى. ويعتقد بادر أن استهداف الأقلية الإيزيدية يعود الى أن «داعش» ينظر إليها بوصفها طائفة لا تدين بدين سماوي.

تويتر