«الكردستاني» أوقف إطلاق النار وبدأ الانسحاب باتجاه شمال العراق

السلام مع تركيا يعيد الأمل للأكراد في حياة طبيعية

عناصر من حزب العمال الكردستاني عادوا من تركيا إلى شمال العراق بعد اتفاق السلام مع أنقرة. أ.ف.ب

في منطقة لطالما كانت على الخطوط الأمامية للصراع الذي امتد عقوداً، تبدو سنوات طويلة من أعمال «الإرهاب» والرعب في طريقها إلى التحول نحو الحياة الطبيعية. وهلّ الربيع على أماكن كان فيها القتال على أشده بين حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) والقوات الأمنية التركية. وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن يتطلع سكان منطقة سمدينلي بتفاؤل الى الفصل الجديد. وقالت رئيسة اللجنة النسائية المحلية في حزب السلام والديمقراطية، الحزب السياسي الرئيس للأكراد «بي دي بي» بينار يلماز «منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار قبل شهر بدأت سيمدينلي تحيا من جديد».

وأكدت يلماز خلال وجودها خارج منزلها في أمسية لطيفة أنها متحمسة بشأن محادثات السلام، وأضافت «العام الماضي فقط لم نكن قادرين على الخروج من المنزل بعد هبوط الظلام، لأن ذلك كان ينطوي على الكثير من المخاطر. ولم يكن الجيش يسمح بذلك. وكان هناك قتال متواصل. ولم نكن قادرين على فهم حديثنا مع بعضنا نظراً لأصوات القذائف المتواصلة والصواريخ. ولكن الآن ستصبح الأمور أفضل».

وكانت منطقة سمدينلي الواقعة في الزاوية الشرقية القصوى من تركيا بين إيران والعراق في إقليم هكاري، هي المكان الذي هاجم فيه قوات حزب العمال الكردستاني «بي كي كي» قوات الأمن التركية للمرة الاولى عام ‬1984. وربما تكون المكان الذي ستنتهي فيه كل هذه المتاعب. وتابع أنصار كرة القدم قبل ثلاثة أسابيع، مباراة على شاشة ضخمة تقع في مركز البلدة محاطة بقاعدتين عسكريتين محصنتين جيداً. وأشعل الشبان الألعاب النارية في الشوارع تكريماً لفريقهم المفضل.

وبدأت المفاوضات بين حزب الـ«بي كي كي» والحكومة التركية على نحو حذر في اكتوبر الماضي عندما أصبح رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان أول المسؤولين الأتراك الذين ينخرطون في حوار علني مع زعيم الحزب السجين عبدالله أوجلان، الذي يعتبر أسوأ عدو للدولة. وبعد إعلان وقف إطلاق النار في ‬21 مارس الماضي، أعلن قائد المتمردين مراد كرايلان موافقة مقاتلي الـ«بي كي كي» المرابطين في تركيا على الانسحاب الذي بدأ قبل أسبوعين.

ويمثل الانسحاب خطوة حيوية باتجاه وضع نهاية لواحد من أطول الصراعات الاثنية وأكثرها دموية والذي أدت إلى مقتل أكثر من ‬40 ألف ضحية خلال ‬30 عاماً. وتقول يلماز «لقد شاهدنا العديد من الأشياء التي لا نستطيع نسيانها. ولكن جميعنا نريد السلام ونهاية لهذا الصراع. واعتاد السكان على الخوف من قدوم الربيع هنا، لأنه حالما يذوب الجليد تبدأ المعارك من جديد، ولكن هذا العام فإن الجليد مليء بالأمل».

وعندما كانت في الـ‬10 من عمرها قتل والد يلماز من قبل الجيش التركي وهي تقول «التقطت قطعاً من جسمه، لقد مرت من فوقه دبابة»، وبعد مرور ثماني سنوات تم خطفها من قبل الأمن السري التركي. وتقول «كنت ناشطة في الحزب المؤيد للأكراد في ذلك الوقت واسمه هادب، وأرادوا ان يجبروني على العمل معهم، ولكني رفضت»، وتضيف « لقد عذبوني أياماً عدة ثم ألقوا بي فوق كومة من القمامة، لأنهم اعتقدوا أني ميتة».

وبعد ذلك أمضت يلماز سنوات في السجن بسبب نشاطها السياسي وكانت آخر مرة في الفترة ما بين ‬2010 و‬2012. واضطرت بينار وزوجها سيفيري يلماز، للهرب ركضاً من منطقة أومت بوكستور» في سمدينلي قبل أن يتعرضا للقصف من قبل عناصر من الجيش يتظاهرون بأنهم من الـ«بي بي كي».

وعلى الرغم من تعطش الجميع للسلام، إلا أن هناك بعض الذين لايزال تخالجهم مشاعر مختلطة بشأن الانسحاب المخطط لقوات الـ«بي بي كي».

وقالت يلماز «كان الثامن من مايو هو اليوم الذي ننتظره ونخشاه في الوقت ذاته، ونحن لا نثق بالحكومة والعديد من الناس يخشون أنه حالما تخرج القوات الكردية فإن الجيش التركي يمكن أن يعتقلنا جميعاً».

ولأكثر من شهر، يقوم حزب «بي دي بي» بتنظيم اللقاءات في سمدينلي لشرح عملية السلام للسكان الذين يشعرون بالقلق مما يجري. وتقول يلماز «هم يقولون إنهم يريدون منع التهريب لكن التاريخ أظهر لنا أنه لا يمكن الثقة بهم». ولكنها تضيف أن غالبية الأكراد يثقون بأوجلان، وتقول «كل شيء كسبناه، بما فيه محادثات السلام، كانت من خلال حزب بي كي كي وعبر المقاومة».

ولكنها لن تكون المرة الأولى التي تتحطم فيها آمال السلام، ففي العام ‬1999 عبر ثمانية من مقاتلي الـ«بي بي كي» الى تركيا كوفد للتفاوض على السلام الذي طلبه أوجلان والذي كان سجينا حديثا في حينه، كبادرة حسن نية، وتم حبسهم جميعاً، ووصلت عقوبة بعضهم الى ‬12 عاماً. ويقول الزعيم الكردي يوسف اوزجان «كان هذا أول وفد للتفاوض من أجل السلام يدخل الى تركيا عبر الجبال الى سمدينلي، بالقرب من قريتنا، وشعرنا بالسعادة لأنه تم استقبالهم من قبل عدد كبير من الجنود، وتعانقوا لكن تركيا لم تكن تريد السلام، فقد كذبوا علينا».

ولدى محاولتهم الانسحاب، تم قتل نحو ‬500 من عناصر الـ«بي كي كي» من قبل القوات التركية، الأمر الذي أدى إلى تدمير كل آمال السلام. وقامت الحكومة التركية بمصادرة جزء من أراضي يوسف أوزجان قبل ‬18 عاماً، كي تشيد قاعدة عسكرية بالقرب من بيته. وقال اوزجان «لم يسألوني عن أي شيء وإنما أخذوا الأرض دون سابق إنذار، وأعطوني ربع السعر المتعارف عليه في السوق ولذلك رفضته».

ويذكر حالات الرعب والغارات الليلية على منزله، وتعرضه للضرب والاذلال أكثر من مرة. وقبل أسبوعين هرب ابنه البالغ ‬21 عاماً إلى العراق للانضمام الى الـ«بي بي كي» بعد أن تعرض للاعتداء من قبل القوميين الاتراك المتشددين في جامعة أضنة، لكن أوزجان يقول «إذا فشلت عملية السلام هذه فجميعنا سنخسر كردا واتراكا، لقد سفكنا ما يكفي من الدماء، ولدي أفراد من عائلتي في (بي بي كي) وآخرون في الجيش التركي، وأريد السلام لهم جميعاً».

 

تويتر