ظهور «دولة علوية» يشكل خطراً على الشرق الأوسط

التشرذم والانفصال من مخاطر تفجر الوضع في سورية. رويترز

تولد الدول من رحم الحروب الدموية، ومن المظالم العرقية والطائفية، وهذا ما حدث بالفعل مع دول مثل كوسوفو وجنوب السودان، ويقف الشعب السوري الآن على الحافة نفسها التي وقفت عليها تلك الشعوب من قبل، فكلما زاد أمد الحرب سنحت الفرصة أكثر لانشقاق دولة علوية، ومع ازدياد الانشقاقات وهروب أفراد الجيش وارتفاع حدة القتال في دمشق، ينبغي ان يستعد المجتمع الدولي لأسوا سيناريو، ويتمثل في حرب أهلية تغير من خريطة الشرق الاوسط الحديث.

إن فشل قوات الرئيس السوري بشار الاسد في فرض سيطرة على المناطق السنية وارتكابها مجازر شنيعة، يعتبر إيذاناً بتشظي سورية، فكل من التريمسة والرستن والحولة التي شهدت مجازر مدنية جماعية تقع جميعها على حافة الممر العلوي الذي هو عبارة عن شريط من الارض يمتد من لبنان الى تركيا عبر سورية، ويضم عدداً كبيراً من العلويين وبعض المسيحيين العرب.

ولكي نفهم منطق العنف في سورية علينا ان نقرأ تاريخ الحركة الانفصالية العلوية التي يعود تاريخها إبان الانتداب الفرنسي، فبعد الحرب العالمية الأولى قسم الفرنسيون سورية الى مناطق عرقية وطائفية من ضمنها «دولة علوية» تضم اعضاء من المناطق الريفية للطائفة الشيعية التي تعيش على طول ساحل البحر الابيض المتوسط، وظلت هذه الدولة العلوية سنوات عدة منفصلة ادارياً عن سورية، ولم يشارك في الثورة السورية الكبرى بين 1925 - 1927 سوى عدد ضئيل من العلويين، مفضلين بدلاً عن ذلك الانخراط في وحدات الجيش الفرنسي الخاصة. وفي عام 1936 رضخ الفرنسيون لضغوط القوميين العرب وضموا اراضي الدولة العلوية لسورية، ولكن مثلهم مثل الاقليات الاخرى ظل العلويون متشككين من الاغلبية السنية وصاروا يفضلون العمل في الأجهزة الأمنية، وبعد الاستقلال استغل العلويون وجودهم في الجيش ليستولوا على السلطة في انقلاب عام 1963 قاده الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد والد الرئيس السوري الحالي.

واستناداً إلى هذه الخلفية فإن تلك المجازر التي حدثت على طول الخط الطائفي الذي يفصل القرى العلوية من المجتمع السوري تعكس أن النظام الحاكم وحلفاءه يعدون للخطة «ب».

وفي جميع الاحوال فإن ظهور دولة علوية من جديد من شأنه ان يأتي بنتائج كارثية على المنطقة: أولاً ستكون دولة مارقة مسلحة تسليحاً ثقيلاً، وستلعب دور الوكيل لإيران في المنطقة، وتضمن لروسيا قاعدة بحرية للأسطول الروسي في المياه العميقة في طرطوس.

ثانياً: ستصبح هذه الدولة مثل اوسيتيا الجنوبية وأبخازيا مسلحة تسليحاً ثقيلاً وغير معترف بها، وستشكل ملاذا آمنا للمجرمين والارهابيين.

ثالثاً: ستعمل الدولة الجديدة بمثابة العامل المساعد لنشر العنف لمناطق بعيدة مثل جنوب لبنان وتركيا، والتي يحتوي سكانها على نصف مليون تقريباً من العرب العلويين، إضافة الى 20 مليون علوي تركي.

رابعاً: ستواجه اسرائيل في حالة انشطار سورية ليس نظاما معاديا واحدا وانما نظامين مع احتمال أن يكون كلاهما مسلحاً بأسلحة كيماوية وصواريخ قادرة على الوصول الى تل أبيب.

خامسا: إن قيام دولة علوية سيشكل سابقة خطرة للمجموعات الانفصالية الاخرى في المنطقة مثل الاكراد، وسيعمل على اشتعال العنف السني الشيعي في العراق حيث يدعم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي النظام الإيراني والاسد ضد الشعب السوري.

ينبغي أن تتنبه الأسرة الدولية للمخاطر الموروثة التي تكمن في تشظي الدولة السورية، ولهذا فإن أي تدخل دبلوماسي أو عسكري يهدف الى تقسيم سورية من شأنه ان ينتهي بنشوء دولة علوية شريرة، وهذا الكيان من المحتمل ألا يسهم في الوصول الى اتفاقية سلام واستقرار في الشرق الاوسط على المدى البعيد، ويعتبر هذا الأمر من ضمن التساؤلات عن الظلام الذي سيحل في فترة ما بعد الأسد.

تويتر