اختلال توازن القوى مع اقتراب نهاية الانسحاب الأميركي من العراق

الإطاحة بالأسد بداية انحسار النفوذ الإيرانــي في المنطقة

الانتفاضة السورية جعلت النظام يتعامل مع الوضع من موقف دفاعي عن وجوده. رويترز

بدأ ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط يتأرجح بالتزامن مع اقتراب نهاية انسحاب القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية العام الجاري حداً أقصى، وبدأ الاهتمام أيضا ينصب على ايران باعتبارها دولة تدرجت من قوة إقليمية هامشية لتصبح قوة مسيطرة في الاقليم. وفي الوقت الذي بدأت تتكشف فيه الاحداث بدأت كل من الولايات المتحدة واسرائيل في اتخاذ تحرك مضاد للتوجهات الايرانية، ويتساءل البعض ما اذا كانت هذه التحركات ستساعد على استقرار المنطقة أم ان ايران ستمضي قدماً في ردود افعالها ضد هذه التحركات.

وتراقب ايران باهتمام شديد الانسحاب الاميركي من العراق، وبما انه من غير المعقول ان نفترض بان ايران ستهيمن على العراق، فإنه من الانصاف ان نقول ان طهران تتمتع بنفوذ طاغٍ في بغداد لدرجة انها تستطيع الاعتراض على أي مبادرة عراقية لا توافق هواها. وسيتزايد نفوذ ايران في المنطقة مع انتهاء الانسحاب الاميركي من العراق، في الوقت الذي اتضح فيه ان اميركا لن تتراجع عن قرار الانسحاب هذا. وينبغي ان يعي الساسة العراقيون ازدياد النفوذ الايراني وانحسار الحماية الاميركية عن بلادهم. كما نرجو الاشارة هنا الى ان مقاومة ايران في مثل هذه الظروف سيتمخض عنها عواقب خطيرة للغاية.

تحالف

يزيد الوضع في سورية الوضع الاقليمي تعقيداً وتأزماً، فقد هيمنت الطائفة العلوية على الحكومة السورية منذ عام .1970 ويشكل أفرادها 7٪ من سكان البلاد ذات الأغلبية السنية. ويستند النظام السوري في بقائه على الجيش.

ويجد النظام السوري الدعم والحماية من ايران، حيث ساندت ايران النظام السوري في مغامراته الخارجية في لبنان، والاهم من ذلك انها دعمته ايضا في ممارسته القمعية ضد الأغلبية السنية.

ووجدت كل من ايران وسورية من قبل على الاراضي اللبنانية، ففي بواكير ثمانينات القرن الماضي بعد الثورة الخمينية في ايران، سعى الايرانيون لزيادة نفوذهم في العالم الاسلامي من خلال دعمهم القوى الشيعية الراديكالية مثل حزب الله. وغزت سورية لبنان في عام ،1975 وتعتبر سورية لبنان جزءاً تاريخياً منها وتسعى لفرض نفوذها عليه. وعبر ايران اصبح حزب الله أداة لسورية في صراعها من أجل النفوذ في لبنان. وعلى هذا الاساس دخلت سورية وايران في تحالف طويل الامد استمر الى يومنا هذا.

علاقات متغيرة

في خضم عدم الاستقرار الذي يسود سورية عبرت بعض الدول العربية وتركيا والولايات المتحدة عن عدم رضاها عن نظام الرئيس بشار الاسد، بينما استمرت ايران في دعمها له. وهناك اسباب منطقية وراء هذا الدعم، فقبل اندلاع الانتفاضة السورية كانت العلاقة بين سورية وايران متغيرة، فقد كان في مقدور سورية التعامل باستقلالية مع ايران وأعوان ايران في لبنان، بينما يلعب النظام السوري الدور المهيمن في لبنان.

الا ان الانتفاضة السورية جعلت النظام السوري يتعامل مع الوضع من موقف دفاعي، ولهذا السبب يسعى الى تأسيس علاقة قوية ومستقرة مع ايران، فقد وجدت دمشق نفسها معزولة في محيطها في العالم السني، واكتشفت انها اصبحت في مواجهة مع تركيا وجامعة الدول العربية، وعليه اصبحت ايران وحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، تشكلان دعماً خارجياً قوياً لنظام الاسد.

قوة إقليمية

استطاع الاسد حتى الآن مقاومة خصومه، على الرغم من انشقاق بعض المسؤولين السنيين عن نظامه، وظلت قواته المسلحة سليمة إلى حد ما، ويعود ذلك بسبب سيطرة العلويين على الوحدات الحيوية. ويبدو انه لن تستطيع قوى شعبية غير مسلحة او مسلحة تسليحاً رديئاً مهما كان حجمها الحاق الهزيمة بجيش متماسك. ولهذا السبب فانه لا سبيل الى اسقاط الاسد الا اذا حدث انقسام في الجيش.

واذا ظل نظام الاسد على قيد الحياة فستصبح ايران اكبر الرابحين، واذا وقع العراق تحت نفوذ ايراني طاغٍ، وحالف البقاء النظام السوري - المعزول من معظم دول العالم والمدعوم من قبل ايران- فإن ايران ستكسب نفوذاً اقليمياً يمتد من غرب افغانستان الى البحر الابيض المتوسط (عبر حزب الله). ولن تحصل ايران على مثل هذا النفوذ من خلال نشرها قوات تقليدية، ويكفي فقط بقاء الاسد على رأس السلطة.

النفوذ الإيراني

على كل حال فإن النظام السوري المدين لإيران في بقائه على قيد الحياة سيسمح لإيران بنشر قوات إيرانية في اتجاه الغرب، وسيترتب على هذا الاحتمال في حد ذاته العديد من ردود الافعال، من ضمنها ان دولا مثل الولايات المتحدة واسرائيل وبعض الدول العربية وتركيا ستسعى لإعاقة مثل هذا النفوذ. ولا يعتبر العراق في الوقت الراهن المكان الامثل لفرض مثل هذه الاعاقة، باعتبار ان ايران تتمتع بنفوذ كبير في هذا البلد العربي، وسيكون التحرك بدلا عن ذلك عبر سورية من خلال الإطاحة بنظام الاسد.

إسرائيل

تبدو اسرائيل الاكثر اهتماماً بالوضع في سورية، فقد كان نظام الاسد بالنسبة لإسرائيل هو مثل ما يقول المثل «الشر الذي تعرفه» اسرائيل، حيث تتخوف اسرائيل من مجيء حكومة سورية سنية في خاصرتها الشمالية الشرقية يسيطر عليها الاخوان المسلمون، ولهذا السبب فإنها كانت تفضل بقاء نظام الاسد على قيد الحياة، الا انه وبالنظر الى تأرجح ميزان القوى الاقليمي فإن رؤية اسرائيل تغيرت ايضاً حيال النظام السوري، فخلال العقد الماضي ضعف النفوذ الاسلامي السني مقارنة بالتهديد الشيعي الايراني، ولهذا السبب فإن اسرائيل تعتقد ان التهديد الذي تمثله قوى سنية معادية في سورية أقل خطراً من وجود ايراني في المنطقة يكتسب باستمرار قوة فوق قوة. وبغض النظر عن نوع الحكم الذي تفضله اسرائيل في سورية فإنها لن تستطيع تسيير الاحداث داخل الاراضي السورية، وبدلاً من ذلك فان اسرائيل تسعى للتعامل مع حقيقة الوضع الذي سيفرزه التهديد الايراني في تشكيل السياسة الاقليمية.

ويبدو ان التهديد الايراني ليس ناجما عن برنامجها النووي المفترض، وستظل ايران تهديداً اقليمياً حتى من دون سلاح نووي، فاذا افترضنا ان ايران تخلت عن برنامجها النووي غداً فان الوضع الاقليمي سيظل في تعقيداته، فايران تتمتع بنفوذ طاغٍ في المنطقة، وتتحين كل من الولايات المتحدة واسرائيل وتركيا وبعض الدول العربية الفرصة المناسبة لقلب الطاولة عليها.

ويمكن التعامل مع هذا الوضع من خلال استراتيجيتين طويلتي الامد: زيادة الضغط على ايران لإجبارها على اعادة حساباتها، والاطاحة بالنظام السوري للحد من عواقب النفوذ الايراني في العراق.

 

جورج فريدمان محلل وخبير استراتيجي أميركي

تويتر