مخاوف من وقوعها في يد متطرفين أو مجانين

الأسلحة الليبية المهملة تهدد العــــالم

مشكلات نظام القذافي تمتد إلى ما بعد وفاته. رويترز

بعد مقتل الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، تحدث رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون عن اعتزاز بريطانيا بدورها في الإطاحة بالطاغية الليبي، لكن هل سيعتز أيضا بمبيعات الاسلحة البريطانية لليبيا، والتي بلغت قيمتها اكثر من 120 مليون استرليني منذ ،2005 والتي ساعدت في اطالة عمر نظام القذافي. فقد سعى القذافي خلال فترة حكمه التي استمرت اكثر من اربعة عقود الى تكديس كميات كبيرة وغير مبررة من الأسلحة والمعدات العسكرية، والتي اصبحت تشكل في الوقت الراهن هاجساً امنياً لدول الإقليم والعالم، لاسيما انها تشتمل على اسلحة كيماوية وجرثومية معظمها يتم الاحتفاظ به في مستودعات سيئة الصيانة والحراسة، ومن المحتمل ان تقع في ايدي مجموعات متطرفة او شخص مجنون او فرق متحاربة.

وتعرضت انتفاضة الشعب الليبي خلال ايامها الاولى للقمع بهذه الاسلحة، بما فيها استخدام القنابل العنقودية في المناطق المدنية. وكانت ضربات حلف شمال الاطلسي (ناتو)، التي ساعدت الثوار على التقدم، تهدف الى تدمير الاسلحة التي ساهمت دول الحلف في بيعها للقذافي.

ظل العالم

ترتبط صفقات الاسلحة التي توقعها الحكومات أو وكالات استخباراتها، او صناع الاسلحة الصغار، والوسطاء والممولون، ترتبط جميعها بسلسلة من التشريعات والاخلاقيات، بدءا من المسؤول او السوق العادية، وانتهاء بالسوق الرمادية او السوداء، التي يطلق عليها البعض «ظل العالم».

ومن الناحية العملية فإن الحدود بين الاسواق الثلاث غير واضحة المعالم، والى حد بعيد تعتمد هذه الاسواق على بعضها بعضاً. وبسبب الرشى والفساد فإن قليلاً جداً من صفقات الاسلحة تتم في العلن. وتكشف دراسة في هذا الصدد أن تجارة الأسلحة تمثل 40٪ من الفساد المتفشي في التجارة الدولية.

وتعكس ليبيا وتاريخ القذافي الكثير من الممارسات السيئة في تجارة الأسلحة، ويبدو ان هناك ثلاثة سيناريوهات من المحتمل ان تتمخض عن الوضع في ليبيا المحررة، أولها اذا لم يعقب مقتل القذافي تطبيق الديمقراطية، او ان البلاد انزلقت في حرب اهلية فإن الفرق المتحاربة سيكون لديها امدادات لا حصر لها من الاسلحة، وتعكس تجربة العراق وافغانستان ـ مع الاختلاف في الشكل ـ كيف ان الاطاحة بطاغية تتمخض عن فوضى طويلة الامد او حرب اهلية لا هوادة فيها. ثانيها، حتى لو افترضا ان الوضع في ليبيا قد تمخض عن ديمقراطية، فإن الحكومة المنتخبة ستجد امامها تركة ضخمة من الاسلحة المتكدسة. وأخيرا، فان هناك مخاوف من انه في خضم الفوضى فان المخزون الذي تركه القذافي من اسلحة تقليدية وجرثومية ومتفجرات (من ضمنها 10 اطنان من غاز الخردل و1000 طن من اليورانيوم) ستجد طريقها الى السوق السوداء في الاقليم، وقد تقع في ايدي الاشخاص ذاتهم الذين يهددون الدول الغربية التي كانت تورد السلاح للقذافي.

تمويل الإرهاب

منذ ان استولى على السلطة عام 1969 أصبح القذافي شخصية «طوطمية» للبعض، نافثا النار والخطب الجهنمية المناهضة للاستعمار، وساحقا في الوقت ذاته الداخل والخارج، ومحاولات المعارضة الاستيلاء على الحكم. وتختفي تلك الفرق التي تهدده في ظلام السجون او تقضي نحبها تحت وطأه التعذيب او الإعدام. كما ان محاولات القذافي الدؤوبة للسيطرة على الامور في افريقيا خلفت الكثير من الجراح والمآسي عبر القارة. وساهم القذافي في نشر الرعب من خلال توفيره التدريب العسكري وامدادات السلاح (معظم هذه الامدادات من الاسلحة التي اشتراها النظام من الغرب وروسيا) لملوك الموت في افريقيا، امثال الرئيس الليبيري السابق، تشارلز تايلور، وفرق الاعدام في سيراليون. وأشعل القذافي بغزوه جارته تشاد التوتر بين شمالها وجنوبها، ومن بين يديه تسربت الاسلحة الى اقليم دارفور السوداني المضطرب.

والذين يستفسرون عن قدرة القذافي على الامساك بالسلطة هذه الفترة الطويلة، عليهم ان يدركوا انه استطاع شراء اسلحة بمليارات الدولارات منذ وصوله للسلطة عام ،1969 بفضل عائدات النفط الهائلة بين عامي 1970 و،2009 وحتى مع حظر استيراد الاسلحة الذي فرضته عليه الامم المتحدة من 1992 الى 2003 استطاع القذافي جلب ما قيمته 30 مليار دولار من الاسلحة (من ضمنها ما قيمته 22 مليار دولار من الاتحاد السوفييتي السابق، روسيا حالياً). كما استطاع ايضا الحصول على احدث الاسلحة الغربية من فرنسا والمانيا اللتين باعتاه ما قيمته 3.2 و1.4 مليار دولار على التوالي.

وتعتبر هذه الكميات الهائلة من الاسلحة التي اشترتها ليبيا خطوة سخيفة ومخيفة في الوقت ذاته، فقد اشترت من روسيا وحدها اكثر من 2000 دبابة، و2000 مركبة قتالية مدرعة، واكثر من 350 اسلحة مدفعية، وعشرات السفن وأسراب من الطائرات، على الرغم من ان قواتها المسلحة لا تستخدم او ليست في حاجة لجميع هذه الاسلحة.

الخبير العسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، انتوني كوردسمان، يقول إن ليبيا تستورد كميات من الاسلحة تفوق قدرتها على السيطرة عليها وصيانتها، إذ وصلت في اواخر سبعينات وثمانينات القرن الماضي الى مستويات تثير الضحك والسخرية، لأنها كانت تشتمل على معدات لم يتم استخدامها او حتى معرفة كنهها من قبل الجنود، ونظراً لعدم تكافؤ نسبة الجنود إلى نسبة الأسلحة، اضطرت ليبيا للاحتفاظ بمعظم طائراتها في المستودعات مع اكثر من 1000 دبابة، وكان ذلك يحدث على الرغم من الجدل الدائر في الغرب حول فرض حظر دولي على واردات الاسلحة الى لبيبا، ولم ير ذلك الحظر النور إلا بعد ان بلغ السيل الزبى.

القذافي وأميركا

في عام 1986 ركز القذافي اهتمامه على الولايات المتحدة، بوصفها الدولة الراعية للاستعمار، فصار يمول ويمد بالسلاح والتدريب عددا من الكيانات المعادية للولايات المتحدة، وفي الخامس من ابريل من العام نفسه فجر العملاء الليبيون مقهى «لا بيل» في العاصمة الالمانية برلين، ليقضوا على عدد من العسكريين الأميركيين الذين كانوا يؤمون المقهى، وقصفت الولايات المتحدة ليبيا ردا على ذلك، وفرضت عليها حظرا على توريد السلاح بمساندة من دول الاتحاد الاوروبي، وبعد عامين من ذلك فجرت ليبيا طائرة بانام الاميركية فوق قرية لوكيربي الاسكتلندية، ما ادى الى مقتل 270 راكبا كانوا على متنها، وبعد اشهر قليلة من ذلك فجر الليبيون طائرة يوتا الفرنسية فوق الصحراء التشادية، وفي عام ،1992 فرضت الامم المتحدة اول حظر للأسلحة على ليبيا مع سلسلة من العقوبات الاقتصادية. وقضى العقيد 11 عاما من العزلة، وصارت العقوبات تؤثر في عائدات النفط، وبدا كأن حظر الاسلحة اصبح اكثر فعالية، واكدت التقارير أن واردات القذافي من الأسلحة في تلك الفترة انخفضت قيمتها عن 10 ملايين دولار سنويا بين 1992 و.2003

بيد ان كثيرا من الشواهد الحالية تثبت عدم صحة تلك التقارير، إذ ادعى تقرير صادر عن معهد سياسة الامن والتنمية عام 2010 ان روسيا البيضاء ـ موطن آخر طغاة اوروبا، الكساندر لوكاشينكو ـ صدرت ما قيمته 1.1 مليار دولار لليبيا بين 1996 و،2006 وتجلس هذه الدولة الصغيرة في اوروبا الشرقية على كميات هائلة من الاسلحة التي خلفها الاتحاد السوفييتي السابق.

وفي عام 2003 رفعت الامم المتحدة الحظر عن ليبيا وتبعتها الدول الاوروبية والولايات المتحدة، بعد ان قامت ليبيا بتسوية قضايا التفجيرات، وسمحت بمحاكمة المشتبه فيه في تفجيرات لوكيربي، عبدالباسط المقرحي في محاكم اسكتلندا. وانفتحت الدول الغربية على ليبيا، ولم يغتنم فرصة الانفتاح تجار النفط والمستثمرون الغربيون فقط، وانما ايضا تجار الاسلحة، ففي عام 2009 وبعد اسابيع قليلة فقط من الافراج عن المقرحي صرح مدير المنظمة البريطانية للتجارة والاستثمار الدفاعي والامني رتشارد بانغوان، بان هناك تدخلات سياسية على مستوى عال لمساعدة المنظمة في جهودها لبيع الاسلحة البريطانية الى دول في المنطقة من بينها ليبيا.

وفي الوقت ذاته طار الرئيس الفرنسي، نيكولاي ساركوزي الى ليبيا لتسويق الاسلحة والاستثمارات الفرنسية، وفي عام 2010 اعلنت روسيا أنها وافقت على صفقة اسلحة مع ليبيا قيمتها 1.8 مليار دولار، تشتمل على دبابات ومقاتلات وانظمة دفاع جوي، ولم تكن تلك الصفقة مختلفة في الحجم عن واردات الاسلحة الاوروبية لليبيا بين 2005 و.2009 فقد اكدت الدول الاوروبية أنها باعت اسلحة لليبيا خلال تلك الفترة تزيد قيمتها على 834 مليون يورو، وكان نصيب ايطاليا منها ما قيمته 276 مليون يورو بين 2006 و،2009 وجاءت المبيعات الفرنسية بقيمة 210 ملايين يورو، في الوقت الذي وصلت فيه قيمة المبيعات البريطانية الى 119 مليون يورو.

الأخطر من ذلك ان هذه الترسانة ـ غير المراقبة في معظمها ـ تشتمل على اسلحة كيماوية وجرثومية وصواريخ مضادة للطائرات متتبعة للحرارة والتي يمكن استخدامها ضد الطائرات المدنية. وأول هذا الشهر كتبت صحيفة واشنطن بوست مقالا اكدت فيه ان مسؤولين عسكريين مصريين زعموا أن كميات كبيرة من الاسلحة الليبية من ضمنها صواريخ تسربت الى جزيرة سيناء. ويعتقد الكثير من الخبراء أن الاسلحة الليبية سرعان ما تجد طريقها تحت الارض لأي مجموعات مسلحة او ارهابية او أي شخص مجنون لديه خطط لتدمير اجزاء من العالم.

تويتر