البيت الأبيض مستعد للعمل مع طهران في حال كان سلوكها مقبولاً

واشنطن تلعب الشطرنج مع إيران

بولتون اعترف بتشديد أوباما الخناق على طهران رغم معارضته سياساته. أ.ب - أرشيفية

لا أحد يدري ما الذي ستفضي إليه السياسة الأميركية الخارجية غير المستقرة في نهاية المطاف، إذ إن الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس باراك أوباما لا تثبت على رأي وسرعان ما تغير موقفها. وكان آخر هذه التحولات تخليها عن إقناع تل أبيب بوقف الاستيطان في الضفة الغربية شرطاً لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.

وبالنسبة لإيران فإن الاستراتيجية الأميركية لا تبدو واضحة تماماً، فواشنطن تبدو كأنها تلعب لعبة الشطرنج مع طهران. وللمرة الأولى منذ أكثر من سنة، التقى دبلوماسيون إيرانيون مع ممثلين عن اللجنة السداسية في جنيف، وتتضمن دبلوماسيين روساً وأميركيين وصينيين وفرنسيين وبريطانيين وألماناً، من أجل مناقشة معضلة البرنامج النووي الإيراني.

ومثل اللقاءات السابقة، لم ينته هذا اللقاء إلا بتعكر مزاج الأطراف المتفاوضة، والدعوة إلى الاجتماع مجدداً في وقت لاحق. ومن وجهة نظر محترف في لعبة الشطرنج فإن النتيجة ليست سيئة بالضرورة بالنسبة للدبلوماسية الأميركية.

ولنفهم السبب يجب أن نعود إلى الماضي قليلاً، فقد جاء أوباما إلى السلطة حاملاً معه وعوداً بأنه لن يسمح بامتلاك طهران القنبلة النووية. ومنذ ذلك الحين عملت إدارته على محاصرة النظام الإيراني وإضعافه، وتعتبر العقوبات السلاح الوحيد الذي تستخدمه الولايات المتحدة، من خلال منظمة الأمم المتحدة، فرضت آخرها في يونيو الماضي.

ولعل هذه الخطوة جاءت مفاجئة للإيرانيين، ما أجبرهم على العودة إلى طاولة المفاوضات. وبالنسبة لواشنطن فإن فترة إرخاء الحبل مع طهران مملوءة بالإيجابيات والمخاطر في آن معاً، فقد تعمد روسيا والصين إلى التخفيف من العقوبات في هذه الفترة. ومهما يكن فإن المفاوضات فرصة للدبلوماسية الأميركية لتلتقط أنفاسها وتجمع قواها، والانتقادات الداخلية لسياسة أوباما تجاه إيران تزيد حدة خلال فترة المفاوضات، ويرى «الصقور» أن التساهل مع طهران وفرض العقوبات لن يمنع من امتلاك القنبلة النووية.

وعلى رأس المنتقدين نجد مساعد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، والمكلف ملف إيران، جون بولتون، في الوقت الذي يبدي فيه «الحمائم» دعما وموافقة ولو غير صريحة. وفي هذا السياق، انضم فلينت ليفريت، وزوجته هيلاري مان، اللذان عملا في إدارة بوش، إلى معسكر أوباما، في ما يخص المسألة الإيرانية، إلا أن السياسيين يعتقدان أن أوباما دخل المفاوضات بطريقة يدري أنها ستفشل، سعياً منه إلى جلب المزيد من الدعم الدولي والمحلي لاستراتيجية العقوبات. ويقول الزوجان إن العرض الذي تقدم به البيت الأبيض لتزويد طهران بالوقود لمفاعلاتها النووية مقابل نقل اليورانيوم الأقل تخصيباً خارج إيران، جزء من أجندة «ميكافيلية». وهنا سيتساءل البعض، هل يمكن لأوباما الحائز جائزة نوبل للسلامأن يكون ازدواجياً؟

صرح أوباما أخيراً أن العروض التي قدمها لإيران لم تكن لتلقى قبولاً، ولكن الهدف منها أن يُري العالم أن أميركا مستعدة للعمل مع طهران في حال كان سلوكها مقبولاً. وركزت الإدارة الحالية على نزع الأسلحة الإيرانية، وكانت خطوة إعادة تفعيل العلاقات بين واشنطن وموسكو، على الرغــم مــن أنهـا كانت مقصودة لذاتها، فإنها كانت ضمن استراتيجية الضغط على النظام الإيراني.

إذاً من هو أوباما؟ هل هو الرجل الساذج والعاجز، أم الازدواجي الميكافيلي؟ أوباما ليس ساذجاً أو عاجزاً بالتأكيد، لأن خصوم بوش بمن فيهم بولتون، يعترفون بأن أوباما شدد الخناق على طهران من خلال العقوبات، كما أنه بدأ في زعزعة العلاقات التي تربط إيران بحليفتيها روسا والصين.

يذكر أن الرئيس الأميركي لم يستبعد ضرب المنشآت النووية في إيران، إلا أن إدارته ترى أن الضربة لن توقف البرنامج النووي، ولكن تؤخره قليلاً. ويبدو أن أوباما يلعب لعبة تطويق طويلة الأمد مع إيران، مديراً ظهره لبعض حلفائه الذين يريدون الحرب، ومفضلاً أن يستمر في استراتيجيته التي تجعل ثمن الاستمرار في البرنامج النووي باهظاً جداً.

تويتر