‏‏‏سلطات تلاعبت بقانون حظرها الصادر منذ 2005

زيجــات في إثيـوبيا تبــــدأ بالخـطـــــــف والاغتصاب‏

دموع الزواج في إثيوبيا من نوع آخر ولا تتوقف أبداً. أرشيفية - أ.ف.ب

❊ جوهان هاري

تتذكر كل امراة يوم زفافها دموع الفرحة، ولكن في إثيوبيا تكون الدموع من نوع آخر، ولا تتوقف أبداً. وفي كوخها الذي يقع في منطقة ريفية في اثيوبيا، والتي تعتبر عاصمة الزواج عن طريق الخطف في العالم، تتذكر نورام أبيدو اليوم الذي أصبحت فيه زوجة.

ولم تتكلم نورام عن زفافها منذ 40 عاما، وإذا قررت الحديث عما حدث يومها فإنها ستتعرض للضرب من قبل الشخص الذي خطفها، والذي يقول إن المرأة الجيدة هي التي لا تتحدث عن هذه الأشياء. ولذلك فإنها تروي قصتها ببطء، حيث ترتفع ضحكتها أحياناً بصورة لا إرادية.

وكانت نورام في سريرها عندما استيقظت على أصوات عدد من الرجال في منزلها يصل عددهم إلى نحو 10 في الثلاثينات من عمرهم، يقفون حول والدها وهم يصرخون. وكان الظلام دامسا، حيث لا توجد كهرباء. ورغم انها كانت في الثامنة من العمر فإنها أدركت ما الذي يحدث خصوصاً عندما اقترب منها هؤلاء الرجال. وكانت قد سمعت أن الفتاة عندما تكون ملائمة للزواج، سيقوم رجل معين باختطافها، ومن ثم يغتصبها وبعد ذلك ستخدمه لبقية حياتها.

ثقافة مجتمع

وقالت نورام «هذه ثقافتنا، لكنها لم تكن ثقافتي». وكما هي الفتيات الأخريات فإنهن لم يكن راضيات عن هذه العادة. وأضافت «بدأت أصرخ واختبأت بين الأشجار، لكن أحد الرجال شاهدني».

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/73880.jpg

وعندما أخذها إلى منزل عائلته وضعها أمام الجميع ومن ثم اغتصبها، كي تصبح زوجته في صباح اليوم التالي، ومن ثم أجبرت على توقيع عقد الزواج. وفي انتظار اليوم الذي تهرب فيه وتعود الى منزل والدها، أخبرها بأنه بعد أن عاشرها ذلك الرجل لم تعد محط اهتمام أحد من الرجال وعليها ان تعود إليه وتكون زوجة جيدة. وأقرت والدتها بأن ما يقوله والدها هو عين الصواب، واضطرت للعودة إلى زوجها ولها منه الآن ستة أطفال.

ويخالج نورام شعور بعيد بحياة أخرى، وهي حياة لا تعيشها الآن. وقالت «لولا أني تعرضت للخطف لكنت الآن أعيش حياة مختلفة، فقد أكون قد تعلمت وأعمل في عمل خاص بي، وربما لكنت أكثر سعادة من الآن. لكن الآن فقد أصبحت كبيرة في السن غير أنني أشعر بالسعادة بأطفالي الستة».

وكانت جميع النساء اللواتي التقيت بهن، وهن مختطفات مدى الحياة يؤكدن هذه النهاية المتفائلة بلغة متشابهة تقريباً، وذلك بعد أن يروين حكاياتهن بشأن الاختطاف والاغتصاب. وقالت لي إحداهن «يكون الأمر صعباً في السنوات الخمس الأولى».

وتحدث قصة نورام كل يوم في إثيوبيا، ففي عام 2003 وجدت اللجنة الوطنية لممارسات التقاليد في اثيوبيا أن 69٪ من الزيجات في هذا البلد بدأت بالشكل الذي تحدثنا عنه، حيث الاختطاف ومن ثم الاغتصاب وبعد ذلك التوقيع القسري على الزواج. ورغم وجود الكاثوليكية والبروتستانت والدين الاسلامي في اثيوبيا، إلا ان هذه الممارسة تظل واحدة في موضوع الزواج.

الزوج والعسل

يقول أبيبي أنيبو وهو رجل نحيل عمره 45عاماً «لقد اختطفت العديد من زوجاتي»، ويكسب هذا الرجل رزقه عن طريق بيع قدور الفخار التي يقوم بصنعها من التراب بمساعدة زوجاته السبع اللواتي قام باختطافهن وأطفاله البالغ عددهم .25

والتقيت به عندما كان عائداً من السوق. وكما هي الحال لدى العديد من رجال إثيوبيا فإنهم لا يرون أي ضير في اختطاف النساء بل إنهم يرون أنها إشارة للحب. وقال متحدثاً عن أول امرأة تزوجها «كنت أشاهدها في السوق، حيث أبيع القدور وكانت جميلة. وأنا لم أتحدث معها ولكني أحببتها. وذات يوم استدعيت أصدقائي واختطفناها وأخذناها. وعندها غضبت وبكت في البداية، لكنها سكتت لاحقاً. وأنا أعرف عائلتها وأردت أن أكون واحداً منها. وأبلغت ابن عمها بأني سوف آخذها، فوافق على ذلك. وعندما سألته إذا كان اغتصبها، فقال نعم». وأضاف «عندما يتم اختطافها فإنها تصبح من أهل بيتي وتعيش حياتها وتبدأ بصنع الأواني الفخارية، وستقوم بما عليها فعله، والرجل بالنسبة للمرأة مثل العسل، وعندما تحصل على العسل فإنها ستشعر بالسعادة». وقد توفيت زوجة أنيبو الأولى إثر حادث بعد بضع سنوات بينما هي في حفلة عرس، حيث قام أحدهم بإطلاق الرصاص ابتهاجاً فارتدت الرصاصة وأصابتها في الرأس. ولحسن الحظ كان لديه إمرأة أخرى، فلم يبقَ وحيداً.

غير أن، أنيبو حزن على تلك المرأة لأنها عاملة نشيطة، وقال «النساء هن مصانعنا فهن يعملن لأزواجهن، حيث يعملن على زراعة الأرض وصنع القدور وينبغي للمرأة أن تطيع زوجها، فإذا طلبت شيئاً من نسائي أن تفعلنه فإنهن يفعلنه فوراً. وهذه هي الحياة حتى لو أصبحت عاجزاً، عليها ان تطيعني فهي امرأة. والنساء يردن ذلك».

ولكن اذا كانت النساء يردن ذلك فلم الخطف؟ لماذا لا يتم طلب يد الفتاة؟، يجيب أنيبو عن ذلك، «إنها الطريقة التي تجري بها هذه الأمور عندنا، وأعتقد أنه أمر طبيعي لأن أسلافنا فعلوا ذلك وكذلك آباؤنا، وأمي كانت قد خطفت من قبل والدي». واعترف أن أمه كانت تلعن هذا الواقع أحياناً، لكن ذلك يرجع إلى أنها من عائلة غنية وكانت تفاخر بأنها لا تريد أن تعمل. ويضيف «عندما خطفها والدي كان عليها أن تعمل». وعندما سألته عن شعوره إذا قام أحدهم بخطف إحدى بناته، أجاب أنيبو «سأشفق على الرجل المسكين الذي سيأخذها».

وبصورة مفاجئة تحول الحديث على نحو معاكس، وقال أنيبو وهو ينظر إلي نظرة وقار «أعتقد أن الخطف أصبح غير قانوني الآن. لا ينبغي للمرء أن يقوم به». وأضاف «يجب ان يكون الرجال مختلفين الآن لأني اذاختطفت امرأة الآن فإني ربما أتعرض للعقوبة»، وبعد ذلك صافحني وغادر المكان.

 

‏التخلص من الخوف

أفاق سكان منطقة ذات صباح على نبأ اختطاف الطفلة سامية ابيبي، وهي في الـ13 من عمرها. وكان والدها من أهم الأشخاص المؤيدين لوقف الزواج عن طريق الخطف. ويبدو أن رجال المنطقة كانوا يقصدون بذلك الانتقام منه لأنه يعمل على تدمير ثقافتهم. وعندما عثرت الشرطة على الفتاة رفض نساء القرية أن ينعتنها بالقذرة والابتعاد عنها كالعادة. ولكن هذه المرة تعاطف الجميع معها.

وبعد أن عادت سامية الى حياتها الطبيعية كانت هناك ثقافة مختلفة. وقالت عائلتها انها ليست غلطتها وإنها كانت شجاعة وذكية كونها تمكنت من الهرب. واتفقت مجموعة من الفتيات في مثل سنها، على مرافقة سامية اثناء ذهابها إلى المدرسة والعودة يومياً وبالتالي فإنها لن تشعر بالخوف

 

بداية المقاومة

واكتشفت قصة مقاومة هذا الواقع عندما كان الظلام يخيم على العاصمة أديس ابابا، حيث ظلت الكهرباء مقطوعة ثلاثة أيام متواصلة، وعندها التقيت مع بوجي جيبري (60 سنة) وهي تعمل في مكتبها في الظلام. وكانت تنتظر قدراً مشابهاً لنورام غير أنها كانت ترفضه. وقالت إن أمها كانت امرأة ذكية ونشيطة وحكيمة، لكنها مع ذلك كانت تتعرض للضرب باستمرار كما لم تكن تختلف كثيراً عن البقرة التي كانت تحلبها. وكان المنزل المصنوع من الطين مقسوماً الى قسمين أحدها للرجال والآخر للنساء والحيوانات.

وعندما أصبحت في الـ12 من عمرها خضعت لعملية الختان، مثل جميع شقيقاتها. وتعرضت بوجي للخطف أكثر من مرة، لكنها كانت تهرب باستمرار. وعندما قيل لها إن هذه هي ثقافتنا وعليها ان تقبل بها، أجابت بأنه أمر سخيف لا يمكنها قبوله.

وفي أحد الأيام وعندما ذهبت لزيارة ابنة عمها شاهدت الاحرف الامهرية مكتوبة على الجدار. وأدركت أنها لن تتمكن من تعلمها لأن والدها كان يضرب أمها لمجرد انها كانت توحي له بأنها تريد الذهاب الى المدرسة، فبقيت طيلة تلك الليلة وهي تحاول حفظ الأحرف، حيث تمكنت من حفظ 268 حرفاً. وبعد فترة قصيرة تمكنت من الهرب من المنزل وذهبت الى إحدى المدارس الدينية، حيث اصيب معلموها بالدهشة لأنها كانت تحفظ الأحرف. فقد كانت أول فتاة تأتي من الريف وهي متعلمة، فقدموا لها مساعدة عبارة عن منحة للدراسة في أديس أبابا. وبعد ذلك حصلت على منحة تعليمية أخرى من جامعة ماساشوستس لدراسة علم الاحياء الدقيقة. وتمكنت من إرسال بعض المال الذي جمعته من منحتها وأرسلته لأمها التي تمكنت من بناء بيت جميل.

وتقول بوجي إنه كان في إمكانها البقاء في الولايات المتحدة والعيش حياة رغيدة ونسيان كل متاعب اثيوبيا، لكنها تقول إنها تعتقد أن الحياة فيها أكثر من مجرد العيش حياة مرفهة.

رحلة شاقة

وعادت بوجي إلى قرية كيمباتا في تسعينات القرن الماضي، وبدأت في رحلتها الشاقة لتطوير مجتمعها، وذهبت الى الكنيسة وتحدثت مع الحضور عن إمكانية تحسين حياتهم. كما تحدثت عن مرض الإيدز، واقترحت عليهم تأسيس جمعية يمكن لأي شخص التحدث أمامها عن مشكلات البلدة.

وقال لها سكان البلدة إن ثمة حفرة عميقة وكبيرة هي التي تعوق معظم أنشطة القرية وهي السبب في منع ذهاب الاطفال إلى المدرسة والتجار الى المدينة، فقامت بوجي ببناء جسر على نفقتها فوق تلك الحفرة بهدف كسب قلوب أهل القرية وليستمعوا الى نصائحها بصورة أكثر تقبلاً.

ورغم ان اختطاف النساء أصبح غير شرعي منذ عام ،2005 إلا أن تطبيق القانون في المناطق البعيدة عن العاصمة كان يتم تأويله بطرق متعددة من قبل رجال الشرطة والقضاة أيضاً. وكانت زيبين نغاش أول فتاة اثيوبية تتحدى الزواج عن طريق الخطف في المحكمة. وقال لها القاضي في المحكمة «ما المشكلة فالرجل يحبك ولهذا قام بخطفك». وأشار إلى انها ربما لم تكن عذراء قبل خطفها ولهذا فهي لم تتعرض للاغتصاب «لأنه ليس هناك من يريد ان يغتصب امرأة غير عذراء». وحتى محامي الدفاع الذي كان من المفروض أن يدافع عن زيبين، قال أمام المحكمة «كانت في وضع كمن يقول تعال واغتصبني».

ولكن بعد ان تشكلت جميعة نساء كيمباتا على يد بوجي صار في إمكان النساء التحدث عن الرعب الذي يتعرضن له جراء عمليات الخطف. وكانت بوجي في الجمعية لتؤكد للجميع أن أي رجل يقوم بخطف امرأة سيدخل السجن.

 

❊ كاتب وصحافي

في «الإندبندنت»

ترجمة: حسن عبده حسن‏

تويتر