طيّارو شرطة دبي يواجهون مواقف إنسانية صعبة خلال عمليات الإنقاذ

التجمهر والفضول والاستهتار عقبات تواجه النجدة الجوية

صورة

قال مدير مركز الجناح الجوي في شرطة دبي، العميد طيار عبدالله الشحي، إن الفضوليين الذين يتجمهرون في مواقع الحوادث يمثلون تحدياً كبيراً أثناء عملية هبوط مروحيات النجدة الجوية لإجلاء المصابين، لافتاً إلى أنهم يواجهون مواقف إنسانية معقدة أثناء عملهم.

العميد طيار عبدالله الشحي:

«يواجه الطيارون تحديات كثيرة أثناء عملهم، خصوصاً عند الهبوط في أماكن غير مؤهلة وسط الزحام».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/09/535345.jpg

شهادة معادلة عالمية

أكد مدير مركز الجناح الجوي في شرطة دبي، العميد طيار عبدالله الشحي، أن هناك قسماً بالجناح الجوي متخصصاً في السلامة الجوية، ويتولى مهمة تحديد العوائق وكيفية إزالتها، وحل أي مشكلة يمكن أن تواجه الطيران، وفحص جميع المهابط الخاصة بالمروحيات وتقييمها سنوياً، خصوصاً تلك الموجودة في المستشفيات.

وأفاد بأنه طيار بالجناح الجوي منذ 35 عاماً، ولايزال يواجه جديداً كل يوم، بسبب تطور نمط وطبيعة الحوادث، مشيراً إلى أن الجناح الجوي حصل على شهادة معادلة عالمية للطيران أكثر من 16 ألف ساعة من دون حوادث يتعرض لها طاقم العمل.

موقف صعب

روى ملازم طيار عبدالعزيز أحمد الأنصاري موقفاً صعباً عندما تعرضت أسرة أوروبية لحادث على طريق اليلايس، حين كانت حافلة تسير في الاتجاه المقابل وبها عطب في الفرامل، فانحرفت الحافلة إلى الاتجاه المقابل لتصطدم بسيارة الأسرة التي كانت تسير في طريقها الطبيعي.

وانتقل إلى الحادث ونقل الأم وطفلين، فيما كان الأب محشوراً في مقعده، وأدرك فريق الإنقاذ بحكم الخبرة أنه في النزع الأخير، وكان موقفاً صعباً جداً، وحين وصل إلى المستشفى وسأله الأطفال عن أبيهم الذي توفي متأثراً بإصابته لم يستطع إخبارهم.

الطيران ليلاً

أفاد المقدم طيار عصام أحمد بن حافظ، بأنه أدى مهام متنوعة في حياته المهنية، لكن يبقى الطيران ليلاً من الأمور المعقدة للغاية، لأن من الصعوبة تمييز أسلاك الكهرباء بل حتى الأعمدة.

وأشار إلى أن من أصعب المهام التي نفذها نقل مصاب كان يمارس الغوص وخرج فجأة دون انتظار فترة الأمان، وكان الظلام الدامس يخيم على المنطقة، ولا يوجد سوى إضاءة ضعيفة لدراجة إنقاذ، فهبط على هذا الضوء وأسهم في نقل المصاب وإنقاذه.

وأوضح لـ«الإمارات اليوم» أن الفضوليين يتصرفون بقدر كبير من اللامبالاة والاستهتار، مثل العبور بالسيارة أسفل المروحية أثناء عملية الهبوط، أو يتجمعون في المكان، ما يضطر الطيارين في كثير من الحالات إلى طلب نقل المصابين بواسطة الإسعاف الأرضي إلى نقطة أخرى تستطيع الطائرة الهبوط فيها.

فيما ذكر المقدم طيار عصام أحمد بن حافظ، أن الإشكالية التي تواجه الطيار احتمالات تعرض أحد الفضوليين للخطر إذا اصطدم بمروحة الطائرة أو مروحة الذيل التي لا تظهر بسبب سرعة الدوران، وتجدهم يأتون من اليمين واليسار والخلف والأمام، خصوصاً لو كان المصاب أحد أقاربهم.

وأفاد بأنه واجه حالات إنسانية كثيرة أثناء عمله في الإنقاذ الجوي، «مثل إجلاء شخصين كانا يمارسان الغوص، ولم يلتزما بتعليمات الخروج الآمن من البحر، فانفجرت رئة أحدهما، وأصيب الآخر بإصابات بليغة، وفوجئت أثناء نقله بأنه شقيق صديقي».

فيما أكد الملازم طيار عبدالعزيز أحمد الأنصاري، أن طياري الجناح الجوي يواجهون مواقف إنسانية صعبة، لكنه شخصياً يتأثر بحوادث الأطفال، وأحدها كان لأسرة تدهورت سيارتها في الرمال وكانت الأم ترضع طفلها في المقعد الخلفي وإلى جوارها طفل آخر، وعثر المسعفون على الرضيع في الرمال بعد أن طار من السيارة، فيما توفي الطفل الموجود في المقعد الخلفي، مشيراً إلى أنه تولى نقل الرضيع والأم إلى المستشفى.

وتفصيلاً، قال الشحي، إن «طيارينا مؤهلون للهبوط ليلاً أو نهاراً في الأماكن غير المعدة، وفي الصحراء والبحر، على عكس نظرائهم في جهات أخرى»، عازياً ذلك إلى التدريب المستمر وسنوات الخبرة في عمليات الإنقاذ الجوي.

ولفت إلى أن الجناح يضم 19 طياراً مواطناً يحافظون على جاهزيتهم باستمرار من خلال قسم التدريب الداخلي التابع للجناح الجوي، فضلاً عن إخضاعهم لدورات مستمرة.

وأكد الشحي أن عمل الجناح الجوي إنساني في المقام الأول، فلا يوجد أسمى من إنقاذ الأرواح، إذ يواجه الطيارون كثيراً من التحديات أثناء عملهم، خصوصاً عند الهبوط في أماكن غير مؤهلة وسط الزحام أو التحليق الثابت على الجبال أو البحر.

وأشار الشحي إلى أن من أبرز التحديات تجمّع الناس في أماكن الحوادث، خصوصاً في حالة الاستعانة بالنجدة الجوية، لدرجة أن بعض المستهترين يمرون بسياراتهم أحياناً تحت الطائرات أثناء هبوطها، غير مبالين بأهمية الوقت في إنقاذ روح إنسان، ما يضطرهم للاستعانة بالدوريات الأرضية لتهيئة الظروف المناسبة للهبوط، على الرغم من تنظيم حملات توعية لأفراد المجتمع حول عدم عرقلة عمل رجال الإنقاذ سواء بالتجمهر أو التوقف على جانب الطريق. وتابع أن الطيارين يواجهون تحدياً إضافياً أثناء العمل ليلاً، إذ يصعب تحديد ما إذا كانت الأرض التي ستهبط عليها الطائرة مستوية أم لا، كما يتعذر رؤية أسلاك الكهرباء، ويعتمد الطيار كلياً على خبرته وإلمامه - بحكم الطيران ساعات طويلة - بطبيعة الأرض والمنطقة، لافتاً إلى أن الجناح الجوي يسهم كثيراً في سد ثغرات يمكن أن تمثل مشكلة لطياري الجهات الأخرى، مثل تعطل الأضواء التحذيرية لأبراج إرسال الاتصالات. من جهته، قال المقدم طيار عصام أحمد بن حافظ، إن طيار الجناح الجوي في شرطة دبي يمر بتجارب لا يتعرض لها غيره، فهو يعمل في النهار والليل، ويضطر إلى الهبوط في مناطق وعرة، لذا يتميز بثقة كبيرة في نفسه، لكنها لا تصل إلى درجة التهور. وأضاف أن هناك حالات رفض الهبوط فيها لشعوره بالقلق من المنطقة، مثل حادث وقع في منطقة صحراوية وتراجع عن الهبوط وطلب نقل المصاب إلى نقطة أخرى، لأن المناطق الرملية تحديداً تتضمن منحنيات ومناطق غير مستوية ربما تضر أثناء الهبوط، مؤكداً أن الطيار يجب أن يحافظ على نفسه وطاقم العمل الذي برفقته، والأشخاص الموجودين في المنطقة.

وأشار بن حافظ إلى أن الفضوليين الذين يتجمهرون في مناطق الحوادث يمثلون تحدياً آخر، فهم يأتون من أي مكان، ما يمثل خطورة عليهم، إذ يصعب ملاحظة مراوح الطائرة، لذا نطلب أحياناً من الدوريات الأرضية إبعادهم، أو نقل المصاب إلى نقطة أخرى أكثر أماناً.

واعتبر أن هذا سلوك مزعج وغير مسؤول، لأن الثانية الواحدة مهمة لإنقاذ حياة مصاب، ولا يمكن أن يخاطر الطيار بإصابة شخص آخر موجود في المكان بسبب فضوله أو استهتاره، لافتاً إلى أنه انتقل إلى حادث في منطقة البداير، وأثناء هبوطه رأى الناس متجمهرين، فتراجع وطلب نقل المصاب إلى منطقة أخرى.

وذكر بن حافظ أن طيار الجناح الجوي يمر بمواقف كثيرة معقدة، وفي بعض الحالات يبدو المصاب في حالة جيدة، لكنه مصاب بنزيف في المخ، ويتوفى فور نقله، لذا نبذل أقصى ما بوسعنا لنقله في أسرع وقت. وأكد عدم تسجيل حالات تأخير في الانتقال إلى مواقع الحوادث، لافتاً إلى أن هناك نطاقين لانتقال الطائرات: الأول لمسافة 40 كيلومتراً، ويجب أن تصل الطائرة خلال ربع ساعة، والثاني أكثر من 60 كيلومتراً، وزمن الانتقال يكون نصف ساعة.

وأفاد بن حافظ بأنه شخصياً تعامل مع مواقف إنسانية معقدة في حياته المهنية، منها انتقاله إلى حادث إصابة شخصين بإصابات خطرة نتيجة عدم التزامهما بإجراءات الأمان أثناء الغوص، التي تقتضي الانتظار خمس دقائق قبل الصعود إلى السطح حتى يوازن الجسم كمية الأكسجين الموجودة به، لكنهما لم يفعلا ذلك، فانفجرت رئة أحدهما، وأصيب الآخر بإصابات بليغة، وبادرت إلى نقلهما إلى المستشفى وفوجئت بأحد أصدقائي المقربين هناك واكتشفت أن المصاب شقيقه الذي أعرفه كذلك، لكن لم أره أثناء النقل، وذهبت بعد ذلك إلى مهمة أخرى وحين عدت إلى المستشفى سألت عنه وعلمت أنه توفي، فحزنت لفراقه.

وأشار إلى حالة أخرى لامرأة أصيبت بمضاعفات نتيجة الحمل، وعلم بعد نقلها إلى المستشفى أنها توفيت متأثرة بإصابتها، مؤكداً أنه يشعر بالحزن حين يتوفى أحدهم.

إلى ذلك، قال ملازم طيار عبدالعزيز أحمد الأنصاري، إن «هناك حوادث لا يمكن أن تمحى من ذاكرته، خصوصاً التي تسفر عن ضحايا من الأطفال، منها حالة طفلة صغيرة خرجت بمفردها من المنزل، فظنت أمها أنها ستلحق بوالدها الذي يفرغ أغراضاً من السيارة، لكنها توجهت إلى حوض السباحة، وحين عاد الأب رآها تطفو على وجهها، فتم نقلها بسرعة إلى مستشفى قريب، ثم توجهنا لنقلها بالنجدة الجوية، وكانت مغطاة بالأجهزة ونبضها ضعيف للغاية، وتوفيت لاحقاً متأثرة بإصابتها».

وأضاف أنه شارك كذلك في عملية إنقاذ ضحايا حادث مروري تعرضت له أسرة مكونة من أب في المقعد الأمامي وأم كانت ترضع طفلاً ويجلس إلى جوارها آخر في التاسعة من عمره، توفي في مكان الحادث، فيما عثر على الرضيع على الرمال بعد أن طار من السيارة متأثراً بالحادث، وتم نقله مع أمه إلى المستشفى، وحرص على الاطمئنان عليه لاحقاً وتأكد أنه بخير.

تويتر