جهات حكومية في دبي تمنح موظفيها حرية اختيار وقت العمل

«ضمير الموظف» بدلاً مـــن «بصمة الحضور والانصـــــراف»

«تستطيع أن تحضر إلى العمل أو تغادره بحرية تامة، وفي الوقت الذي تراه مناسباً، دون أن تمثل أمام جهاز البصمة، فهو لم يعد رقيباً على التزامك، فقط ضميرك وشعورك بالمسؤولية تجاه أسرتك ووطنك رقيبك الوحيد»، هكذا عقدت هيئة تنمية المجتمع في دبي، وجهات حكومية أخرى، قررت إلغاء توقيع الحضور والانصراف، عهداً جديداً مع موظفيها، الذين قابلوا القرار بترحاب شديد.

ورأى موظفون في هيئة تنمية المجتمع في دبي، تحرروا، أخيراً، من «بصمة الحضور والانصراف»، أن هذا النظام يبدأ مع الإنسان منذ بداية حياته بشكل ضمني، في المنزل ثم المدرسة، ولاحقاً الجامعة، إلى أن يلتحق بالعمل، ليصبح النظام بآلة كشف مادية، تبدو كنوع من الرصد والملاحقة، ومن ثم يصبح الأمر عبئاً ثقيلاً، ومزعجاً لأنه يوحي بالتشكيك وعدم الثقة بالشخص المعني بإثبات وجوده، وموظفون كثر في مختلف بقاع العالم، يتشاركون حالة عدم الانسجام مع نظام الحضور والانصراف.

خالد الكمدة:

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/08/520143.jpg

«قرار إلغاء البصمة يمكّن الموظفين من تنظيم أوقات عملهم بما يتوافق مع التزاماتهم الحياتية، وبالتالي رفع جودة إنتاجهم في العمل».


بصمة التطبيق الذكي

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/08/141414.jpg

اتجهت دوائر إلى استخدام تطبيق ذكي، يسجل حضور وانصراف موظفيها، باستخدام هواتفهم النقالة دون الحاجة إلى التوقيع في مقر العمل، ويتولى نظام الحضور الذكي، الذي يمكن تحميله على الهواتف، رصد ساعة دخول الموظفين إلى مكان عملهم، كما يحدد عدد ساعات الحضور.

لكن ذلك لم ينجح في ردع بعض الموظفين غير الملتزمين، إذ أكدت موظفة في إحدى الدوائر، طلبت عدم نشر اسمها، أن زملاء لها كانوا يصلون إلى موقع صف المركبات التابعة للدائرة، ويقومون بالبصمة عبر التطبيق داخل السيارة، حيث لا يمكن الدخول إليه إلا ضمن نطاق التغطية الخاصة بالدائرة، والتي تصل إلى موقف المركبات، ثم يغادرون بعد البصمة، دون تأدية واجبات وظيفتهم، ويعاودون الكرة في فترة الظهيرة.

وتاريخياً، تنوعت وسائل إثبات الحضور منذ بداية عهد المؤسسات، لعل من أبرزها التوقيع على كشوفات ضخمة، تضم خانات بأسماء الموظفين وأقسام عملهم، ليقوم الموظف بتسجيل موعد حضوره وانصرافه، ممهوراً بتوقيعه في الخانة المقابلة لاسمه، وتطورت الأساليب حتى وصلت في أيامنا الحالية عند البصم، حيث يقوم الموظف بختم أصبعه، المعرف في النظام الآلي الإلكتروني، التابع لإدارة الموارد البشرية، في المكان المخصص في أعلى جهاز مثبت عند مدخل المؤسسة، لتسجيل موعد حضوره وانصرافه في ذلك اليوم، وقد يكون اختيار استخدام البصمة كوسيلة للتعريف بالموظف، وتأكيد حضوره الأكثر إيحاءً بالتشكيك في صدق الموظف، الأمر الذي دفع عدداً من الدوائر الحكومية في دبي، منها هيئة تنمية المجتمع، وهيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، وغيرها، إلى أخذ قرار بإلغاء بصمة الموظف في الصباح والظهيرة، بهدف إزالة أي آثار سلبية، قد يتسبب فيها ذلك النوع من التدقيق على مدى التزام الموظف في أداء واجباته الوظيفية.

«شعور الموظف بالمسؤولية تجاه عمله، هو جزء من التزامه بمسؤولياته تجاه أسرته ومجتمعه ووطنه»، بهذه الكلمات علق المدير العام لهيئة تنمية المجتمع في دبي، خالد الكمدة، على القرار، مضيفاً لـ«الإمارات اليوم»، أن «المسؤولية هي شعور ينبع عادة من التزام أخلاقي وضمير واعٍ، ينبغي أن يكون أصيلاً في الإنسان، ولا يمكن زرعه في عقل وممارسات الفرد، حتى إن تم تطبيق أكثر الأساليب الرقابية صرامة».

وتساءل الكمدة عن جدوى أن يقضي الموظف سبع ساعات كاملة في موقع عمله، وأن يحضر إلى العمل في الموعد المحدد باللحظة والثانية، بينما يقضي الوقت دون أن يقدم المطلوب منه، أو أن ينجزه لكن دون المستوى المبتغى؟ مبيناً أن الهيئة اتخذت قراراً بإلغاء البصمة، حتى يتمكن الموظفون من تنظيم أوقات عملهم، بما يتفق مع التزاماتهم الحياتية الأخرى، ليضمن هدوءهم واستقرارهم، الذي يعود بالتالي على رفع جودة إنتاجهم في العمل، وتكون المحصلة النهائية تحقيق رضاهم وسعادتهم.

عدد من الموظفين المختصين، يمكن أن يتطلب عملهم البحث والدراسات وقراءة معلومات علمية وتقنية صعبة ودقيقة، تتطلب هدوءاً وتركيزاً، شعروا بارتياح شديد حينما أعطتهم الهيئة الحرية في تنظيم أوقات عملهم، دون القلق من وجود جهاز يحسب إنتاجهم بالساعات والدقائق، وكثير منهم أكدوا أنهم باتوا قادرين على الإنتاج بطريقة أفضل، وأنهم يقضون ساعات تتجاوز السبع ساعات في بعض الأيام، رغم عدم وجود نظام آلي يحسب فترة دوامهم، وفق الكمدة، الذي لفت إلى أن الموظف الملتزم والحريص على خدمة عمله ومجتمعه، كما يؤكد الكمدة، يعمل حتى خارج المؤسسة وحينما يكون في منزله، مشيراً إلى أن المعيار الأساسي الصدق والشفافية والالتزام النابعة من الضمير الحي.

رئيسة قسم الرعاية البديلة في الهيئة، بدرية الشامسي، قالت إن العمل في مجال الخدمات الاجتماعية ليس سهلاً، ويتطلب وجود رغبة حقيقية في مساعدة الآخرين، والعمل من أجل تحسين حياتهم، لذلك وجود رقيب أو ممارسة أي نوع من الضغط على الموظفين العاملين في هذا المجال ليس في مكانه، لأنهم اختاروا عملهم عن قناعة ووعي بأهمية العمل، ونتيجة شغف كبير بداخلهم نحو العمل الإنساني والاجتماعي.

أكثر الجهات، وفق الشامسي، التي تشهد تهرباً من العمل الوظيفي في العالم، هي الجهات الأكثر تفنناً في وضع التقنيات والأساليب الرقابية الذكية، لأن عقل الإنسان أذكى من أي تقنية وقادر، في حال أراد، على خداع أي جهاز، مهما كانت درجة تطوره.

موظفون حكوميون يتوجهون إلى أقرب فرع للدائرة الحكومية، التي يعملون فيها، ويقومون بالبصم، ويعودون مجدداً إلى منازلهم، كما كشف موظف في الهيئة، فضّل عدم نشر اسمه، مشيراً إلى أن البصمة لا يمكن أن تضبط سلوك الموظف، أو تضمن تأديته مهامه على أكمل وجه، كما أن قرار الهيئة إلغاء البصمة أزاح عن نفس الموظف رعب «الخطوط الحمر»، التي تظهر على شاشة جهاز البصمة، لتشير إلى التأخير عن الـ7:30 صباحاً، حتى إن كان لا يتعدى بضع دقائق، مؤكداً أن الرقابة الذاتية إحدى أفضل الطرق، التي يمكن الاعتماد عليها، للتأكد من مدى التزام الموظف.

habunemeh@emaratalyoum.com

تويتر