كلمة محمد بن زايد بمناسبة اليوم الوطني الـ41

وجه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كلمة عبر مجلة درع الوطن بمناسبة اليوم الوطني الحادي والأربعين فيما يلي نصها.

بسم الله الرحمن الرحيم .. يأتي يوم الثاني من ديسمبر من كل عام لنتذكر هذا اليوم ونتمعن في درسه الممتد عبر التاريخ تتداول ذكراه أجيال بعد أجيال: كيف كنا.. وكيف أصبحنا.. وإلى أين نتجه.. نتذكر معاناة المؤسسين وبنائي الوطن، ونسترجع ذكريات وأحداثا مثلت نقطة انطلاق لهذا الوطن المعطاء نحو غد تشرق شمسه نماءً ورخاءً... نتذكر ونسترجع تأسيس وطننا الغالي، ونعترف بصدق وعزيمة القادة المخلصين الذين تحملوا مسؤوليتهم الوطنية بإصرار وعزيمة وإخلاص وتفان، لتحقيق آمال شعوبهم، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقدَّموا للعالم بأسره نموذجاً لدولة عصرية بزغت من بين رمال الصحراء القاحلة، وبأيدي رجال يحلمون بالأمل ويتحلون بالإرادة ويثقون في الله وقدرة البشر على صنع المستحيل.

إن الجيل المؤسس عندما وضع يده في يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، اعتمد على رأس المال البشري الوطني والاستعانة بالأشقاء والاصدقاء، ليحقق معجزة البناء. لذلك لا نتوقف اليوم للاحتفال بالذكرى فقط، بل لنذكر ونراجع حجم الإنجاز الذي لم يتوقف بعد مرحلة التأسيس، بل انطلق إلى مرحلة التمكين في قفزات هائلة في مجال الأمن الصحي للمواطنين، والطفرة الكبرى في التعليم بجميع مراحله، ونجد المرأة قد أخذت مكانها وحازت مكانتها وتقوم بدورها المنشود في بناء الحاضر وصياغة المستقبل في الأسرة وفي العمل، وتشارك في كل المجالات.

ولم تبخل الدولة بالمال والجهد والاستفادة من الخبرات العالمية لتحقيق الرعاية الاجتماعية للمواطنين، وتعمل دائماً على اجتياز الصعاب لتطوير كافة القطاعات المختلفة في أرجاء الدولة ومن أهمها البنية التحتية، حتى تكون انطلاقتنا إلى الغد على أساس سليم ومرتكزات قوية لنحقق ما نصبو إليه لصالح وطننا ومواطنينا.

إننا مدعوون اليوم إلى مزيد من العمل والجهد لنجعل من رؤية سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله ورعاه، حقيقة واقعة من التمكين في المجالات كلها، فهو لم يتوانَ عن تحمل الواجب الوطني والمسؤولية التاريخية في استكمال الصرح والانطلاق نحو المستقبل، بإيمان راسخ بقدرة شعبنا العريق على تحقيق المستحيل بما يحفظ الثوابت الوطنية، ويدعم الوحدة بين أبناء الوطن عن طريق الحوار والانفتاح وبالروح الإيجابية، فكلّل الله خطاه في التطوير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وانطلاق الدبلوماسية الإماراتية لتسهم في حل المشكلات والأزمات العربية والإقليمية والدولية، متمسكين برؤيتنا الاستراتيجية نحو المستقبل، ومستلهمين ميراث الآباء والأجداد، ونعتمد على برنامج واضح ومتكامل لتحقيق مصالح الوطن والمواطنين.
إننا نمضي بثبات نحو بناء اقتصاد معرفي متين بأبعاد استراتيجية يرتكز على تنويع مصادر الدخل والحفاظ على الثروة الوطنية لصالح الأجيال القادمة، والمطلوب منا جميعاً أن تكون ضمائرنا هي الرقيب على أفعالنا، وأن نتحمل مسؤوليتنا وواجبنا الوطني كأساس لعملنا، فصالح الوطن والمواطنين هو هدفنا، متمسكين بمبادئ دستورنا في صون الحقوق وحماية الحريات واحترام القانون.

ومن يتدبَّر تاريخ دولة الاتحاد يدرك أنها قصة نجاح الإنسان الإماراتي، الذي صنع واحداً من أعظم إنجازات المنطقة في التاريخ الحديث والمعاصر، بعد أن أصبحت الدولة الاتحادية نموذجاً للدولة العصرية، وأضحى الإصرار على الحفاظ عليها والنهوض بقدراتها مثالاً يحتذى في العمل الوطني، لذلك فإننا نمضي بثبات وثقة في خطوات مدروسة نحو تطوير تجربتنا السياسية وتوسيع دور المجلس الوطني الاتحادي وتفعيل المشاركة العامة وتوفير أقصى قدر من الرفاهية والعيش الكريم للمواطنين، إيماناً منّا بأن المستقبل يقوم على سواعد شبابنا وجهودهم؛ لذلك لم تتوان الدولة عن تلبية احتياجات المجتمع، والعمل على حل مشكلاته عن قرب وبصورة مباشرة، دون حواجز أو مسافات تقف حائلاً بين المسؤولين والمواطنين، فكلنا نعمل لصالح الوطن.

إننا في هذه المرحلة من عمر الاتحاد المبارك، ندرك حجم التحديات التي تواجه مسيرتنا الوطنية، وهو ما يدفعنا جميعا الى العمل بتفان واخلاص والتمسك بكل ما يكمل ملامح رؤيتنا المستقبلية ويحقق تطلعات قيادتنا الحكيمة وشعبنا الوفي نحو المستقبل الزاهر الذي ننشده. وسنسعى بكل ما أوتينا من عزم وحرص على الاسهام في كل جهد يؤدي الى ابراز نجاحات وانجازات بلادنا الغالية بالشكل الذي تستحقه ويليق بها في كافة المحافل الاقليمية والدولية.

إن التطورات التي تعيشها المنطقة والمتغيرات التي يشهدها العالم تحتم علينا توحيد الرؤى والجهود وتبنّي استراتيجيات ثابتة لتعزيز الاستقرار والحفاظ على الأمن والسلم الاقليمي والدولي.

لذلك لم نتوانَ عن العمل لمساندة تلك الجهود، وتقديم الدعم ومدّ يد العون في ظل عالم يواجه اليوم تحديات ومتغيرات غير مسبوقة تعصف باستقراره وامنه، وغير ذلك من المخاطر والتهديدات العالمية التي تتطلب منا تكثيف الحوار والاتصال وتبادل المعلومات والتعاون بين دول العالم جميعها لنصل إلى آليات فاعلة ومشتركة لتحقيق أعلى مستوى من التضامن والتنسيق للتعامل معها لصالح البشر جميعاً.

لذلك، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة أولت مسألة الأمن والسلم الدوليين أولوية قصوى تمثلت في دعم دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في حل الأزمات، وتكثيف جهودنا واستثمار لقاءاتنا الخارجية للتحاور بعمق وموضوعية مع دول العالم كافة، للتوصل إلى حلول وآليات للتعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والثقافي والعلمي لصالح شعوبنا، والدعوة إلى احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ونبذ العنف وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، واللجوء إلى الوسائل السلمية لحل الأزمات والنـزاعات، واحترام إرادة الشعوب.

وأسهمت دولة الإمارات العربية المتحدة في دعم دول الخليج العربية انطلاقاً من القناعة التامة بالحاضر المشترك والمستقبل الواحد، والإيمان بأهمية مساعدة الإنسانية في أي مكان دون تفرقة بين جنس أو لون أو عرق أو دين أو مذهب، فهذا هو الأساس الذي قامت عليه دولتنا الفتية، بالعمل لصالح الأمن والاستقرار للبشرية جمعاء.

لقد نجحت دولة الاتحاد في دخول القرن الحادي والعشرين، وهي تحتل موقعاً متميزاً على المستويين الإقليمي والدولي، وتمتلك كل مقومات التطور والتحديث، وفي الوقت ذاته لم تتخلَّ عن شخصيتها الأصيلة وسماتها الخاصة المتمثلة في تراثها الحضاري العربي-الإسلامي، وحافظت على استقلالها، وبسطت سيادتها وحققت الأمن والأمان والاستقرار لشعبها.

وكان وراء ذلك النجاح فهم عميق لمعادلة التقدم ومتطلبات العصر، والعمل على تعزيز قيم الولاء والانتماء لوطننا المفَّدى، ودعم الهوية الوطنية للحفاظ على التقاليد والأعراف والأصالة في مجتمعنا، بعد أن أثبتت دولة الإمارات عبر تاريخها أنها نموذج للتسامح والتقارب بين مختلف الطوائف والأعراق والجنسيات، وأكدت للعالم أجمع إمكانية التعايش السلمي واحترام حقوق الآخرين، والتكاتف بين البشر من أجل الرفاهية الاجتماعية.

وإذا كنا اليوم نحصي الإنجازات ونحتفل بما وصلنا إليه من تقدُّم، فإن ذلك جاء بفضل الجهد المشترك والتآلف بين القيادة والشعب لما فيه خير الوطن والمواطن، وبما يحقق الحفاظ على امنه واستقراره وحماية مكتسباته، فقوات الأمن والشرطة تعمل ليل نهار لتحقيق الأمن الوطني الداخلي والسهر على استقرار المجتمع وحمايته، وقواتنا المسلحة الباسلة تقوم بواجبها الوطني والإنساني، وهي على أهبة الاستعداد لتلبية نداء الواجب في الدفاع عن هذا الوطن وسيادته، فلها منا كل التقدير والاعتزاز، ونعمل دائماً للحفاظ على استعدادها الأمني والقتالي والتسلح بأدوات عصر المعرفة والاعتماد على مجتمع متطور تتوافر له أسباب التقدم والرخاء والازدهار الحضاري.

اليوم نشعر بالرضا والفخر.. الرضا عما تم إنجازه في المجالات كافة، داخلياً وخارجياً، ليكون الأساس للانطلاق نحو غد أفضل، والفخر والاعتزاز بحجم هذه الإنجازات الهائلة التي يصعب، بل يستحيل، قياسها بالزمن، ولكننا لا نزال نطمح في تحقيق المزيد لصالح الوطن والمواطن، ولذلك سنستمر في تطوير إمكانياتنا وقدراتنا في التعليم والصحة والبنية التحتية والتنمية الحضارية، حتى نوفر أفضل مستوى معيشة لأجيالنا القادمة ونضمن لهم الحياة الكريمة في المستقبل، فهم ثروة الوطن وعماد وجوده.

إن حزمة القرارات والمبادرات المتعددة التي أصدرها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، في الفترة الماضية والمتعلقة بخير ومصلحة المواطنين، ومنها تجنيس أبناء المواطنات وإنشاء صندوق معالجة قروض المواطنين المتعثرين وفي الآونة الاخيرة مبادرة " أبشر" لتعزيز مشاركة الكوادر الوطنية في سوق العمل، وغيرها من المبادرات والمشاريع التنموية التي طالت سائر ارجاء الدولة، تعكس نهج قائد المسيرة الذي يتبناه دائما لتحقيق الاستقرار الاسري والنفسي والاجتماعي للمواطنين وأسرهم وتعزيز روح المواطنة والانتماء في نفوس جميع أبناء الوطن على حد سواء، وهي برهان واضح على أن تطلعات شعب الامارات هي محل اهتمامه وعنايته الدائمة، وهذا ما يفسر الالتفاف الوطني الصادق ومشاعر المحبة وروح الانتماء والولاء التي تسود ربوع الوطن تجاه قيادته الحكيمة وما تبذله من جهود حثيثة تستهدف رفعة الوطن وتقدمه.

إن سقف طموحاتنا وتطلعاتنا إلى تنمية وطننا المفدى ليس له حدود، لذلك فإننا حريصون على أن يكون الغد أفضل من اليوم، بسواعد أبناء هذا الشعب الكريم، وأن يشارك الجميع في منظومة التنمية والتطوير والإسهام بفاعلية في بناء المستقبل، والوقوف صفاً واحداً أمام المصاعب والتحديات والمخاطر.

إننا مدعوون الآن للعمل سوياً لمواجهة التحديات والتهديدات المتربصة بأمننا واستقرارنا، والارتقاء بمستوى التعليم والربط بين حاجة مجتمعاتنا من الأيدي العاملة ومخرجات التعليم، وبذل كل الجهد للحفاظ على مكتسباتنا، وحماية أمن بيئتنا، والتمسك باستراتيجيتنا للتنمية المستدامة، والالتفاف حول قيادتنا والالتزام بولائنا لقيادتنا ووطننا ومجتمعنا حفاظاً على وحدتنا وتماسكنا وترابطنا، فنحن جميعاً شركاء في هذا الوطن نتعاضد كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.

اليوم، ونحن نتحمل مسؤولية صياغة حاضر ومستقبل دولتنا العزيزة، التي وضع لبناتها المؤسسون، نجدِّد عهد الولاء لسيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، ونعاهده على بذل كل نفيس وغالٍ لتحقيق آمال شعبنا في الرفاهية والتقدم، سائلين المولى العزيز القدير أن يوفقنا جميعاً إلى ما فيه خدمة وطننا الغالي ليبقى عزيزاً منيعاً شامخاً.

ستبقى دولة الامارات بعون الله وبفضل روح الاتحاد التي تسري في نفوس ووجدان أبنائها، وطن العز والامجاد الى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وكل عام وأنتم بخير.

ووطننا الغالي في أمن وتقدم وازدهار.

تويتر