مشكلات مالية وغياب التوافق العاطفي أهم الأسباب

6.6 ٪ ارتفاعاً في نسبة الطلاق بيـــــــن الإماراتيين بدبي

كشفت بيانات حديثة صادرة عن «مركز دبي للإحصاء» ارتفاع نسبة الطلاق في إمارة دبي، خلال العام الماضي، ووصلت نسبة الزيادة بين الإماراتيين إلى 6.6٪، فيما عزا اخصائيون اجتماعيون وقانونيين أسباب الزيادة إلى مشكلات مالية، تعكس النزعة المصلحية للزوجين وغياب التوافق العاطفي والروحي في العلاقة الزوجية، نتيجة نشوء عدد من المتغيرات في المجتمع الاماراتي، أسوة بغيره من المجتمعات التي تأثرت سلبا بتلك المتغيرات.

تجربتان

 

استمعت «الإمارات اليوم» إلى عدد من أصحاب التجربة من الذين عانوا متاعب الزواج فانسدت بهم السبل إلا نحو الطلاق، الذي وجدوا فيه حدا لتفاقم مشكلات يشير استطلاع سريع إلى ان العامل الاقتصادي والاهتمامات المادية كانا فيها سببا اساسيا ومشتركا.

قال (أ.د )، وهو شاب إماراتي تزوج بإماراتية وعاش معها خمس سنوات انتهت بالطلاق وحِملٍ من الديون المالية تعدت نصف مليون درهم، في رده على «الإمارات اليوم» عن سبب الطلاق، إنه لم يعد يستطيع الاستمرار في الزواج لأنه بات يعيش في دوامة من الازمات الخانقة، أصبحت تهدد حتى استمراره في عمله، نتيجة تردي حالته النفسية التي افقدته القدرة على التركيز والتفكير السليم.

واسترجع البدايات وسبب المشكلات فأكد انه اخطأ منذ البداية حين اعتمد الجمال والمظهر واسم العائلة معيارا لاختيار شريكة حياته مهملا كل المعايير الجوهرية التي كان يتعين ان يستند اليها عند اتخاذ قرار الزواج، ومن اهمها توافر صفات في الشريك يكون عنوانها رجاحة العقل والصبر والمحبة والاهتمام بلب وجوهر معاني الحياة لتكون بذلك قادرة على تأسيس علاقة زوجية متوازنة ومستقرة بإمكانها ان تبني أسرة وتعمرها. وأكد ان زوجته كانت لا تتوقف عن المطالب حتى انه حين كان يلبي مطلبا يجد مطلبا آخر اصعب منه في انتظاره. ولم ينكر انه في أول الأمر اغرق في تنفيذ كل الطلبات دون تفكير لأنه كان يريد ان يرضيها لكنه اكتشف بعد وقت ليس طويلا أن لا شيء يرضيها فهي لا تهتم الا بالمظاهر والمفاخرة بأغلى الفلل وأغلى السيارات وأثمن المجوهرات، وأن الزوج بالنسبة لها مصدر للأموال ووسيلة للسفر.

شاب إماراتي آخر طلق زوجته وهي من جنسية عربية، قال انها في أول الأمر بدت امرأة قنوعة كل ما يهمها حياة كريمة مع زوج يصونها ويشاركها حياتها، إذ إنها لم تشترط عليّ أو تطالبني بمهر تعجيزي، مضيفا انه أتم الزواج بهدوء حتى انقضت الشهور الأولى التي بدأت بعدها المشكلات والخلافات، نتيجة المطالب المادية التي تفوق طاقته. وأشار الى إصرارها على أن يشتري لها بيتاً في البلاد وبيتا آخر في بلدها، بزعم انها تنشد الشعور بالأمان خوفا من ان يتخلى عنها ذات يوم، مضيفا انه صار في سباق مع المشكلات والهموم، لأنه لم يكن بمقدرته تلبية مطالبها، حتى انتهى الأمر به الى الطلاق، بعد ان انجب منها طفلين.

وأوضح المركز ارتفاع عدد حالات الطلاق بين الأزواج الإماراتيين بنسبة بلغت 6.6 ٪، بين العامين 2009 و،2011 إذ زاد عددها من 288 حالة عام ،2009 إلى 307 حالات العام الماضي، بعد ان كان قد انخفض الى 280 حالة خلال عام .2010

وأظهرت البيانات التي حصلت «الإمارات اليوم» على نسخة منها أن عدد حالات الطلاق في إمارة دبي، ارتفع بين العامين 2009 و،2011 بنسبة 24.4٪، إذ تبين الأرقام ارتفاعها من 720 حالة عام ،2009 إلى 896 حالة في عام ،2011 مقارنة بـ794 حالة في عام .2010

وانعكس الارتفاع في زيادة عدد حالات الطلاق بين الإماراتيين وغير الإماراتيين، والتي بلغت 144 حالة عام ،2011 مقارنة بـ115 حالة عام ،2009 و121 حالة خلال عام ،2010 وسجلت زيادة أيضا في عدد حالات الطلاق المسجلة بين غير الإماراتيين، إذ ارتفعت من 317 في عام 2009 إلى 393 في عام ،2010 حتى وصلت الى 445 حالة في عام .2011

غياب التوافق

وقال عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة الشارقة الدكتور أحمد فلاح العموش، في رده على سؤال لـ«الإمارات اليوم»، حول العوامل التي تسهم في ازدياد نسبة الطلاق، إن الطلاق ظاهرة منتشرة ليس على مستوى الامارات فحسب، بل أصبح ظاهرة اجتماعية متفشية عالميا وعربيا وخليجيا.

واعتبر العموش أن الطلاق في المجتمع الاماراتي يرجع بشكل اساسي إلى غياب التوافق الزوجي، ووجود فجوة عميقة بين الزوجين على كل المستويات ناتجة عن عدم وجود توافق اجتماعي واقتصادي، فضلاً عن عدم وجود اهتمامات مشتركة بين الزوجين ما يؤدي في المحصلة الى عدم وجود توافق نفسي بينهما، مضيفاً أن الاهتمامات المشتركة بين الزوجين تعد امرا جوهريا في وقت ينظر اليها على انها مسألة هامشية ليست ذات اهمية.

وأردف أن الزوجة غالبا تتطلع إلى مسائل اجتماعية تتعلق بمظاهر وعلاقات واهتمامات شكلية، لا تهم الرجل الذي ينتظر من زوجته أن تدعمه معنويا وعاطفيا، وأن تشاركه في التفكير والحوار وفي تفاصيل الحياة اليومية التي تصب في مجرى تلبية احتياجاته ونجاحاته المهنية وتحفيز انشطته الحياتية ذات النفع والجدوى بالنسبة له.

أما عن سبب ارتفاع نسبة الطلاق في الآونة الاخيرة، فأكد العموش ان ذلك يرجع الى اختلاف نظرة المجتمع للطلاق الذي لم يعد يعنى بالرجل أو المرأة المطلقة مثلما كان في السابق حين كان الفرد يوصم بالطلاق كأنه عار، لاسيما المرأة التي كانت تعاني اجتماعيا وتقاسي بدرجة كبيرة نتيجة الطلاق. وأشار إلى أن غياب المفاهيم الروحية والأخلاقية التي كان الزواج يقوم عليها في الماضي، جعل من الطلاق أمرا سهلا في السنوات الأخيرة.

وأشار إلى أن الرجل لم يعد يجد في الزواج ضالته وأصبح يبحث عن تحقيق اهدافه المالية، بعيدا عن الالتزام بعلاقة تحد في معظم الأحيان من إمكانياته وطموحاته، نتيجة افتقارها للتوافق والمشاركة.

وأردف أن بروز عدد من المتغيرات أصاب المجتمع بما يعرف بـ«التصدع المعياري» الذي تختلط فيه المفاهيم وتغيب عنه أسس التقييم السليمة، مشيرا الى ان ذلك افرز سلسلة من الآثار السلبية، تبلورت جليا في فقدان الزواج اهم ادواره كدعامة عاطفية ونفسية تحقق الاستقرار والنماء بالنسبة للطرفين على كل الصعد.

ولفت إلى أن التقنيات الحديثة وتنامي دورها في حياة الفرد وكثرة السفر والاحتكاك مع المجتمعات الأخرى، كانت من اهم المتغيرات التي اعادت صياغة نمط تفكير الفرد ونشاطه الاقتصادي والاجتماعي، الامر الذي انعكس على حياة الزوج والزوجة، إذ أصبح لكل منهما نشاط روتيني مستقل، وأهداف مالية بحتة تتناقض مع اسس الزواج الروحية والانسانية.

زيجات مخططة

وذكر المحامي أحمد زين الدين، أنه تعامل خلال العام الماضي مع 30 حالة طلاق، إضافة إلى ست قضايا تابعها مكتب المحاماة الذي يعمل به في دبي وهو مكتب مختص بالترافع في القضايا العقارية، معتبراً عدد الحالات مؤشراً ودليلاً عملياً على ارتفاع نسبة الطلاق في الامارة.

وقال زين الدين إن 70٪ من حالات الطلاق بين الاماراتيين تحصل في الزيجات المرتبة من قبل عائلتي الزوجين، والتي عادة يتم ترتيبها خلال فترة زمنية قصيرة جداً لا تسمح اصلا بخلق فرصة للتعارف والتقارب بينهما، لاسيما أن معظم العائلات تتمسك بعادات متزمتة تعجل بالزواج غير آبهة لأهمية وضرورة الخطوبة كخطوة أولى في تأسيس علاقة مشتركة ناجحة.

وأضاف زين الدين أن الطلاق غالباً ما يحصل في النهاية نتيجة تعدد الزوجات، إذ عادة تكون الزوجة الاولى هي الضحية وهي غالباً إماراتية وذلك بعد الاقتران بامرأة اخرى وغالبا ما تكون من جنسية أخرى، أو يتم طلاق الزوجة الثانية التي يتزوجها لفترة ويهجرها أو ينفصل عنها، من دون أن يؤمن لها متطلبات الحياة أو يتكفل بمصروفات البيت والأطفال.

أما بالنسبة للطلاق بين غير الإماراتيين، فقال زين الدين إن العامل الاقتصادي واستقلال الزوجة مالياً كانا من ابرز العوامل المشتركة بين الحالات التي تعامل معها إذ تشعر المرأة بأنها تستطيع اتخاذ القرار بعدما كانت عاجزة عنه لسنوات خلت بسبب عدم عملها وحاجتها لمعيل.

وأوضح أن المرأة عندما تنتقل مع زوجها إلى الامارات تجد فرصة عمل توفر لها المورد المالي الذي يسمح لها بطلب الطلاق، متابعاً ان بعضا من تلك الحالات تمر بمراحل تبدأ بأن الزوج هو المعيل وبعدها تحصل الزوجة على فرصة عمل وتبدأ بالمشاركة في مصروفات المنزل وبعد ذلك يخسر الرجل لسبب ما عمله وتتكفل الزوجة بالمصروفات بشكل كامل إلا ان الزوج حين يعود الى العمل يتخلى عن كامل المسؤولية ويرمي بكل الأعباء المالية على كاهل الزوجة التي حينها تنتفض على العلاقة مستحضرة كل الخلافات وأوجه مشكلات عدم التوافق الموجود تاريخيا بينهما فتقرر انهاء العلاقة وتطالب بالطلاق.

وشرح زين الدين أن نسبة لا بأس بها من حالات الطلاق بين غير الإماراتيين تحصل، لأن الزوجة تستفيد من وجودها في البلاد، فتلجأ الى القانون الاماراتي الذي يمكن الزوجة من الطلاق على عكس القانون في بلدان اخرى، الذي يمنعها من الحصول على حريتها في حال انتمائها الى طائفة دينية معينة تحرم الطلاق على سبيل المثال.

تويتر