«لغة الضاد» تتراجع في المدارس.. و«الإنجليزية» تسبقها «بأشواط»

«العربية» منسية فـي الجامعات.. و90% من الطلبة غير راضين عن حصصها المدرسية

صورة

على الرغم من المبادرات الحكومية والتربوية الداعمة للغة العربية، إلا أن حضورها آخذ في التضاؤل في المدارس والجامعات، بسبب الاهتمام المتزايد باللغة الإنجليزية، التي يتعزز حضورها أكثر فأكثر مع تدريس المواد العلمية بها، واعتمادها لغة تدريس وحيدة في المرحلة الجامعية والدراسات العليا، إضافة إلى تراجع اللغة العربية لغة تحدث رئيسة في المجتمع. وأكد أساتذة جامعيون ومعلمون عرب تراجع أهمية اللغة العربية في المدارس، في ظل التركيز على اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم، مشيرين إلى أن الثقافة المجتمعية ونظام التعليم العالي أبرز الأسباب، فيما أكد طلاب مواطنون وعرب أن اللغة العربية لا تدعم مستقبلهم العلمي والعملي.

وعزا طلاب جامعيون وخريجون تراجع استخدامهم للغة العربية في حياتهم الشخصية إلى كثرة استخدامهم «الإنجليزية»، التي أصبحت لغة التفكير والتعبير لديهم، مشيرين إلى أنها أسهل في التواصل، وتعتبر اللغة المشتركة بين الجنسيات كافة حالياً.

وأظهرت نتائج استبيان نفذه مجلس أبوظبي للتعليم، حول رضا الطلبة عن حصة اللغة العربية لعام 2015، وشارك فيه أكثر من 52 ألف طالب وطالبة في الصفوف من الخامس حتى الثاني عشر (42% منهم من المواطنين، و32.2% من جنسيات عربية وشمال إفريقيا والشرق الأوسط) أن نسبة الرضا بلغت 9.3%، في المدارس الحكومية، فيما بلغت في المدارس الخاصة 4.4%.


شدد أكاديميون على أهمية تعزيز مكانة اللغة العربية في المجتمع والحفاظ عليها من التهميش، من خلال إطلاق مزيد من المبادرات التي تعزز استخدامها لدى شرائح المجتمع كافة، وفي مختلف جوانب الحياة.

مساق اللغة العربية الوظيفية

نفذت كليات التقنية العليا بفروعها، خطة لتنظيم تدريس اللغة العربية. وتشهد السنوات التأسيسية تأكيد إمكانات الطالب في المهارات الأساسية للغة والقواعد، فيما تطرح في سنوات التخصص مساقات «اللغة العربية الوظيفية»، التي تركز على الجانب العملي في التعامل مع اللغة، بعد تخرج الطالب والتحاقه بسوق العمل.

ويتم من خلال مساقات اللغة العربية الوظيفية تدريب الطالب على تنفيذ التقارير وكتابة الرسائل والأبحاث ومشروعات التخرج، وتقديم العروض وشرح مهام عمله باللغة العربية، لتأهيله للتعامل بحرفية، وبطريقة ترتبط بطبيعة تخصصه والمصطلحات التي يتعامل بها ومرادفاتها العربية.

وقال الأستاذ المشارك في المعهد البترولي، الدكتور جمال الحاج صالح، إن «اللغة العربية لا تستخدم في التدريس الجامعي نهائياً، لذا ينسى الطلبة ما درسوه عنها خلال مرحلة التعليم العام، وتالياً تتضاءل لديهم اللغة».

وأشار إلى أن «اعتماد الجامعات اللغة الإنجليزية لغة وحيدة للتعليم الجامعي يعد سياسة خاطئة تتعارض مع توجهات الدولة، وقراراتها الخاصة باعتماد اللغة العربية لغة التخاطب الرسمية»، لافتاً إلى «ضرورة إضافة مساقات دراسية إلزامية باللغة العربية في الجامعات كافة، وفي جميع التخصصات، العلمية أو الأدبية»، مضيفاً أن ذلك تسبب في تهميش لغة الضاد وأفقدها جزءاً من أسباب الحياة.

وأكدت الأستاذ المشارك في كلية آداب وعلوم الاستدامة بجامعة زايد، الدكتورة فاطمة العانوتي، تضاؤل حضور اللغة العربية، فهي لم تعد لغة العلم حالياً، ونسبة الأبحاث العلمية والاختراعات ومساقات التعلم وطرق التدريس كلها نابعة من دول تتحدث اللغة الإنجليزية، إضافة إلى أن نظام الاعتماد الأكاديمي الدولي، الذي تتبعه الجامعات المحلية، يفرض عليها أن تكون لغة الدراسة هي اللغة الإنجليزية، وبالتالي تتضاءل فرص اللغة العربية داخل الجامعات.

وقالت إن «تهميش اللغة العربية بدأ من المدارس وليس الجامعات، حيث تتجه معظم المدارس، لاسيما الخاصة، إلى التركيز على اللغة الإنجليزية».

وأشارت إلى أنهم في جامعة زايد يحاولون تدارك الوضع عن طريق «معمل اللغة العربية»، الذي يترجم مصطلحات يدرسها الطلبة ليعرفوا معناها باللغة العربية.

وعزت الأستاذة بكلية التقنية رئيس قسم الخدمات المساندة بفرع أبوظبي للطلاب، آمنة المنصوري «انتشار اللغة الإنجليزية إلى تخصصات علمية لا يمكن دراستها إلا بالإنجليزية»، مشيرة إلى أن «الوضع حالياً آخذ في التصحيح بعد تنبه العديد من الجهات لأهمية اللغة العربية وضرورة إجادة الطلبة للغتين بالكفاءة نفسها». محذرة من أن تغليب اللهجات المحلية خنجر يطعن اللغة العربية. وأكدت أن الوعي بأهمية اللغة العربية تزايد في الفترة الأخيرة، وأصبحت هناك محاربة لفكرة أن الحديث باللغة الإنجليزية أكثر رقياً وثقافة.

معلمون

وقال معلمون للغة العربية في مدارس حكومية، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، إن نموذج تطوير الحلقة الثالثة، الذي بدأ المجلس تطبيقه هذا العام، جعل عدد الحصص الدراسية للغة الانجليزية ثماني مقابل ست حصص للغة العربية.

وأشاروا إلى أن ما يدل على تراجع أهمية اللغة العربية توقف الملتقى السنوي لمعلميها، الذي عقده المجلس مرة واحدة منذ ثلاث سنوات، وكان المفترض عقده سنوياً.

ورأى المعلمون في مدارس خاصة: محمد تيسير، وأحمد خالد، ومحمد عبدالله، ونادية صالح، أن اللغة الإنجليزية أصبحت لغة الحديث الأولى بين الطلاب، مشيرين إلى أن المدارس لعبت دوراً في هذا الأمر من دون قصد من خلال زيادة النصاب الخاص بحصصها الأسبوعية.

طلبة مدارس

أكد الطلاب في المرحلة الثانوية: خالد عمران، ومروان سميح، وعبدالله آل علي، ونورة خميس، وميثاء حسن البلوشي، أن اللغة الإنجليزية من ضرورات التعليم، ولا يمكن أن يستكمل الطالب دراسته الجامعية من دونها، وهو ما يكرره المعلمون على مسامعهم، مشيرين إلى أن النظام التعليمي أيضاً يدعم هذه القناعة، خصوصاً أن الكتاب المدرسي لم يعد المصدر الوحيد للتعلم، وأصبح الحصول على معلومة من الإنترنت أو المواقع التعليمية التي تحددها لهم المدارس، يستلزم إتقان اللغة الإنجليزية.

أفاد الطلاب الجامعيون: محمد الحفيتي، وصالح سيف، وفهد الجابري، وعفراء سعيد، وأميرة التميمي، وحليمة البلوشي، بأنهم لم يدرسوا اللغة العربية منذ خروجهم من مدارس التعليم العام، وأن جميع البرامج الدراسية التي يدرسونها باللغة الإنجليزية، مشيرين إلى أن لغة الدراسة والحديث والتخاطب داخل أسوار الجامعة كلها باللغة الإنجليزية.

وشدد الطلاب على أن «الإنجليزية» أصبحت من متطلبات النجاح في الحياة، فالطالب الذي يتقنها مستقبله أفضل من الطالب الذي لا يتقنها.

وقال الخريجون المواطنون: محمد البلوشي، وأحمد ناصر، وخالد إسماعيل، وعبدالله الزعابي، إن سوق العمل لا تعترف باللغة العربية، وتفضل من يجيد «الإنجليزية»، إضافة إلى أن جميع الوظائف المطروحة على مواقع الهيئات والوزارات الحكومية مطروحة باللغة الإنجليزية، مؤكدين أن إجادة الإنجليزية أحد الشروط الرئيسة للحصول على وظيفة، فيما لا يعطي إتقان «العربية» أي ميزة إضافية في العمل للموظف.

«تربية الوطني»

اعتبرت رئيسة لجنة التعليم بالمجلس الوطني الاتحادي، ناعمة الشرهان، أن تراجع دور الرقابة على المدارس الخاصة، أحد أبرز أسباب تهميش اللغة العربية في المجتمع.

وقالت إن القيادة تنبهت لهذا الأمر، وهو ما ظهر في المبادرات المتعددة لدعم اللغة العربية، سواء على المستوى التعليمي أو المجتمعي، ومنها مبادرات القراءة المتعددة التي تشهدها الدولة من أجل إعادة الهيبة للغة العربية.

وأشارت الشرهان إلى أن سيطرة اللغة الإنجليزية على التعليم الجامعي انعكاس لضعف اللغة العربية في المدارس وعدم الاهتمام بها.

وقالت إن لجنة التربية والتعليم بالمجلس نظمت جلسة نقاشية خاصة باللغة العربية، أظهرت وجود ضعف كبير بها في العملية التعليمية.

وأكد مستشار وزير التربية والتعليم لشؤون التعليم العالي، سيف المزروعي، أن الوزارة لا تفرض مساقات بعينها على الجامعات، لكن أغلب الجامعات تضع مساقاً خاصاً باللغة العربية ضمن متطلبات الدراسة بها، مشيراً إلى أن الوزارة ألزمت الجامعات الحكومية والخاصة بتدريس مادة «الدراسات الإماراتية»، على أن تكون إلزامية لمتطلبات التخرج، وذلك في إطار تعزيز الثقافة والهوية الإماراتيتين، حيث تشمل المادة دراسات عن تاريخ الإمارات، وثقافة المجتمع وعاداته، وتضاريسها وجغرافيتها، وأنظمتها وقوانينها، وغيرها من الدراسات الخاصة بدولة الإمارات.

الإبداع في تدريس «العربية»

قالت أمين عام جائزة خليفة التربوية، أمل العفيفي، إن مجلس أمناء الجائزة خصص مجالاً كاملاً من مجالات الجائزة لدعم اللغة العربية، وهو مجال الإبداع في تدريسها.

وتابعت العفيفي أن هذا المجال يهدف إلى خلق كوادر متميزة في تدريسها، لافتة إلى أن الجائزة تضم ثلاث فئات، تتضمن: فئة المعلم المبدع في تدريس اللغة العربية في الدولة، والأستاذ الجامعي المبدع في تدريسها في الدولة، والأستاذ الجامعي المبدع في تدريسها في الوطن العربي.

ملامح تقدم «الإنجليزية» على لغة الضاد

■ تركيز المدارس الخاصة على اللغة الإنجليزية بصورة أكبر من «العربية»، وتراجع دور الرقابة عليها.

■ اتجاه وسائل الإعلام للمواد الإعلامية المستوردة وتغليب اللهجات المحلية على اللغة العربية.

■ اعتماد اللغة الإنجليزية في المحاضرات، وعليه تغدو لغة التعبير والتخاطب بين الطلاب داخل الجامعة.

■ نموذج تطوير الحلقة الثالثة، الذي بدأ مجلس أبوظبي للتعليم تطبيقه هذا العام، جعل عدد الحصص الدراسية لمادة اللغة الإنجليزية ثماني حصص مقابل ست حصص للغة العربية.

■ توقف الملتقي السنوي لمعلمي اللغة العربية، الذي عقده المجلس مرة واحدة منذ ثلاث سنوات، وكان من المفترض أن يعقد سنوياً.

■ لغة تخاطب أولياء الطلبة مع المعلمين هي «الإنجليزية»، واللغة الأولى في التواصل بين أفراد المجتمع بسبب التقنيات الحديثة المتضمنة وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج المحادثات على الهواتف والأجهزة الذكية.

■ تركيز طلبات التوظيف على إجادة اللغة الإنجليزية في الوظائف المطروحة، وللحصول على المميزات الإضافية في الوظيفة، وشرطاً للترقي.

مبادرات لإنعاش لغة الضاد

■ مبادرات متعددة لدعم اللغة العربية، سواء على المستوى التعليمي أو المجتمعي، ومنها مبادرات القراءة المتعددة التي تشهدها الدولة من أجل إعادة هيبة اللغة العربية.

■ إنشاء جامعة زايد «معمل اللغة العربية» الذي يتيح الفرصة لترجمة مصطلحات التعليم التي يدرسها الطلبة ليتعرفوا على معناها باللغة العربية.

■ نفذت كليات التقنية العليا بفروعها الـ17 على مستوى الدولة، خطة لتنظيم تدريس اللغة العربية التي أصبحت أساسية في كل المناهج الدراسية. كما يتم تدريس مساق إلزامي لجميع الطلبة في كل التخصصات، معنيّ بالدراسات الإماراتية العربية لتدعيم اللغة والثقافة العربية والهوية الإماراتية.

■ إلزام وزارة التربية والتعليم لشؤون التعليم العالي، الجامعات الحكومية والخاصة بتدريس مادة «الدراسات الإماراتية».

■ طرح مجلس أبوظبي للتعليم العديد من البرامج والمناهج الدراسية، التي تدعم تعليم اللغة العربية في مدارس الإمارة بمختلف مراحلها، ومنها مشروعات حقيبة «ألف باء الإمارات»، و«سكرابل» باللغة العربية.

دعم «العربية» في المدارس

أكد مجلس أبوظبي للتعليم طرح برامج ومناهج دراسية تدعم تعليم اللغة العربية في مدارس الإمارة بمختلف مراحلها.

وأفاد موقعه الإلكتروني بأنه يعمل على عقد ورش عمل تدريبية وتقديم برامج تطوير مهني مستمر للمعلمين، وتزويد المدارس بالمصادر والمراجع الداعمة لمعايير تعلم اللغة العربية، فضلاً عن تنويع مصادر التعلم، واستخدام أدوات التعليم الحديثة وتناولها بشكل جاذب ومتنوع للطلبة.

وأشار إلى طرحه مبادرات مثل: مشروعات حقيبة «ألف باء الإمارات»، و«سكرابل» باللغة العربية، ومادة الدارسات الاجتماعية المتكاملة، ومشروع «تمعن»، و«صحيفتي»، إضافة إلى برامج وأنشطة أخرى، منها إشراك أولياء الأمور في دعم العملية التعليمية، والبرامج التدريبية للمعلمين.

ولفت المجلس إلى إصدار دليل أولياء الأمور إلى تعلم اللغة العربية، لتفعيل دورهم في مساعدة أبنائهم على تعلم اللغة العربية.

ويعتبر الدليل كتاباً إرشادياً يوضح الخطة التي يسير عليها المجلس لتدريس اللغة العربية، وهو يركز على مهارات الاستماع والقراءة والتواصل.

تويتر