نقطة حبر

تحصين العقول

الدكتورة سميرة النعيمي - مديرة إدارة شؤون الطلبة في كلية التطوير التربوي

لم أستطع الخروج بسهولة من حالة الذهول عندما قرأت خبراً عن ابنيْ العم اللذين قتلا ابن عمّهما ظلماً وعدواناً بدمٍ بارد، وتبادرت إلى ذهني العديد من الأسئلة التي لم يجد عقلي لها جواباً.. فكيف لإنسان نشأ في بيئة عربية تتميز بالنُبل ومكارم الأخلاق، ولها دين يدعو للرحمة ليس فقط الرحمة بالبشر، بل حتى الرحمة بالحيوان والنبات، ويدعو لصلة الأرحام والأقارب بكل ما هو طيب من الأعمال، أن يتحول من شخصية تحمل كل هذه المبادئ والأعراف إلى «مسخ» مخيف لا مكان للرحمة في قلبه بحيث لا يسمع ولا يعقل ولا يُبصر؟ ما الذي حوله إلى هذه الصورة؟ وما هي وسائل الإقناع وما محتوى المواد التي عُرضت عليه؟ وأين تكمن قوة التأثير في هذه الوسائل والمحتويات؟ وكيف تم إيصالها إليه؟ وكيف كانت البداية؟ ومدة التحول إلى مسخ مبرمج مطواع يُتحكم به عن بعد؟

 الكثير من الأسئلة لابد من إيجاد إجابات عليها ومن ثم لابد من مواجهة هذه الأفكار بأساليب علمية وقانونية وبمتابعة مستمرة، فالحملات «التمسيخية» للأجيال كثيرة ومتنوعة ومستمرة، وتُقاد من قبل دهاة من أصحاب الأفكار الهدّامة ودعاة المناهج المنحرفة، وتُستخدم فيها أحدث وسائل الاتصال والتواصل والألعاب والبرامج الترفيهية والمحاضرات ومناهج الدورات المشبوهة.

 صحيح أن للأسرة الدور الأساسي في غرس المبادئ والتهذيب والتربية، لكن مع تغير ظروف المعيشة نجد أيضاً أن للمعلمين دوراً في التوجيه وغرس المبادئ وبذر الخير في أبنائنا منذ مراحل الدراسة الأولى، والتي تُعتبر المرحلة الأساسية، وسنجد أيضاً أن للمعلم الدور الأكبر في تحصين عقولهم واعتقاداتهم من أي فكر دخيل. وأن المعلمين هم الأقدر على اكتشاف الحالات التي بدأت في الانحراف أو التي انجرّت وراء هذه التيارات، ومن ثم العمل على إسعافها في الوقت المناسب وتقويمها وعلاجها بالتعاون مع الجهات المختصة بهذا الشأن.

ولابد من تنظيم الجهود وإعداد الدراسات والبحوث لوضع الإجراءات التشخيصية والوقائية والعلاجية، فأجيالنا أمانة، وللأهمية لابد من التنسيق الكامل وتعريف العاملين بالميدان التربوي، خصوصاً المعلمين، بالإجراءات المناسبة في حال اكتشاف أي بوادر لظهور حالة من تلك الحالات بين أبنائنا، وتحديد الجهات المختصة بكل حالة وتحديد وسائل للتواصل والتنسيق لرعاية هذا النشء وحمايته حتى يلتحق بركب من سبقوه إلى ميادين العطاء وبناء المجتمع.

 salnuaimi@ecae.ac.ae

تويتر