«الخدمات الاجتماعية» بالشارقة تحتفي بهم في أجواء تراثية بخورفكان

مسنّون في رحلة إلى «الزمن الجـميل»

برنامج الرحلة اشتمل على جلسات سمر وفعاليات ترفيهية عدة. تصوير: تشاندرا بالان

وسط أجواء تراثية، وقصائد تستدعي ذكريات من الزمن الجميل، وفي جو من الألفة والحميمية، التف فيه أطفال بأزياء تقليدية حول أجدادهم للمرح والتقاط الصور، انطلقت أول من أمس احتفالية دائرة الخدمات الاجتماعية بالشارقة بـ«يوم المسن العالمي»، إذ نظمت الدائرة رحلة ضمت مجموعة من المسنين الذين ينتمون إلى دار الرعاية التابعة للدائرة، إلى مدينة خورفكان بدعوة من مديرة مركز التنمية الاجتماعية، فاطمة المغني، التي استضافت في منزلها الخاص، نزلاء من دار رعاية المسنين بخورفكان، وعدداً من ممثلي وزارة الشؤون الاجتماعية، والتعليم، وجمعية الصيادين بخورفكان، وجمعية الفنون الشعبية، إضافة إلى بعض أهالي المسنين الحاضرين، وأطفال من مدينة خورفكان.

ورغم طول المسافة التي قضاها المسنون داخل حافلة كبيرة تابعة لمواصلات الشارقة في طريقهم إلى خورفكان، إلا أنهم بدت عليهم السعادة بتغيير الوجوه والأماكن والعودة، ولو للحظات، إلى التجمعات الرجالية والنسائية التي تشعرهم بأنهم فاعلون، وليسوا مجرد متفرجين، مثلما كان واضحاً على وجوه الجميع قبل التحرك من مقر دار الرعاية الذي يكتظ بالممرضات والجليسات اللاتي يتحركن بصورة آلية، وفي صمت تام.

بدأ الحفل بجلسة بسيطة، وسط أجواء تقليدية تراثية، حيث النساء اللاتي يصنعن حلوى طازجة تم توزيعها على الحضور، وأخريات منهمكات في صنع أعمال يدوية، بينما يعلو صوت امرأة بزيها التقليدي وهي تردد أغنيات تراثية خاصة بتدليل الأطفال الصغار والأحفاد الذين غالباً ما يشغلون جزءاً مهماً من نفسية المسنين.

تجارب كبار

تقول (أم صالح)، إحدى المسنات في الرحلة: «لا أستطيع حضور كل المناسبات والحفلات التي تقيمها دار الرعاية نظراً لصعوبة انتقالي بالكرسي المتحرك، لكنني كنت في حاجة إلى رؤية الناس والتسلي معهم لأنني أشعر بوحدة شديدة»، مشيرة إلى أنها من المنتفعين بخدمات دار الرعاية ولكن بالانتساب من الخارج، لأنها تفضل العيش في بيتها الخاص مع ابنها وحفيدها الصغير الذي تحمل صورته على هاتفها النقال، وتتطلع فيها من وقت الى آخر.

وتضيف (أم صالح) لـ«الإمارات اليوم» «لدي خمسة أبناء يعيش كل منهم في منزل مستقل، وقد اخترت العيش بجوار أحدهم لكي آنس بحفيدي الذي أراه غالباً دونما والديه»، لافتة إلى انشغال زوجة الابن بصالون التجميل الذي تملكه، واعتمادها على الخادمة في كل شيء، إضافة إلى الكرسي المتحرك الذي أصبح من أساسيات حياتها في السنوات الأخيرة.

أما بثينة، وهي من جنسية عربية تزوجت منذ 40 عاماً، وأنجبت خمسة أبناء، لكن زوجها هجرها ليقترن بأخرى، وأصبحت تدريجياً بلا عائل، فتقول: «شعرت بأنني وحدي في هذه الحياة، وترسخ هذا الشعور بعد انشغال أولادي في حياتهم، إلا أن ظروفي المعيشية تحسنت كثيراً بفضل المساعدات التي توفرها لي وزارة الشؤون الاجتماعية ودائرة الخدمات، خصوصاً ما يتعلق بالرعاية الصحية التي أحتاج إليها بصفة دائمة، ولم أكن أعرف كيفية الحصول عليها»، مشيرة إلى أن الدائرة هي التي دقت بابها، وعرضت عليها المساعدة، مثلما تتم دعوتها لحضور فعاليات، والخروج في رحلات ترفيهية تحرص على حضورها. وتضيف (بثينة): «كثيراً ما أذهب معهم في رحلات أقضي فيها وقتاً مسلياً مع سيدات في مثل سنّي، كما أحب مشاهدة الأماكن الجديدة التي يأخذوننا إليها في دبي».

المسن محمد صالح المعيني، من دون أن يتحدث كثيراً، بل بمجرد إيماءة هادئة، أكد أن الشباب يذهب بلا عودة، في حين تبقى الوحدة ثقيلة لا يمكن تفاديها إلا بالانخراط في أنشطة مسلية ومجتمعات مناسبة، تضم أصدقاء وجيران العمر والظروف نفسها. ويقول المعيني: «كنت أعمل في وزارة الصحة، أتحرك كثيراً وأذهب الى كل مكان، أما الآن فليس لي إلا دار رعاية المسنين أنضم إليها من وقت الى آخر بحثاً عن التسلية والألفة»، مشيراً إلى انشغال بناته الثلاث بحياتهن، وحاجته إلى مساعدة طبية واجتماعية منتظمة.

خبرات

إلى ذكريات الشباب ذهب رئيس جمعية الصيادين بخورفكان، سليمان الكابوري، قائلاً: إنه تم تكوين فريق من الجمعية للتواصل مع كبار السن من الصيادين وكل من كانت تربطه علاقة بالبحر، إذ يذهب الفريق لزيارتهم من وقت الى آخر، لتقديم الهدايا أو المساعدة، وكذلك الاطلاع على خبراتهم من خلال قصص الصيد والبحر.

يقول الكابوري: «نستغل المناسبات والزيارات لكي ننصت جميعاً، خصوصاً شباب الصيادين، إلى حكايات كبار الصيادين بكل ما تحمل من مغامرات عن البحر والأسفار».

ومن المؤسسات التعليمية تحدثت مديرة مدرسة أم عمارة الثانوية للبنات بخورفكان، هيام عامر، عن ضرورة غرس قيم الاهتمام بالمسنين في الطلاب، من خلال التوعية المباشرة والزيارات وتنظيم الأنشطة بالتعاون مع الدوائر الخدمية والاجتماعية، وهو ما أكدت أهميته فاطمة المغني، قائلة: «لن تكون هناك رعاية حقيقية للمسنين دونما تعاون كل المؤسسات في محاولة دمجهم في المجتمع وتقدير دورهم وخبراتهم الطويلة في الحياة»، مشيرة إلى خطورة الانزلاق في مجرد احتفالات استعراضية دونما تذكّر دائم لفضل هؤلاء الكبار، وحتمية مرور الجميع بهذه المرحلة العمرية التي سيحتاج فيها إلى من يرعاه.

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/297068.jpg

مسؤولية جماعية

تخللت زيارة المسنين إلى خورفكان جولة بالمتحف الخاص الذي تقيمه فاطمة المغني داخل منزلها، ويضم مقتنيات متعددة ورثتها عن والدها، وكذلك مقتنياتها الخاصة من هدايا قيمة وقطع أثرية تنتمي إلى البيئة الإماراتية، وتبعت ذلك جلسة سمر ومناقشات بدأت بقصائد شعرية ألقاها هواة الشعر من المسنين، ثم تولت صاحبة المنزل ومديرة مركز التنمية الاجتماعية بخورفكان، إدارة النقاش حول أهمية التنسيق بين الجهات المعنية وتحمّل الجميع مسؤولية رعاية كبار السن وإدماجهم في المجتمع بدلاً من تركهم في عزلة وإلقاء المسؤولية على مؤسسة دون أخرى.

من جانبه، تحدث مدير دائرة الخدمات بخورفكان، يوسف يعقوب، عن أهمية دور الأهل في رعاية المسن، وكذلك مساعدة المؤسسات المعنية في تقديم ما تستطيعه من خدمات يستفيد منها المسنون، مشيراً إلى أن «الأمر لا يتوقف عند المساعدات المالية أو الترفيهية، بل لكي تكتمل الرعاية يجب الانتباه إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية التي ينبغي أن يتكاتف كل من الأسر والهيئات لتوفيرها».

واتفق مع يعقوب، مدير مكتب صحيفة «الاتحاد» بالفجيرة الإعلامي عبدالله الحريثي، مؤكداً أن رعاية المسنين من صميم المبادئ الإسلامية والتراثية، كما كفلها دستور دولة الإمارات، إذ أوردها في بند خاص للتركيز على أهمية الرعاية التي يستحقها كبار السن. وانتقد الحريثي بعض وسائل الإعلام والأعمال الدرامية التي شوهت صورة المسن وقدمته باعتباره شخصية شريرة وغير مرغوب فيها، مشيراً في ذلك إلى الدراما الخليجية على وجه الخصوص. واقترح الشاعر الإماراتي، علي الشوين ألا تقتصر الرعاية على المسنين المقيمين في دور الخدمات الاجتماعية «بل من الأفضل أن يتم تسكينهم في وحدات سكنية عادية في قلب المدن، وليس في مناطق معزولة، على أن يعين جليس لكل مسن في منزله تتكفل وزارة الشؤون الاجتماعية بدفع راتبه من المبلغ المخصص أصلاً للمسن».

تويتر