«ليلة العمر» كلَّفت أحدهم 7 ملايين درهم.. والأعراس الجماعية حل أساسي للمشكلة

الأعراس الإماراتيـة.. فرحــة باهظة الثمن

صورة

كثُر الحديث في الفترة الأخيرة عن طفرة واضحة، و(فاقعة)، من البهرجة والمبالغات في الأعراس الإماراتية، جعلت الكثير منها محل استهجان، لفرط البذخ، والإنفاق المفرط وغير المعقول، فما معنى أن تتكلَّف ليلة عرس سبعة ملايين درهم، مهما كان الله قد أنعم على صاحبه من رزق، أو أن يدفع عريس 300 ألف درهم على «كوشة» العرس وحدها، ويشترط على من صممها تحطيمها بعد العرس، كي لا يقلدها أو يستعملها أحد غيره.

هنا تقف مؤسسة الزواج، المزمع تأسيسها، حائرة أمام «المسؤولية»، وموازين «الأولويات»، و«الكماليات» الخاصة بحفلات الأعراس.

وتقع في طقوس من الشكليات وأنماط من التقليد التي ترهق كاهل الأشخاص وتستنزف الجيوب، وتضع حتى غير القادرين في سباق اجتماعي مع القادرين، تضطرهم إلى اللجوء لقروض بنكية طويلة الأمد، هدفها فقط مجاراة الأقارب والجيران، وألا يصير العريس وأهله موقع نقد المدعوين، أو الأصدقاء.

هاجس التقليد

«(الكوشة) في الأعراس الإماراتية لا تخضع لميزانيات محدودة، فلا تقل أرخص (كوشة) اليوم عن 20 ألف درهم».

تجربة نجاح

منذ انطلاق حفلات الأعراس الجماعية، منذ قرابة الخمس سنوات، تمكنت اللجنة الخاصة بالأعراس الجماعية في جمارك دبي من تزويج قرابة 300 شخص، وامتدت تجربة النجاح في2011 لتشمل انضمام موظفي وموظفات بعض المؤسسات الأخرى، مثل الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب، فيما شهدت المبادرة في السنتين الماضيتين انضمام أربع مؤسسات إضافية، منها موانئ دبي العالمية، وسلطة المناطق الحرة، ومؤسسة تراخيص، ما يغطي قرابة الـ700 شخص تابعين لهذه الإدارات، وهذا دليل على نجاح فكرة تبني ورعاية أبناء المؤسسات».

الأعراس الجماعية

في ظل كل هذه الأرقام المتباينة والباهظة، التي تجعل الإقدام على الزواج مخاطرة مالية غير محسوبة، راحت مجموعة من الشباب المتسلح بالعقل الواعي «بمتطلبات المرحلة»، لطرح تجارب «الأعراس الجماعية» في الإمارات، التي وصفها خليل صقر، رئيس لجنتها، قائلاً: «العرس الجماعي يمكن أن يكون حلاً ناجعاً وأساسياً في تغيير عدد من المفاهيم الخاطئة حول الزواج، فإن شجعنا ثقافة هذه الأعراس واعتبرناها الأساس مقارنة بمقابلتها، فسنكون قادرين على استنباط حلول تنقذنا من الهدر المتصل بالبذخ والرفاهية الزائدة، لأنها قادرة في النهاية على تحقيق نتائج متساوية لمجموعة كبيرة من المستفيدين، وتجنبنا المصاريف، خصوصاً أنها مدعومة اليوم من قيادات الدولة الحريصة على حضورها، وهذا لوحده كفيل بإسعاد العروسين، وإضفاء القيمة على هذه المناسبة المهمة، إضافة إلى الدعمين المالي والمعنوي المقدم للشريكين، والتغطية الإعلامية الرسمية للحفل». وأضاف: «دورنا دعم الموظفين والموظفات المقبلين على الزواج، والتكفل بجميع مصاريف الحفل ومتطلباته، وتوفير بعض الكماليات الأخرى المتعلقة بلباس العريس وبقية التفاصيل، كما يتم تقديم مكافأة تشجيعية لتخفيف جزء من الأعباء المالية».

وعن بعض التحفظات التي يمكن أن تقابل بها هذه الأعراس لاحظ صقر: «لم نسجل أي تحفظ إلى الآن، بل بالعكس يزداد عدد الإقبال على خدماتنا عاماً بعد عام، وقد سجلنا قرابة الـ140 زواجاً في 2015، ونتوقع أن تزداد أعدادها العام الجاري»، ولفت صقر: «تعد دورات التأهيل النفسي والاجتماعي للمقبلين على الزواج، من أهم الجوانب الضرورية التي نوفرها للشركاء، ونشترك فيها مع جمعية النهضة النسائية، وهي دورات أثبتت نجاعتها على صعيد الواقع، حيث تمكنت من إنقاذ شريكين على وشك الانفصال».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/11/556578.jpg

سامر قطاط، الذي يعمل منذ 18 سنة في سوق تنظيم الأعراس الإماراتية، استعرض شيئاً من تجربته معها، وقال: «أظن أننا قادرون اليوم أن نستوعب العلاقة بين الكلفة الخيالية للأفراح الإماراتية، وعزوف كثير من الشبان عن الزواج، وذلك بسبب الطلبات المجحفة والالتزامات المالية المفروضة من قبل العروس وعائلتها، وعامة ما تعتمد هذه (المطالبات) إما على (الغيرة) من تجارب الأعراس الخيالية لبعض الصديقات والأقرباء، أو على التقليد غير الواعي لأعراس الغير، وهذا ليس مرتبطاً كما يعلم الكل فقط بتكاليف حفل الزواج، بل بالأرقام المتصلة بالمهر والسكن والفرش، وبعض التفاصيل التي تتخطى أحياناً حدود المقبول والمتوقع، وسقف المساعدات التي يقدمها الديوان الحكومي للمقبلين على الزواج، وذلك بسبب الأرقام غير المعقولة التي يقدمها هؤلاء الشباب للحصول على الدعم المالي، ونوفرها نحن عند الطلب»، ويتابع: «هذا إلى جانب (الكوشة) التي تختارها العروس وتجبر عليها العريس، التي قد تبدأ أحياناً من 150 ألفاً لتبلغ حدود الـ300 ألف درهم، أما كلفة بعض الأعراس فيمكن أن تراوح بين 900 ومليون درهم، وهذا ليس أمراً يومياً بقدر ما هو وارد جداً في الإمارات».

وعن بعض المبالغات الغريبة التي تعرّض إليها سامر يقول: «أتذكر أنني أشرفت على عرس إماراتي كلَّف صاحبه سبعة ملايين درهم، كما قامت شركتنا بتحضير (كوشة) بـ135 ألفاً اشترط صاحبها أن يتم تحطيمها بعد انتهاء الحفل، للتأكد من عدم تقليدها، ولكن كل مظاهر البذخ التي قابلتها خلال تجربتي الطويلة في الميدان تصب غالباً في بوتقة الرغبات المبالغة للعروس، التي يضطر العريس إلى تنفيذها، ما يقلب موازين الأشياء لديه ويجعل الـ50 ألفاً التي خصصها ليدخل القفص الذهبي تصير بقدرة قادر 200 ألف، ما يضع كلينا (الشركة والعريس) في وضع محرج، وبين التوفير والربح نحاول تخفيف العبء وتقليص التكاليف، من خلال ما تطرحه شركتنا من تسهيلات، باعتبارها مصدراً مزوّداً لجميع مستلزمات تصنيع الديكورات والكوش وكل تفاصيل الحفل».

يختم سامر حديثه قائلاً: «للأسف المرأة هي في أكثر الأحيان من يسهم في معظم هذه المبالغات، لكن هذا لا ينسحب دوماً على كل النساء، فهناك الكثيرات ممن يسعين إلى تقليص العبء على الزوج، وضمان خدمة جيدة بميزانية معقولة، ويتكلمن بإحساس عميق بالمسؤولية، على عكس من يجبرن أزواجهن على تغطية تكاليف البهرجة والتفاخر، عبر بيع سياراتهم أو إجبارهم على الاقتراض من البنوك لإرضاء رغباتهن في التميز».

الأرخص خليجياً

على عكس سامر، تطرح خبرة حسام الخطيب (أبو باسل)، متعهد الأفراح الإماراتية، تجربة مغايرة يدافع فيها صاحبها عن الأفراح الإماراتية التي تركز بشكل خاص على (الكوشة) وحفل العرس، التي رآها متناسبة مع الخيارات «مراعية للجيوب»، عبر «حرصها على القدرات المالية للزوج، وهذا شيء طبيعي برأيي، فليلة العمر طالما كانت حلماً تتمنى معظم البنات تحقيقه»، وتابع: «هناك بعض الأعراس التي تخصص ميزانيات مفتوحة ومبالغ هائلة قد تصل إلى 480 ألف درهم، وأخرى لا تزيد كلفتها على 50 ألفاً مع (كوشة) بـ10 آلاف درهم فحسب، لذا لا يصح هنا التعميم، فالكل باحث عن التميز، ولكن الميزانية هي التي تقرر في النهاية ما يمكن للزوجين اعتماده في ليلة العمر».

«ليس هناك في الأعراس مقاييس محددة مرتبطة بالمرأة أو الرجل، ولم أر إلى اليوم إلا اتفاقات ضمنية بين كلا الطرفين بشكل اعتبره موافقاً بين أحلام المرأة وتوقعات الزوج، أما بقية المبالغات فهي لا تمثل إلا 10% من مجموع الزبائن، خصوصاً أن الأهل في الإمارات متفهمون لوضع العريس، ويحاولون إقناع الطرفين بالحلول المناسبة، من خلال ما يطرحونه من مساعدات لأبنائهم، وعموماً نحن حريصون دوماً على تقديم عروض تتناسب مع جميع الميزانيات، وتضمن رضا عملائنا، كما أننا قادرون اليوم بعد تجربة العديد من الأفراح الخليجية أن نجزم بأن الأفراح الإماراتية هي الأقل كلفة، مقارنة ببقية بلدان الخليج».

إملاءات الأهل

لا تخفي رانيا عنكليس، المتخصصة في تنظيم الأفراح والمناسبات، تفاؤلها بظهور جيل جديد من الشباب الواعي بالتحديات المالية المتصلة بتكاليف (الكوشة) والزواج قائلة: «رغم تعاملي طوال هذه المدة مع الأعراس الأجنبية، إلا أنني تلقيت في أحد معارض العروس، كثيراً من الطلبات من فتيات إماراتيات مهتمات بخدماتنا، والصراحة تركزت جل الاستفسارات على الأسعار التي يمكن أن تناسب ميزانيات العرسان».

لكن رانيا سرعان ما تستدرك أن (كوشة) العروس أصبحت اليوم «مشروعاً هندسياً وفنياً حقيقياً، يتطلب جهداً تقنياً، ووسائل تنفيذية تستفيد من ثورة التقنيات الجديدة، التي تكرّسها معظم الشركات المتخصصة، وهذا ما يوقع الكثير من العرسان في مطب الكلفة الباهظة وغير المنطقية أحياناً».

وأضافت: «(الكوشة) مثلاً في الأعراس الإماراتية لا تخضع لميزانيات محدودة، فلا تقل أرخص كوشة اليوم عن 20 ألف درهم، على اعتبار ما تتطلبه من خشب وتصاميم وابتكارات هندسية وأبعاد ثلاثية وكميات هائلة من الورود، هذا دون ذكر متطلبات إكساء الأرضيات وتغليف الجدران والثريات والطاولات ومستلزمات الأكل والشرب»، وتابعت: «لا يعي كثيرون بمتطلبات (الكوشة) وأسعارها وحتى مختلف تكاليفها، كما أن تردد العروس أحياناً يزيد من تعقيد الأمور، في ظل تشتتها بين خياراتها الشخصية وخيارات أختها وإملاءات أمها وأحياناً حماتها، ومختلف التدخلات العائلية الأخرى، ما يربك المتعهد ويفقد العروسان قدرتهما على اتخاذ قرارات حاسمة تراعي المصلحة والميزانية».

تويتر