شهد تعاقب 4 أجيال من عائلة «آل نهيان»

«قصر المويجعي» شاهد على تاريخ من الفخر

قصر المويجعي تحوّل إلى متحف بمعايير عالمية رفيعة. من المصدر

تتفرد منطقة ومدينة «العين» بتاريخ ضارب في القدم؛ فبفضل موقعها الاستراتيجي بين الخليج العربي وبحر العرب، كانت محطّة مهمة على طول الطرق التجارية القديمة التي امتدت حتى الصين. وعُرفت المنطقة على مر العصور كواحات مزدهرة تجذب إليها الرحالة والتجار والمسافرين للاستراحة؛ وهو ما أكدته التنقيبات والمكتشفات الأثرية التي تم اكتشافها، ودلت على أن العين منطقة آهلة بالحياة منذ أكثر من 5000 سنة.

تنقيب وترميم

بدأت عملية ترميم أسوار قصر المويجعي ومبانيه منذ أواخر السبعينات من القرن العشرين والسنوات التي تلتها، وبحلول عام ٢٠٠٠ أصبح الفناء الداخلي للقصر يشكل جزءاً من مزرعة للنخيل أقيمت حوله. وفي 2009 بدأت الحفريات وأعمال الترميم المرتبطة بإنشاء هذا المبنى. وكشفت عمليات التنقيب وإعادة التأهيل التي شهدها قصر المويجعي، ظهور أدلة جديدة تروي تاريخ القصر، وتعيد إحياء مجده وذاكرته السابقة.

قطع نقدية

عثر في مواقع التنقيب بالمويجعي على ثلاث قطع، الأولى عبارة عن قطعة نقدية نحاسية يعود تاريخها إلى الفترة ما بين مطلع القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر، والثانية قطعة نقدية بريطانية هندية يعود تاريخها إلى سنة 1946، أما الثالثة فهي قطعة نقدية عمانية يعود تاريخها إلى سنة 1897. وتروي هذه القطع النقدية، وهي من مقتنيات هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، قصة تاريخ المويجعي من المستوطنات الأولى في القرن السادس عشر إلى فترة إقامة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في قصر المويجعي في منتصف القرن العشرين.

وتزخر منطقة العين بالعديد من المواقع والمباني التاريخية والأثرية التي تحكي فصولاً من تاريخ الإمارات والمنطقة، من أبرزها «قصر المويجعي» الذي يعد من أهم المواقع الأثرية في المنطقة، حيث شهد القصر تعاقب أربعة أجيال من عائلة آل نهيان. وبين أروقته نهل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان أصالة التراث المجيد، مكتسباً مهارات القيادة والدبلوماسية لبناء مستقبل الرفاهية والتقدم لشعبه، ليظل القصر رمزاً يبرز بجلاء العلاقة التي تربط آل نهيان بمدينة العين وواحاتها وتاريخها العريق.

وتعد المويجعي الواحة الأصغر في العين، وتقع في أقصى الجهة الغربية من الواحات على الطريق المؤدي إلى أبوظبي. وتشير عمليات البحث الأثري إلى أن الموقع كان آهلاً بالسكان قبل بناء القصر، ومن المرجح أن تاريخ بداية الاستقرار البشري في المويجعي، تعود إلى الفترة الممتدة ما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر للميلاد، حيث تم اكتشاف قطعة نقدية نحاسية عُثر عليها أثناء عمليات التنقيب الأثري تعود إلى تلك الفترة. كما عُثر أثناء التنقيب في المويجعي على قطعة نقدية يعود تاريخها إلى عام ١٨٩٧، ما يعني أن القصر بني بعد تاريخ السك المنقوش على القطعة النقدية.

وتشير الدراسات إلى أن تشييد قصر المويجعي كان على يد الشيخ خليفة، النجل الأكبر للشيخ زايد بن خليفة (زايد الأول)، الذي كان قائداً متميزاً برؤيته الثاقبة وإرادته الفذة، وعمل على توحيد القبائل في العين، وأشرف خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر على إنشاء الأفلاج وتشييد القلاع والحصون. وهو النهج ذاته الذي سار عليه أبناؤه من بعده، فواصلوا العمل الذي بدأه، وباتت القلاع والحصون رمزاً يجسد المنزلة الرفيعة لأسرة آل نهيان في البناء والتأسيس. كذلك اهتم الشيخ خليفة بن زايد الأول، بالبناء والتطوير في العين، إلى جانب دوره السياسي والقيادي في ترسيخ هيبة الإمارة، حيث كان قائداً مهيب الجانب، وكانت مزارع النخيل في العين جزءاً من جهوده المثمرة في البناء الاقتصادي وتطوير المجتمع، وجاء من بعده ابنه الشيخ محمد بن خليفة الذي سار على نهج أبيه في العلاقات الاجتماعية وكرم الضيافة، فاتخذ من قصر المويجعي مجلساً يلتقي فيه أهل المنطقة.

وفي منتصف القرن العشرين؛ وتحديداً في عام ١٩٤٦، أصبح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية. وفي تلك الفترة نفسها تزوج الشيخ زايد من الشيخة حصة، كريمة الشيخ محمد بن خليفة، وبات قصر المويجعي مقر ديوانه ومحل إقامة عائلته، وعقب ذلك بسنتين، شهد القصر ولادة نجله البكر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. وخلال فترة توليه منصب ممثل الحاكم في مدينة العين، قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بإدخال العديد من الإضافات إلى القصر. وتماشياً مع الأهمية السياسية المتنامية للقصر، تم إنشاء الديوان، حيث تعقد المجالس واللقاءات العامة. ومن الإضافات والتحسينات الأخرى التي شهدها القصر؛ بناء المسجد، المطابخ، وتوسعة الغرف والمساحات المخصصة لسكن العائلة.

أما في الوقت الحالي؛ فقد تحول قصر المويجعي إلى متحف بمعايير عالمية رفيعة، يسرد لحظات فارقة في مسيرة دولة الإمارات، من خلال «المعرض الدائم» الذي يضم مجموعة صور فوتوغرافية نادرة، تؤرخ نشأة وحياة وسمات القيادة الرشيدة التي يتمتع بها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، ولحظة تقلُّده آنذاك منصب ولي عهد أبوظبي، والكثير من إنجازاته الوطنية المهمة، وكذلك التسلسل الزمني لأسرة آل نهيان، والعلاقة الوثيقة للجيل الأول منها بقلعة قصر المويجعي، وتعاقُب آل نهيان على الحكم. كما تسرد مقتنيات المتحف حكاية قصر المويجعي في مدينة العين، بدءاً من أول آثار للحياة في واحة المويجعي وحتى اليوم، ما يسلّط الضوء على محورين رئيسين، هما القيادة والقيم الإماراتية التقليدية التي حافظ عليها المجتمع المحلي وقادته على مر العصور، واعتمدوا عليها في وضع الدعامات الأولى لما آلت إليه البلاد من حضارة وقوة اقتصادية.

وقبل افتتاحه كمتحف في نوفمبر 2015، شهد القصر برنامجاً شاملاً لترميمه وإعادة تأهيله، بدأ في أواخر سبعينات القرن الـ20، ثم توسَّع نطاق البرنامج في عام 2009 ليشمل الحفريات الأثرية وأعمال صَوْن معالمه الرامية إلى إظهار حالته الأصلية، وإبراز سماته الأثرية. وحرص فريق العمل على برنامج الترميم على استخدام أساليب ومواد تقليدية لتجديد هيكل القصر، مع ترك أكبر قدر ممكن من أجزاء القصر في مكانها. وبجانب عمليات الترميم؛ قام علماء الآثار بعمليات تنقيب مكثفة في المويجعي، فاكتشفوا آثاراً لأنشطة زراعية في الواحات منذ القرن الثامن عشر، واكتشفوا أدلة على المراحل المختلفة لبناء القلعة.

تويتر