صاحبة «ملح البحر» ومايسترو «دردشات» على «أبوظبي الإمارات»

نينا بوجكجيان: أحلم بتأسيس تخت شرقي نسائي

صورة

حكايتها مع العود بوح شرقي يعانق سماوات الكلمة، واستراحة قصيرة من طريق العمر الطويلة بانتصاراتها وعثراتها. بمحطات فرحها وأحزانها وبكل قصائد الحب الغافية تحت ظلال الشجن العربي، هو الشغف ذاته الذي يعيدها كل مرة إلى حدائق وَجْد جديدة لتقطف زهرة حنين جديدة، وهو الشغف ذاته الذي أودعها إلى الشرق الذي لم يفارقها ودفعها، بعد نشأتها ودراستها في السويد، إلى عودة لطالما ارتقبتها، حيث اختارت نينا بوجكجيان، الفتاة الشرقية ذات الأصول اللبنانية، دراسة آلة العود في معهد الموسيقى العربية في القاهرة، لتبدأ من هناك رحلتها مع هذه الآلة التي علمتها الصبر والحنين والتوق إلى التفرد، فانطلقت مع صوتها الشجي المسكون بمقامات العشق تبحث عن الأصالة وترسم طريق طموحاتها وأحلامها التي حطت بها الرحال في دبي، المدينة التي قدمت لها الكثير.

بعيداً عن الموجات «الهابطة»

التفاؤل هو العنوان الأبرز في الحديث إلى المغنية اللبنانية، نينا بوجكجيان، التي تؤكد أن الموسيقى اليوم سائرة في الاتجاه الصحيح بعد «الموجات الهابطة والتجارية التي سيطرت على مسارتها في الفترة الماضية، كما أن ثورة التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة سمحتا للعديد من المواهب بالظهور على الساحة الفنية»، وتضيف: «أصبح بإمكان أي فنان أن يقدم موهبته للجمهور من خلال مجموعة البرامج والتطبيقات الحديثة التي توفرها التكنولوجيا الحديثة، التي مكنت اليوم عدداً من الفنانين الجدد من تسجيل إبداعاتهم ونشرها بأبسط الطرق وأقلها كلفة، وهذا بحد ذاته أمر إيجابي يدعو إلى التفاؤل في جميع الأحوال».


دردشات

تصف نينا تجربتها الجديدة كمايسترو للفرقة الموسيقية في برنامج «دردشات» الذي يبث مساء كل خميس على قناة أبوظبي الإمارات، الساعة العاشرة مساء قائلة: «أعجبتني فكرة المشاركة وقيادة الفرقة الموسيقية في برنامج مختلف يتميز بطابعه العفوي المرح، ومزجه بين الإعلامين الرقمي والتلفزيوني، واستضافته رواد مواقع التواصل الاجتماعي ونجوم الكوميديا الارتجالية في منطقة الخليج العربي، وتقديمهم بطريقة فريدة تتسم بالحس الفكاهي وتمزج بين الروح المرحة وإيقاع الموسيقى الشرقية».


تخت نسائي شرقي

تحلم نينا بتأسيس تخت شرقي نسائي رغم أن تشكيلها فرقة موسيقية في دبي تتضمن عازفات عود وإيقاع وتشيلو وناي منحدرات من مختلف الجنسيات، إضافة إلى الوقت الذي تقضيه نينا في مشاغلها الكثيرة في دبي وأسفارها المتتالية للمشاركة في المهرجانات والفعاليات الموسيقية، التي جعلتها بعيدة بعض الشيء عن تحقيق هذا الحلم، الذي ظل معلقاً ويراودها بشكل دائم.

استعارة مجازية أحبت نينا أن تبدأ بها حديثها إلى «الإمارات اليوم»، وهي تروي حكايتها الأولى مع أصولها الشرقية حيث تقول: «يعود الفضل في ذلك لوالدتي المتشبثة بأصولها الشرقية وبإصرارها على المحافظة على كل ما يميز العادات والتقاليد الشرقية الأصيلة، فقد أسهمت في الحفاظ على كل تجليات هذه الثقافة وعلى أدق تفاصيلها، فحرصت على تعليمنا اللغة العربية منذ الصغر، وتداولها داخل البيت، كما كان صوت المطربة فيروز يرافق صباحاتنا المبكرة على فنجان القهوة العربية، ما جعلني أتعود هذه الأجواء الشرقية وأعشقها منذ الطفولة».

وتضيف: «درست التجارة، ونلت الشهادة الجامعية في السويد، ولم أفلح في هذا الاختصاص، فقد شعرت بعدم قدرتي على الاستمرار في مجال لا أحبه، لذلك بقيت أبحث عن بديل آخر يجعلني قريبة من أحلامي، وقد صادف ذلك ذهابي إلى مصر في رحلة سياحية مررت فيها بالقرب من معهد الموسيقى العربية، الذي بناه الملك فاروق، وقد دهشت لروعة بنائه من الخارج، وازداد إعجابي به عندما أخبرني المرشد السياحي آنذاك بأن السنباطي وأم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش درسوا في هذا المعهد، فقررت الالتحاق به، مع أنني لم أكن أجيد العزف على أي آلة موسيقية بعد».

وتضيف نينا: «حين طلب مني أعضاء لجنة القبول الغناء، غنيت لهم أغنية سيد درويش (الحلوة دي قامت تعجن من الفجرية)، حينها سألوني عن الآلة الموسيقية التي أرغب في تعلمها، فأخبرتهم برغبتي في العزف على آلة الأكورديون، فاجتمعوا على أنني فتاة نحيلة للغاية وسيصعب علي حمل هذه الآلة الثقيلة طوال الوقت، وبما أن هذا الأمر تزامن مع وجود شاغر في صف العود، فقد قررت اللجنة إلحاقي بهذا الصف مؤقتاً، في انتظار إمكانية الانتقال لآلة أخرى، لكن المصادفات لعبت دورها، فقد التحقت بصف العود وأحببت هذه الآلة كثيراً، وأتقنتها ونجحت في جميع اختباراتها إلى درجة جعلتني أنال شهادة الدبلوم في ثلاث سنوات فحسب، عوض أربع سنوات من التعلم والامتحان»، وتختم نينا حديثها بنبرة ألم فتقول: « حزنت كثيراً عندما عدت بعد سنوات قليلة لأجد أن هذا المعهد قد أقفل وتحول إلى متحف فني، فقد كان لي فيه الكثير من الذكريات التي لا تنسى».

تشعر نينا بالسعادة وهي تتحدث عن «ملح البحر» ألبومها الأول الذي حقق النجاح والانتشار، وحل في المرتبة الثالثة بعد أسبوعين من طرحه في محال «فيرجن ميغا ستور» بدبي ، حيث تصف هذه التجربة قائلة: «سعيدة لأن الجمهور أحب هذا الألبوم، وأغلب ما تضمنه من مقاطع موسيقية وأغانٍ قديمة وحديثة مزجت بين (الهاوس ميوزيك)، و(الجاز) و(العود) »، فيما تؤكد أنها بصدد التحضير لألبوم «سنجل» جديد يتضمن أغنية من كلماتها تحمل عنوان «عايشين الدنيا»، التي تضمنت دعوة فنية صريحة للسلام ولضرورة تعدد الثقافات والأعراق وتعايشها ويأتي هذا «السنجل» بعد تجربتها الرائدة في الغناء والعزف في عدد من الأماكن المفتوحة بدبي، ومشاركتها في العديد من مهرجانات الموسيقى العالمية في الإمارات، ودعوتها للمشاركة في الليلة اللبنانية في المهرجان الثقافي الدولي للمالوف، حيث غنت الموشحات وعزفت مجموعة من الألحان الشرقية إلى جانب تقديمها لأغنية للفنانة «وردة الجزائرية» تحية منها لهذه الفنانة القديرة وللجزائر التي تشرفت بزيارتها وباستضافتها على خشبة المسرح الجهوي بقسنطينة.

ترى نينا أن العود «آلة تحاكي الروح» بالدرجة الأولى مثلها مثل الكثير من الآلات الموسيقية الأخرى حتى الإيقاعية منها كالطبلة والرق وغيرهما، و تقول: «تتميز تجربة العود بإحساس مختلف، فهذه الآلة تحتضن العازف وتقترب من وجدانه وتلامس شغاف قلبه، فيشعر أن الألحان المنبعثة تحاكي اختلاجات روحه وتتحدث، لذلك أحن إليه دائماً وأعتبره «سلواني في حالات الضيق والشجن»، وعدا عن كونه آلة شرقية بكل معنى الكلمة، فقد بات العود جزءاً لا يتجزأ من موروثنا الفني في منطقة الشرق، خصوصاً أن عمر هذه الآلة يعود اليوم إلى أكثر من 4000 عام».

لكن هل يمكن تطوير العود من الناحية التقنية كبقية الآلات الوترية الأخرى كما حدث مع آلة الغيتار الغربية، سؤال طرح نفسه في سياق الحوار، وأيدت نينا فكرته قائلة «يمكن لنا تطويره، خصوصاً أن من يقوم على هذه الصناعة يرثها عن أبيه وأجداده، وقد لا تكون لديه دراية بالموسيقى بشكل معمق، فتحدث العديد من الأخطاء التقنية المرتبطة بالأبعاد الصوتية، في الوقت الذي يتم تلافي هذه المشكلات عندما يتعلق الأمر بآلات موسيقية أخرى كالغيتار، أوالعود الذي يصنع في تركيا لكنه لا يعطيك الإحساس نفسه والنغمات العربية»، وتضيف: «هل يعرف الجمهور أن أوتار العود تصنع في فرنسا والولايات المتحدة، مع أننا نمتلك كل مقومات صناعة هذه الآلة العريقة، وكل ما نحتاج إليه هو قليل من الدعم والرغبة في تقديم شيء جدير بموسيقانا العربية الأصلية»، وتختتم عازفة العود والمغنية اللبنانية حديثها بنداء خاص لمحبي الكلمة واللحن الشجي قائلة: «استمعوا إلى الموسيقى واستمتعوا بها.. ليس لدي أكثر من ذلك أخبركم به».

تويتر