نحات سوري حقَّق نجاحات مهمة

مصطفى علــــي: منذ طفولتي أرى العالم ثـــلاثي الأبعاد

مصطفى علي قدم الكثير من الإنجازات المهمة التي أكسبته مكانة عالمية. تصوير: أشوك فيرما

لا يكتفي النحات السوري مصطفى علي بنحت المواد التي يعمل عليها. الخشب والبرونز والحجر، فهي برأيه كلها مواد ليست الا سبيلا لديه لنحت الماضي من خلال ذاكرة تشكلت في الشام، المدينة التي يستحضرها في أعماله. نشتم في أعمال النحات عبق تاريخ دمشقي، وكذلك رائحة مدينة أوغاريت التي ولد فيها وينتمي الى حضارتها وطبيعتها، وشكلت أول علاقته مع المادة. يرى العالم منذ طفولته ثلاثي الأبعاد، وهذا ما دفعه الى الكتلة والشكل. قدم الكثير من الانجازات المهمة التي أكسبته مكانة عالمية، ولكنه ما زال الى اليوم يقدم سورية بتاريخها القديم ووجعها الآني، ونراه متفائلا رغم كل ما يحدث.

موهبة

اختار ابن مصطفى علي طريق الفن، بناء على رغبة شخصية بحتة، حيث أكد مصطفى علي، أنه لم يحاول التأثير على ابنه، فقد ترك له حرية الدراسة، وقد أكمل ابنه دراسته في مجال الفن. وأشار الى أنه سعيد كون ولده ينتمي الى جيل الشباب، ويحمل رؤية فنية معاصرة ومختلفة. وأكد أنه لدى اولاده الآخرين ايضا اهتماما بالفن ولكنه حريص على عدم التدخل، بل ترك الفرصة لهم للتعبير كما يريدون.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/233489.jpg


سيرة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/233444.jpg

ولد الفنان مصطفى علي في اللاذقية عام 1956، وهو يعمل ويعيش في سورية. يعرف علي بمنهجه الفني المتميز، وقد اقتنيت أعماله من قبل مجموعات خاصة ومجموعات فنية عامة، ومنها متحف الشارقة للفنون، والمتحف الوطني في سورية، والغاليري الوطني في عمان. وضعت مجموعة من منحوتاته في الأماكن العامة، ومنها "بوابة سورية"، وكذلك في ايطاليا. شارك في مجموعة من المعارض، وكانت له الكثير من المعارض الفردية في العديد من البلدان، ومنها سورية، ولبنان، وقطر، والسعودية، ودبي، وسويسرا، وباريس، وكندا ولندن، والبحرين. لدى علي محترف فني في سورية، يقدم فيه أعماله، وكذلك أعمالا لشباب، ومجموعة من الانشطة الثقافية والفنية.

كانت رؤية الفنان مصطفى علي منذ الصغر ثلاثية الأبعاد، وقد أعادنا في هذا الحوار الى ذكرياته الطفولية في المرحلة الابتدائية، وقال، "كان أمام بيتي مرج أخضر وجبل رملي وثم البحر، وكنت أصنع من الطين أشكالا عديدة، وكذلك من الحجر، ونمت هذه الموهبة مع دراستي التحصيلية إلى أن درست في معهد الفنون، ونسخت الكثير من الأعمال اليونانية والرومانية وقتها". وأضاف، "درست في كلية الفنون الجميلة النحت، وكان لي هوية خاصة، ومما لا شك فيه أني وقتها كنت متأثرا بالعديد من التجارب، كما كنت متأثرا بتاريخ سورية، والتاريخ الفينيقي، ولاسيما اني من مواليد مدينة اسمها اوغاريت، تقع على البحر، وكنت أشعر بالانتماء الى هذه المدينة، وهذه العائلة الفنية، ولدي هذا الانتماء الروحي للأشكال الفنية".

حقق علي ومنذ بداياته نجاحات مهمة، ولكنه قرر أن يسافر الى ايطاليا، تابع دراساته في ايطاليا، وقال عن هذه المرحلة، "كنت في تلك الفترة بحاجة الى ازالة الغبار عن الدماغ من الرواسب الموجودة، وكنت بحاجة الى تأثيرات جديدة". وأكد أن حياته في ايطاليا، حملت الإحساس بالغربة، وكذلك التأثيرات الجديدة، فاكتسب منها الكثير، ولاسيما أنها كانت ملتقى للكثير من النحاتين من حول العالم. ويرى أن السنوات الثلاثة التي عاشها في ايطاليا والتي أسس خلالها محترفا، ساهمت في بلورة أفكاره، ولاسيما أنه حين ترك عن المكان الذي ولد فيه، كان أهم ما يعنيه الذكريات وطفولته، والتي كانت تتجسد في البحر والنهر والمرج الأخضر والجبل الرملي، والتي هي أولى تشكيل الشكل في الفراغ، فهناك خيط خفي يجمع العملية الابداعية للفنان.

أسس علي محترفه في دمشق بعد عودته من ايطاليا، ويعرض فيه مجموعة من الأعمال وكذلك أعمالا للطلاب، كما فيه مجموعة من النشاطات التي لم تتوقف حتى خلال الأحداث والظروف الأمنية الصعبة، "فالناس تتأقلم مع الظروف". ويؤكد أن هذا المحترف لا يأخذ من الوقت الذي يخصصه للنحت، فهو لا يتوقف عن النحت، بل يعمل أينما ذهب، ويحرص على أن ينتج أو يرسم السكتشات خلال أسفاره، ولهذا دائما لديه القدرة على التجديد. ينحت علي أعماله في أكثر من محترف، في دمشق وباريس، وذلك لصعوبة نقل النحت. أما هذا التجديد الذي يتحدث عنه، فيجد أن "فيه الكثير من التحدي، فمن السهل ان يكون الفنان نمطيا، ولكن التكرار يعني الموت مع اعادة الشكل نفسه، فالقدرة على التجديد تولد لدي من كل مرحلة، مرحلة جديدة، فبيكاسو يقول دائما اذهب الى أرض جديدة".

يؤكد علي أن الحضارات أثرت كثيرا على أعماله، ومن بينها تدمر، اذ يرى هذه المدينة من أعظم المدن في التاريخ، وكانت مدهشة بالنسبة اليه، وفيها الكثير من الحياة. وأضاف، "أكثر ما اعجبني في المدينة، هو فن الموت، ففلسفة أهل تدمر في الحياة شيء مختلف عن فلسفة الوجود والموت والجنائز، فيمكن ان نلاحظ الانتقال من الارض للسماء، حيث يصبح الفن شيئا متجذرا من الارض ويصعد عاموديا للسماء، فالموت هو الخلود، وليس النهاية". وتابع، ان "الفن التدمري فيه الذاكرة والحاضر، وسؤال الوجود، ومسألة الخلود التي كانت أساسية في تجربتي الفنية، فالإنسان يرتكز على الماضي، ولكن في الاخير لا بد من أن تكون أقدامه في الحاضر، ولهذا أثرت بي كثيرا".

أتت أعمال علي الأخيرة محملة بوجع سوريا، فالخشب الذي نحته كان من البيوت التي هدمت في سورية، إلا أنه يتمتع بالكثير من الامل رغم كل ما حدث ويحدث، ورأى انه رغم الاحداث، هناك نقطة ضوء بسيطة توجد فسحة من الامل، فالإنسان لا يمكن أن يستمر بدون الامل والايمان القوي بالمستقبل. لذا شدد على ان الفكر يقود الى عالم أفضل، وأن فردا واحدا يصنع التاريخ، مؤكدا أن الفن مؤشر ومنبه لما يحدث وما سوف يحدث، فالجانب الجمالي مهم في أي منتج، ولكن هناك جانب تعبيري مهم يختزل الواقع. واعتبر علي الفن مرآة للواقع، فالفنان يعكس حالة الحزن، كما السعادة، مبينا أن النهضة الفنية لا ترتبط بنهضة اقتصادية، فالأخيرة تساعد على الترويج للفن وإبرازه، ولكن القوة التعبيرية للفن كانت موجودة عند الشعوب البدائية، فالرجل البدائي كان يعبر بالرسم على الجدران، فهي حاجة للتعبير وتفريغ الطاقة، وحاجة لتزيين المكان أيضا.

استخدم الكثير من المواد، ولكن اللوحة لم تحضر الى اليوم في أعماله، لذا أكد علي أن اللوحة تحضر في ذهنه، ويفكر فيها دوما، ولكنه في الأخير نحات، ولا يرى العالم الا ثلاثي الأبعاد، وهناك محاولات موجودة على الورق، ولكنها لم تأخذ حيز التنفيذ، في حين أن اللون حين دخل على المنحوتات الخشبية، أتى كماكياج على السطح، ولمسة من الجاذبية الجمالية التي تضفي نوعا من البهجة على الوجوه. وبين البرونز والخشب، نوه بأن كل مادة لها مشاكلها وحلولها، فما يحمله البرونز من أفكار واشكال لا يمكن أن يحملها الخشب، بينما البنية الخاصة بالخشب تتحمل موضوعا آخر وشكلا آخر، ولكن القوة التعبيرية تتشابه، وإنما البنية تتغير. وأضاف، "في الخشب والحجر هناك حدود فلا يمكن فتح أكف اليدين على سبيل المثال كما في البرونز الذي يتحمل دخول الهواء عبره، فيتشكل الفراغ ضمنه، فالحجر والخشب يحيطها الفراغ دون أن يتغلغل بها". وشدد على العلاقة القوية بين المنحوتات والفراغ، لدرجة أنه يتبادر الى الذهن سؤال حول من يؤثر على الفراغ، وماذا ننحت الفراغ أم الشكل؟"

ويعتبر عدد النحاتين قليل جدا في العالم العربي، وهذا ما رده علي الى عدة أسباب، منها اشكالية التحريم، بالاضافة الى الفلسفة التي أتت نتيجة دخول الفكر الاسلامي، فاتجهت الفنون للزخرفة، فتم الابتعاد عن النحت لاسباب فلسفية. الى جانب ذلك تأتي عدم سهولة الاقتناء من العوامل المؤثرة أيضا، فهو ليس سهل الاقتناء والنقل، كما أن جزءا من الأعمال النحتية وجدت للساحات والأماكن العامة، أو البيوت الكبيرة، وهي حاجة جمالية تنقصنا في مجتمعنا العربي، بخلاف المجتمع الأوروبي، الى جانب كون النحت صعب جدا، وفي العالم العربي أصعب. أما علاقة النحت بالفنون الحديثة، فرآه علي مهما، اذ ان الفن عموما يأخذ الكثير من تأثيرات التيارات الكبيرة في العالم، فالنحت التقليدي لا يكفي أحيانا للتعبير عن هذا الزمن الذي فيه في الوقت عينه صاروخ يصل الى القمر ويدور في الفضاء. واعتبر أن لهذا الزمن أدواته، وهناك مواد أدخلتها السينما وانعكست على تجارب نحاتين، ومهم ان ينطلق الشباب، وليس مهما كيف يعبر.

تويتر