وقّعه الفنان ناصر السومي أخيراً في دبي

«فلسطين وشجرة الزيتون».. بلاد يكاد زيتها يضيء

الزيتون يحظى بمكانة مجللة بالقداسة والتوقير لدى الفلسطينيين. تصوير: أشوك فيرما

يوثّق الفنان الفلسطيني ناصر السومي، حكايات الزيتون، وتاريخ هذه الشجرة في كتابه «فلسطين وشجرة الزيتون»، الذي وقّعه، أخيراً، في دبي.

يسرد الفنان التشكيلي في كتابه، الذي يحمل سمة التوثيق التاريخي حكايات الزيتون عبر التاريخ، من الجوانب الاجتماعية، ويعرض صوراً لأقدم أشجار الزيتون في فلسطين، التي تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد.

حدثنا عن تفاصيل كتابه، الذي صدر باللغة الفرنسية أولاً، ثم ترجم إلى العربية، إلى جانب مشروعاته الجديدة بالفن التشكيلي.

الفلسطيني والزيتون

أكّد الفنان ناصر السومي أن الإسرائيلي يحاول أن يجتث الإنسان الفلسطيني، لذا يحاول أن يجتث الشجرة التي تمثله.

وقد عرض في آخر مقطع من الكتاب، تحت عنوان «الاحتلال وشجرة الزيتون»، كيف أن اليهود الذين أتوا في أواخر القرن الماضي إلى فلسطين، وهم من جنسيات متعددة، قطعوا هذه الشجرة، وزرعوا مكانها عبّاد الشمس.

السومي أوضح كيف تبلورت فكرة الكتاب، قائلاً: «من خلال عملي كفنان أسعى إلى فهم نفسي، وفهم الوجود، وبسبب هذا الفضول الوجداني اهتم بتاريخ الوجود الإنساني ككل، واهتم بتاريخ بلداننا العربية»، ولفت إلى أن هذا الاهتمام يعود إلى زمن طويل جداً، وإلى بداية الشباب، لذا تشكلت المعرفة الكبيرة بالتاريخ القديم، من خلال قراءاته المتعمقة والمتتابعة حوله. أما العامل الثاني الذي دفعه إلى القيام بالبحوث وتقديم الكتاب، فكان حرمانه من فلسطين، حيث إنه ولد في فلسطين وعاش طفولته هناك، ولكنه استمر في زيارة الضفة الغربية إلى عام 1966، وبعدها لم يعد قادراً على العودة إلى فلسطين، التي كان له فيه جزء من عائلته، إلا بعد أن حصل على الجواز الفرنسي، وكان ذلك في التسعينات، حيث زار كل القرى فيها، من شمالها حتى جنوبها.

كانت رحلته الى فلسطين هي بداية مشروع الكتاب، إذ إنه التقط خلالها كثيراً من الصور، التي انتبه لاحقاً إلى أن معظمها لشجر الزيتون، ولم يكن هدفه أن يقدم كتاباً عن الزيتون، ولكن مع الوقت حين رأى البطش الإسرائيلي في تعامله مع الشجرة، وقطع كميات هائلة منها وبشكل وحشي، وكذلك كثرة الحقول المدمرة، حيث تقطع أشجار عمرها آلاف السنين بسبب حجج واهية، والاعتداء غير المبرر على هذه الشجرة التي ارتبطت بتاريخ فلسطين، قرر إنشاء هذا الكتاب.

ويستطرد السومي فيقول: «يتحدث الكتاب عن شجرة الزيتون، ولكنه محمّل بتاريخ بلادنا مع الشجرة، فقد وجدت أول آثار لخشب مفحم من خشب الزيتون، يعود إلى 150 ألف عام قبل الميلاد في فلسطين». وأضاف:

«يستعرض الكتاب شجر الزيتون البري الذي وجد في فلسطين في ذلك الوقت، ثم الحضارة التي كشف عنها في وادي شمال غرب القدس، وهي الحضارة النطوفية التي مارس فيها الإنسان الزراعة، ودجن بعض النباتات البرية، ووجدنا بعض النباتات في أماكن لا تنمو فيها بشكل طبيعي، فوجدنا أنه دجن الكرمة والقمح والزيتون من الألف السابع قبل الميلاد».

استخدم السومي المصادر العربية في الكتاب، وكذلك بعض الكتابات التي ترجمت من أماكن أخرى، كما أن وجوده في فرنسا منذ عام 1980 أتاح له الاطلاع على المصادر بلغتها الأصلية، وهي الفرنسية أو الإنجليزية. ويوضح السومي أنه «من خلال المصادر المتعددة، تمكّن من أن يقدم في الكتاب كل ما يتعلق بالزيتون، بدءاً من الزيت الذي استخدم في الطعام والإضاءة والطب، وصناعة الصابون، ووصولاً إلى الخشب الذي استخدم في الحرف». وأشار إلى أن كثافة الزيتون هي بين نابلس وطولكرم، وأن 70% من الأشجار المثمرة هي شجرة الزيتون، وكانت فلسطين معروفة بأنها منذ الفترة الأموية تقدم الزيت لإضاءة المسجد الأموي بدمشق.

اعتبر السومي الكتاب لوناً جديداً للمهتمين بتاريخ المنطقة، فهو يقدم تاريخاً مختلفاً وبعيداً عن التاريخ السياسي والثقافي، الذي وجدت له العديد من المراجع، موضحاً أننا «لم نكتشف التاريخ المرتبط بالحياة الاجتماعية من قبل». وأشار السومي إلى أن الكتاب كان له صدى كبير في فرنسا، منوّها بأن الكتاب يعني له الكثير على الصعيد الشخصي.

ولفت إلى أنه تم تصدير الأزمة بين الفلسطيني والإسرائيلي إلى الغرب، ولكن الأهم في بلادنا هو تاريخنا، وهو الذي يجب أن نصدره أيضاً، فالإنسان وجد للمرة الأولى في إفريقيا، وخرج أولاً إلى فلسطين، فهناك تاريخ مستمر في بلادنا، يعود إلى مليون ونصف المليون سنة، ولا يمكن لأحد أن يجتزئ منه ويدعي أنه له. ويشتمل الكتاب على الكثير من الصور، التي كانت في البداية صوراً تلقائية، ولكن بعد البدء بالكتاب، بات التصوير انتقائياً أكثر، فبحث السومي عن الزيتون المعمر القديم، وعمره آلاف السنين. ونوّه بأن أشهر الزيتونات الموجودة في الكتاب، هي الزيتونات الموجودة في المنطقة التي عاش فيها المسيح، الذي كان موجوداً بينها في ليلته الأخيرة، وذلك في جبل الزيتون. إلى جانب ذلك، توجد في الكتاب صور لحقل زيتون كامل عمره آلاف السنين، وإحدى الزيتونات التي عمرها 3000 سنة، إلى جانب صور زيتونة (الولجة) التي عمرها خمسة آلاف و550 سنة، والتي اكتشفت أنها بهذا القدم، بسبب عزم الإسرائيليين إقامة الجدار وقطع الزيتونة، ولكن مجموعة من العلماء اليابانيين فحصوا الزيتونة ووثقوا عمرها، وهي غالباً أقدم زيتونة في العالم. والبعض يعتقد أن الزيتون وصل إلى بلادنا عن طريق اليونان، ولكن فعلياً الزيتون في بلادنا قبل أن تكتشف اليونان.

يرمز الزيتون للسلام، ولكن السومي يرى الزيتون بشكل مغاير، فكل طفل فلسطيني يدهن بزيت الزيتون عند ولادته، وأشار إلى أن هذه العادات تعود إلى الفترة الكنعانية والفينيقية، حيث إن أحد الآلهة واسمه بعل، كان يمسح بالزيت حين يتوّج ملكاً، إلى جانب أن الزيتون يحمل جلالاً أكثر من الأشجار الأخرى. ويحمل الفنان السومي كثيراً من الأدوات، وفضوله الوجداني يتتابع أيضاً في الأدوات التي يستخدمها في فنه، فهو يجمع بين أشكال تعبير مختلفة، بين الرسم والتصوير، والأفلام. وتبقى هذه الأدوات قريبة من السومي، وما يعيش معه من بينها هو البحث، فالحدس يقود الفنان إلى معارف موجودة بداخله. ولفت إلى أن اللون النيلي الذي يستخدمه كثيراً في لوحاته، هو اللون الأول لفلسطين، وهو يستخدم كثيراً في الأزياء الفلسطينية، وبات هذا اللون جزءاً من مكونات العمل اللوني لديه، والدافع وراء العمل هو اكتشاف الذات والعمل الخارجي.

أما الجديد الذي يحضر له السومي، فهو معرض يعمل عليه منذ فترة، حول علاقة الإنسان الفلسطيني ببلده، وفيه جانب تكنولوجي، ويمثل فيه كل إنسان، وهناك حقائب تتحرك من مكانها. وأشار إلى أن الفنان يجب أن يواكب أدوات العصر، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن الاكتفاء باللون، لأن الفنان يمكنه أن يكتفي بأية أداة تعبيرية.


 فيلم

 http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/11/8ae6c6c549d826350149d8b222800098.jpg

تتعدّد الأدوات الفنية والأعمال التي قدمها ناصر السومي، وكان من بينها العمل الفيلمي الذي قدمه حول قص صخرة الروشة. ويروي السومي تفاصيل العمل قائلاً: «أتى هذا العمل نتيجة بحث، وذلك بعد أن عشت في لبنان فترة، ثم تركته بعد أن دمر بيتي في الحرب الأهلية، وأردت العمل على مكان مهم للبنانيين». وتابع: «عدت إلى لبنان في أواخر التسعينات، أتيت بفريق كبير، مع أدوات المساحة، ووضعنا الطاولات، وكان هناك ناس يتسلقون الصخرة بالحبال، إلى جانب مجموعة من الصحافيين من بعض الصحف، الذين أجروا استفتاءً حول قص صخرة الروشة، وكانت النتيجة أن 80% غير موافقين على قص الصخرة، و20% كانت لديهم أجوبة مختلفة وطريفة، فيما الجانب الطريف كان أن 80% من الناس قالوا إنه لو كانت الحكومة موافقة على قص الصخرة لا يمكننا أن نقوم بشيء». 

تويتر