الإعلام الاجتماعي زاد من حاجة الناس إلى الحوار

«حوار مجاني».. أرائك للفضفضة في شوارع نيويورك

بدأت العام الماضي حينما كان الصديقان، مايكل سكوتو وتوني كاي، يتجولان في حي بروكلين، ووجدا أريكة قديمة في زاوية شارع، فقررا على سبيل المزاح أن يكتبا عبارة «حوار مجاني» على جزء من صندوق مخصص للبيتزا. الإمارات اليوم

إن كنت تعاني مشكلة في عملك، أو مشكلة عائلية، أو ربما ليست لديك مشكلات معينة، لكنك تحتاج إلى التحدث مع أشخاص يجيدون الإنصات ويشاركونك النقاش في ما ترغب في التحدث عنه، في عصر أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي مسيطرة على أحاديث وحوارات الكثير من الناس، وأصبح فن الحوار غائباً بصورة كبيرة، ستجد مجموعة «حوار مجاني» في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة تقدم هذه الخدمة مجاناً لجميع زوارها.

الفكرة بدأت العام الماضي حينما كان الصديقان، مايكل سكوتو (28 عاما) وتوني كاي (26 عاما)، يتجولان في حي بروكلين الواقع في نيويورك، ووجدا أريكة قديمة في زاوية شارع، فقررا على سبيل المزاح أن يكتبا عبارة «حوار مجاني» على جزء من صندوق مخصص للبيتزا، وينتظرا ردود أفعال الناس، ففوجئا بقدوم عائلات وطلاب إلى الأريكة يستفسرون عن الفكرة، معبرين عن اهتمامهم بها، بعدها قرر سكوتو وكاي أن تكون هذه الفكرة هي التي يرغبون في نشرها في مختلف أنحاء نيويورك.

ربط أناس حقيقيين في عالم حقيقي

متطوعون يقومون بهذه المهمة في نيويورك وسان فرانسيسكو ولندن، أنجزوا بين 40 و50 ألف حوار، ويسعى هؤلاء المحاورون، كما تقول المجموعة على موقعها الإلكتروني، إلى «الربط بين أناس حقيقيين في عالم حقيقي».

اليوم، أصبح عدد الحوارات التي أجرتها المجموعة التي تضم 30 ممن تطلق عليهم «محاورين»، وهم متطوعون يقومون بهذه المهمة في نيويورك وسان فرانسيسكو ولندن، بين 40 و50 ألف حوار، ويسعى هؤلاء المحاورون كما تقول المجموعة على موقعها الإلكتروني إلى «الربط بين أناس حقيقيين في عالم حقيقي».

الحوارات تجرى على أرائك موجودة في ستة إلى ثمانية مواقع مختلفة في نيويورك، كما تقول مديرة تسويق المجموعة، جيني ليانغ، هذه الأماكن إما تكون حدائق أو شوارع يرتادها الناس كثيراً، وكل ما يحتاج إليه الزائر أن يجلس على أريكة ويبدأ بالتحدث مع المحاورين.

ويقول مؤسس المجموعة مايكل سكوتو لـ«الإمارات اليوم» «الكثير من الناس كانوا يأتون إلينا ويقولون: ما هذا؟» ويضيف «أستطيع أن أقول الآن إنه أصبح بإمكان الناس تمييزنا، فليس من المعتاد أن ترى غرفة معيشة في الشارع»! ويتحدث سكوتو عن الحوار الذي يجرى في مجموعته، فيقول «الحوار مفتوح، ولا يوجد هناك أمر ليس بإمكانك التحدث عنه، الحوار يأخذ الطابع نفسه الذي يأخذه مع أي شخص آخر أنت تعرفه، الفارق أن هؤلاء الناس الذين لا يعرفونك يتحدثون إليك وكأنهم يعرفونك».

ويضيف «لقد أجرينا بين 40 و50 ألف حوار، وأستطيع القول إنه كان لمجموعتنا ما لا يقل عن ثلاثة ملايين بصمة على الإنترنت أو بصورة شخصية مع الناس».

ويشرح سكوتو، الذي سبق له العمل في قطاع التقنية في بنك استثماري لبضع سنوات قبل أن يقرر تقديم استقالته والتفرغ للمجموعة، الفارق بين تحدث بعض الأشخاص مع أصدقائهم وأقاربهم أو مع مجموعته، إذ يقول «ليس بالضرورة أن يكون كل من يأتي إلى الأريكة شخصاً لم يجد من يتحدث معه، ربما لديهم أناس يتحدثون معهم لكن ليس عن أمور يودون التحدث عنها، أو ربما ليس بالطريقة التي يودون التحدث فيها، وبطريقة حرة بحيث لا يكون هناك ما يجبرهم على الاستمرار في التواصل مع ذلك الشخص على الأريكة بعد الحوار، إلا لو أرادوا ذلك، الأمر يختلف لو تحدث أحدهم مع شخص كصديقه، فهو سيبقى مثل المرايا التي تلحقه أينما يذهب».

من جانبها، تقول مديرة التسويق ليانغ، إن الإعلام الاجتماعي تسبب في وجود فجوة في حوارات الناس هذه الأيام، وأصبح الكثيرون يفتقرون إلى من ينصت إليهم.

وتوضح ذلك قائلة «ماذا يجعل المحادثة جيدة؟ نصف الأمر يكمن في أن تكون منصتا جيدة، فحينما تنصت سيكون بإمكانك المشاركة في الحوار».

وتضيف «نحن لسنا ضد الإعلام الاجتماعي، لكن أعتقد أنه بالتأكيد خلق حاجة عند الناس، فبعض الأحيان ربما لا يعرف الناس أنهم يواجهون هذه المشكلة (عدم إنصات الآخرين إليهم) فمثلاً حينما تخرج مع أصدقائك وهم طوال الوقت على هواتفهم النقالة، لن تقول: أتمنى لو بإمكاني التحدث مع أحد، لكن حينما يرانا الناس ونحن نقدم هذه التجربة يقولون: نحن سعداء جداً لقيامكم بذلك، ويقول بعضهم: الآن أدرك أنني كنت أحتاج إلى التحدث مع أحد».

وتشير ليانغ أنه من خلال تجربتها وجدت أن الكثير من الناس يشعرون براحة أكبر في الإفصاح عن أسرارهم إلى الغرباء أكثر من المقربين، إذ تقول «هناك أناس كانوا يخبروننا أسراراً لا أجزم أنهم كانوا سيشعرون بالراحة لو أخبروها لأصدقائهم أو أقاربهم، لأنهم يكونون معنا في بيئة مفتوحة، ونحن لن نصدر أحكاماً عليهم، نحن فقط نريد أن نخلق بيئة مريحة لهم». ويروي سكوتو قصصاً عالقة في ذاكرته لأشخاص حاورهم، فيقول سكوتو «حاورت شخصاً قضى في السجن 27 عاماً بسبب اتهام خاطئ أصدر ضده، كما أخبرني».

ويضيف «قال لي إن صديقته السابقة قامت بالاستعانة بشخص من أجل قتل زوجها وقامت بتلفيق الأمر له، وهو لم يكن من الأساس يتحدث معها منذ سنوات، وأخبرني كذلك بأن الشاهد أدلى في المحكمة شهادة غير دقيقة تسببت في سجنه». وتابع «قال لي هذا الرجل إنه قد أضاع 27 عاماً من حياته، وإن حمل هذا الوزن منعه من تحقيق أشياء كان يريد تحقيقها، ومن ثم أخبرني بأنه تعلم كيف ينسى الكثير من الأمور حتى يكون بإمكانه المضي قدماً في طموحاته.. هذه المحادثة كانت نحو 45 دقيقة».

أما القصة العالقة في ذهن ليانغ فهي، كما تقولها، فهي «شخص يعمل كميزوثرابي (معالج تجميلي غير جراحي) أخبرني عن عائلته وطفولته، كيف حينما كان صغيراً كانت عائلته باردة في مشاعرها، حيث لم تكن تعبر عن عواطفها ومشاعرها أبداً».

وتضيف «لقد نشأ في هذه العائلة الباردة، والآن بعد أن أصبح ميزوثرابي، يسأله أصدقائه والمقربون منه باستغراب كيف امتهن مهنة تحتاج إلى الكثير من المشاعر وهو قد تربى في منزل لم يكن فيه شخص يعبر عن مشاعره بدفء، فيجيب عليهم قائلاً: هذا هو السبب، المعالجة من خلال ملامسة الناس أصبحت تشعره بالمشاعر التي افتقدها».

تويتر