غنت فيه أم كلثوم وأسمهان

نابلس: مقهى الشيخ قاسم.. 200 عام من الذكريات الحميمة

صورة

يجلس الحاجان عمر أمين حبيبة (80 عاماً) وعبد الله دويكات (75 عاماً) في مقهى الشيخ قاسم في البلدة القديمة بنابلس، يتربع كل منهما على كرسي خشبي قديم، وكأنه عرشه، يلتفان حول طاولة خشبية أصابتها هشاشة الزمن، مثلما المكان.

الحاجان حبيبة ودويكات اعتادا الجلوس على مدخل مقهى الشيخ قاسم، وعلى الكرسي والطاولة نفسيهما منذ أكثر من 30 عاماً، وكان للمكان حكايات وتفاصيل تناولها العديد من رواده، خصوصاً في ثمانينات القرن الماضي، ويستعيد كل منهما ذكريات خلت، ويسترجعان أحاديث مضى عليها أكثر من 30 عاماً، من أمور السياسة والثقافة والظروف الاجتماعية، مع بعض المقارنة بين الماضي والحاضر.

جلسة حبيبة ودويكات لا تخلو من مناكفات وتجاذبات الحالة العامة خصوصاً في فلسطين، حيث مازال كل منهما يعيش على أمجاد بعض حكام العرب ويتغنى ببطولاتهم، مع ذاكرة تجر في ذيولها نكبات الشعب الفلسطيني.

ذاكرة المكان بقيت شاهداً على التاريخ الذي لم يتغير منذ سنوات، حسب ما أكده الحاج حبيبة، «هذا المقهى لم يتغير عليه شيء منذ عشرات السنين. مازالت زواياه تحفظ لكل زائر ذكرى مع أحد الأصدقاء أو الأحبة».

ويصف المقهى مطلع الثمانينات من القرن الماضي، فيقول «تغير الزمان والزوار الذين كانوا يأتون من كل الأماكن، يلبسون اللباس التقليدي مثل القمباز والطربوش، ويجلسون ويتحدثون في السياسة والحياة الاجتماعية والثقافة، وأحياناً يعقدون صفقات تجارية في هذا المكان». وأشار الحاج حبيبة بيده قائلاً «في تلك الزاوية غنت أم كلثوم وصدح صوتها، وهناك جلسنا مع الكثير من الأصدقاء الذين اعتادوا المجيء هنا من كل مكان، حيث أصبح المقهى مجمع الأحبة». وفي زاوية صغيرة من المكان اعتاد صاحب المقهى رائق كلبونة (73 عاماً) تحضير المشروبات والأراجيل لزبائنه.

يروي كلبونة تاريخ وحكايات المكان الذي عج بالزوار منذ نحو 200 عام «(الشيخ قاسم) من أقدم مقاهي مدينة نابلس، وتعاقبت عليه أجيال، ومازال يحافظ على صبغته التراثية بكل التفاصيل من طاولاته وكراسيه الخشبية، حتى فناجين القهوة التي كنا نجلبها من الشام». ويضيف متحسراً «معظم عمري قضيته في هذا المكان الذي أعمل فيه منذ سن الـ15، واليوم أولادي يعملون معي لتقديم الخدمة لزوار المقهى الذين باتوا جزءاً منه، عدا عن الزوار الأجانب والسياح». وأكد كلبونة أن عدداً من كبار الفنانين غنوا في هذا المكان، أمثال أم كلثوم وأسمهان، وكان السياسيون والمثقفون من رواد المقهى. لكن رائق ربما لم يأخذ من اسمه شيئاً، وذلك أنه يتذمر من تناقص عدد رواد المقهى وضنك العيش، خصوصاً في الآونة الأخيرة. ذكريات كبار السن بنابلس لم تبتعد كثيراً عن ذاكرة المكان بين أزقة البلدة القديمة ومقاهيها، التي عرفت بطراز معماري لم يبتعد كثيراً عن المعهود، خصوصاً بطرازها الداخلي المؤلف من صالة واحدة، وبأرضية مرصوفة بقطع الباطون، وجلساتها تحت أشجار الحمضيات والعنب في الفضاء الرحب.

تويتر