مثقفون فلسطينيون يؤكدون: «الوحدة الوطنية خط أحمر تعمد بالدم»

رامبو شاهد على «فصل في جحيم» غزة

صورة

«فصل في الجحيم».. عنوان كتاب الشاعر الفرنسي آرثر رامبو، وكتاب «ضيوف النار الدائمون» ومختارات للشاعر الأيرلندي وليام بتلر ييتس كانت من بين الكتب الشاهدة على مجازر الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. وظهرت تلك الكتب من بين ركام منزل الشاعر عثمان حسين في غزة، الذي تعرض لقصف بقذيفتين من مدفعية الاحتلال. وكان الشاعر الذي نجا وعائلته من القصف كتب قبل تعرض منزله للقصف بخمسة أيام «ردّ لي شرفتي أيها الأمل».

من أجل الحرية

أكد مثقفون فلسطينيون دعمهم للمقاومة الفلسطينية بكل قواها الفاعلة على الأرض، كما أكدوا مواصلة المقاومة الثقافية وكل أشكالها من أجل الحرية، موضحين أن الوحدة الوطنية هي «خط أحمر»، خصوصاً أنها تعمدت بالدم الفلسطيني. وأضافوا أن المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في غزة تعد جرائم ضد الإنسانية، مطالبين القيادة الفلسطينية بتقديم ملف بجرائم الاحتلال لمحاكمة قادته في المحاكم الدولية المختصة.

وأشار أدباء وكتاب فلسطينيون في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين المحتلة عام 1948 إلى أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي يستمر منذ ثلاثة أسابيع لن يثني الإرادة الفلسطينية عن مواصلة مقاومة الاحتلال حتى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. وأوضحوا أن الشعب الفلسطيني يتعرض لجرائم إبادة على يد قوات الاحتلال، إذ وصل عدد الشهداء في غزة وحدها إلى أكثر من 1000 شهيد، و8000 جريح. كما استشهد ثمانية فلسطينيين وعشرات الجرحى خلال المواجهات مع قوات الاحتلال في قلنديا التي تمثل بوابة الضفة إلى القدس ومناطق أخرى في الضفة.


وحدة المصير

لا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عند حد في عدوانه الغاشم على الشعب الفلسطيني، إذ إنه يستهدف المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن، وسقط أكثر من 200 شهيد من الأطفال في غزة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. كما استهدف الاحتلال قصف المساجد، لكن الشعب الفلسطيني أكد على قوة وحدته الوطنية ومقاومته للاحتلال، خصوصاً أن الشعب الفلسطيني يجمعه مصير مشترك وحلم مشترك وأرض واحدة. وكان رئيس دائرة العالم المسيحي في منظمة التحرير الفلسطينية، الأب مانويل مسلم، وردّاً على استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي للمساجد في قطاع غزة، وجه رسالة الى المسلمين قائلاً لهم «إذا هدموا مساجدكم فارفعوا الأذان من كنائسنا».

وكان عشرات المواطنين من سكان حي الشجاعية، شرق مدينة غزة، لجأوا إلى كنيسة «القديس بيرفيريوس»، وسط مدينة غزة، عقب المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في حي الشجاعية، وراح ضحيتها أكثر من 75 فلسطينياً وجرح نحو 200، وهدم عشرات المنازل، بالإضافة الى من هم لايزالون تحت ركام البيوت.

ودان الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، مؤكداً أن الثقافة تقاوم الاحتلال جنباً إلى جنب مع كل القوى الفلسطينية. وذكر الاتحاد في بيان صدر في مدينة رام الله في 17 يوليو الجاري «يدين الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين القصف الوحشي الصهيوني الذي عصف بالصغار وهذه (الفلسطين)». كما دان قصف قوات الاحتلال منزل الشاعر عثمان حسين في غزة، مشيراً إلى أن الاحتلال يواصل ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، وأنه يستهدف الأطفال والنساء، كما يستهدف المثقفين وكل أبناء الشعب الفلسطيني.

وأوضح بيان الاتحاد أن منزل الشاعر عثمان حسين عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين تعرض لقصف بقذيفتي مدفعية في الخامس من فجر 12 يوليو، حيث نجا وعائلته بأعجوبة. وأضاف أن «رفوف مكتبة الشاعر وكتبه المتناثرة ستنازل القتلة المحتلين وستكسر قذائف موتهم ودمارهم. وسيظل المثقف الفلسطيني يدافع عن الحق والحقيقة مع أبناء شعبه حتى الحرية المشتهاة والاستقلال الناجز».

وكان الشاعر عثمان حسين كتب على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» أنه في الخامسة فجراً «قصفت مدفعية العدو بيتي بقذيفتين أجهزتا على الطابق العلوي، لقد نجونا بأعجوبة من هستيريا جيش الاحتلال، حيث كان القصف عشوائياً للشريط الحدودي». ونشر صورتين لآثار القصف، أظهرت إحداهما مجموعة من الكتب متناثرة بين الركام، من بينها المجموعة الشعرية «فصل في الجحيم» للشاعر الفرنسي آرثر رامبو، كما لو أن الكتاب يشير إلى أن المجازر الإسرائيلية في غزة بمثابة فصل من جحيم يصبه الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وكذلك كتاب «ضيوف النار الدائمون» الذي يضم مختارات لشعراء من فلسطين، ويعبر عنوان الكتاب عن واقع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، كما ظهرت أجزاء من عناوين كتب تحت ركام منزل الشاعر، من بينها «... ضد الحصار»، وقصائد للشاعر الأيرلندي وليام بتلر ييتس، وكتاب للفلسطيني غريب عسقلاني «النورس يتجه شمالاً»، و«مجتمع يثرب» لخليل عبدالكريم، و«فلسطين في حياة جمال عبدالناصر».

الشاعر عثمان حسين كان كتب قبل خمسة أيام من قصف منزله نصاً تنبأ فيه بما سيحل بمنزله، طالباً من الأمل أن يردّ إليه شرفته، ليأتي قصف مدفعية الاحتلال ويهدم شرفة بيته. قال الشاعر في نصه «الأملُ بلسم الوقت/ وجدٌ قديم/ عيناه ترعيان في غابة ثكلى/ تقفزان كماعزين نافرتين/ عصافير روحه حلقت مذبوحة بين قارتين عجوزين/ ردّ لي شرفتي أيها الأمل».

محاكمة الاحتلال

أكد كتاب وأدباء ومثقفون فلسطينيون دعم مقاومة الاحتلال بكل أشكالها، كما أكدوا مواصلة المقاومة الثقافية من أجل الحرية، موضحين أن الوحدة الوطنية هي «خط أحمر»، خصوصاً أنها تعمدت بالدم الفلسطيني، وطالبوا القيادة الفلسطينية بتقديم قادة الاحتلال إلى محاكمات دولية على جرائمهم ضد الإنسانية التي ارتكبوها في غزة.

وذكر أدباء وكتاب فلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين المحتلة عام 1948 والشتات، أن عدوان الاحتلال على قطاع غزة المتواصل منذ ثلاثة أسابيع لن يثني إرادة الشعب الفلسطيني عن مواصلة المقاومة حتى دحر الاحتلال وتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

وكان عدد الشهداء في غزة وحدها بلغ أكثر من 1000 شهيد، و8000 جريح، كما استشهد ثمانية فلسطينيين وعشرات الجرحى خلال المواجهات مع قوات الاحتلال في قلنديا التي تمثل بوابة الضفة إلى القدس ومناطق أخرى في الضفة.

شهادات

في غزة كتب الشاعر ناصر رباح في 19 يوليو الجاري «خرجنا من البيت أنا وزوجتي وأولادي الخمسة، ووالدتي مع الزهايمر، مع والدي وتليف كبده، وعمتي الصماء وخمسة وتسعين عاماً، تركنا البيت بلا كهرباء ولا مياه، خرجنا تحت أصوات القصف الشديدة، مشينا خطوات قليلة، لم نجد الجيران، الشارع فارغ كسؤال صعب، والمكان يرتج من الوحشة، مشينا خطوات قليلة ثم عدنا. لم نعرف إلى أين نذهب فعدنا. ببساطة هكذا».

وأكد الشاعر غسان زقطان في رام الله، أن الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإنهاء الحصار على غزة دون شروط، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال هي أولويات فلسطين. وكتب «لسنا وكلاء لتصفية حسابات المنطقة، ليس لدينا وقت، علينا أن ندفن شهداءنا ونعيد بناء بيوتنا وتعبيد الشوارع والحدائق وبناء ملاجئ للحرب القادمة»، داعياً إلى عدم الانجرار وراء الشائعات. وأضاف «أياً كانت نتيجة حرب بنيامين نتنياهو على الفلسطينيين، فهو يعرف جيداً أنه خسرها، لنحاول أن نكسبها».

وكتب الشاعر مراد السوداني رئيس بيت الشعر، والأمين العام لاتحاد الكتاب الفلسطينيين عن صمود غزة، وارتباط الفلسطيني بالحياة، واجتراحه المعنى الجوهري لمقاومة الموت «شيماء تستشهد وتنجب طفلاً وهي ميتة. أم تحتضن صغيراً فيصعدان إلى السماء. 20 شهيداً من عائلة النجار. يا الله للألم طعم يتجاوز المعنى. الألم مسودة اللامعنى. ما معنى كل هذا الألم؟ بين الوجع والألم ننحت مفردة (الوجم) ربما تقارب حزننا بعد أن خذلتنا القواميس بمفردات الحزن».

ورصد الشاعر خالد جمعة يوميات من العدوان الإسرائيلي، وصمود غزة «يتوقف القصف، تأخذ الدبابة والطائرة والبارجة استراحة، لكن الشهداء مازالوا يخرجون من تحت الأنقاض، المسافة طويلة، والمساحة واسعة، اثنتا عشرة ساعة لا تكفي كي يخرج الشهداء جميعاً، واثنا عشر مليون سنة لا تكفي ليخرجوا من ذاكرة البلاد». وأشار إلى موقف يجسد التلاحم الشعبي بين مسيحيي فلسطين ومسلميها والمصير المشترك «الأب أمانويل مسلم الذي يكتب أغاني الأطفال، والقليل يعرف هذا، هزني من الأعماق وهو يقول: إذا هدموا مساجدكم فارفعوا الأذان في كنائسنا».

وكتب الشاعر يوسف المحمود «غزة سلم الدم الى السماء/ أطفال غزة يفرون الى الله/ كلما لاحقتهم الطائرات». كما كتب الشاعر عبدالسلام العطاري «حين الغروب تلثمين الوجع بما تبقى من أمل، وتستعينين بالليل وما نوى على الفجر ليعود ثانية، والفجر ابتسامة النهار، وروح الطفل الذي رمته جوارح الجحيم، غزة إمام صلاتنا، فرددوا: آمين».

الشاعر زكريا محمد في رام الله «اليوم نزلت رام الله عن بكرة أبيها. عشرات الألوف نزلوا إلى حاجز قلنديا، كل من عرفتهم، كل من لم أرهم من سنوات رأيتهم اليوم على حاجز قلنديا، الحاجز الذي يفصلنا عن القدس. اليوم وجهت رام الله إنذارها: إما الحرب الشاملة أو وقف العدوان على غزة، اليوم وجهت القدس، ورام الله، والبيرة، والضفة كلها إنذارها». وكان الممثل والمخرج الفلسطيني مصطفى أبوهنود من بين المتظاهرين الذين أصيبوا بجراح برصاص الاحتلال خلال المواجهات في حاجز قلنديا.

وكتب الشاعر مهيب البرغوثي «حين تتحول المدن/ الى كل هذا الدم/ نلملم أسماء أطفالنا من اسماء النجوم/ وتتحول السماء الى غابة من الموت». ومن غزة كتب الشاعر يوسف القدرة «خوف عتيق ومعتق يزورك في مناماتك القصيرة/ تجر الليل من أذنيه ليمضي/ وتصلي/ عل الصلاة تكون (طبطبة) على أكتاف الأمهات».

تويتر