أكثر من 20 عملاً في «فن أبورتيه» بدبي

إريك بيريه.. دهشة دبي وأبراجها

صورة

يقدم الفنان الفرنسي إريك بيريه، الوجه العمراني لدبي، فيصوّرها مدينة حافلة بناطحات السحاب، ويعرض هذا الجانب ليقدم من خلاله الجوانب المختلفة للحياة في هذه المدينة، وذلك في معرضه الذي افتتح أخيراً، في غاليري «فن أبورتيه» في دبي.

اعتمد الفنان الفرنسي على الجمع بين الوجوه الهندسية والثقافية للمدينة، بانياً لوحته بعناية من يهندس ويبني الأبراج الشاهقة. يمثل المعرض اختزالاً صريحاً للمدن من خلال العمران والأبراج على وجه التحديد، فهو شديد العناية بإبراز التفاصيل الدقيقة التي تجعل الأبنية حاضرة بأضوائها ونوافذها وكل ديكوراتها الخارجية.

نيويورك

قدم الفنان الفرنسي إريك بيريه معرضاً مشابهاً للذي قدمه عن دبي، وكان قد جسد فيه مدينة نيويورك. حمل المعرض الأسلوب نفسه الذي يعنى برسم التفاصيل بعناية في الأبراج، معتمداً على ممارسة لعبة الموازنة في الأعمال بين الضوء والظلال والأشكال والأحجام والامتدادات اللونية العمودية والأفقية. ولكن اللافت أنه تعمّد في المعرض الذي قدمه عن إحدى الولايات الأميركية أبرازها مدينة ليلية بامتياز، حيث سيطر المساء والأضواء الليلية على لوحاته، بخلاف دبي التي حرص فيها على أن تكون حاضرة في مختلف الأوقات.


سيرة لونية

ولد الفنان إريك بيريه في مدينة باو في فرنسا عام 1964. درس رسوم الديكور وتخرج في المعهد العالي لرسوم الديكور في باريس. توجه في مرحلة لاحقة إلى التخصص في رسم اللوحات الجدارية والرسوم ثلاثية الأبعاد على المباني لسنوات عدة، ثم عمل مع عدد من المجموعات الفندقية في الولايات المتحدة وأستراليا ودول الخليج والبرازيل. هذا المجال العملي هو الذي أغنى ثقافته حول المدن وجعله يتوجه إلى تصويرها بهذا الأسلوب، الأمر الذي شكل ما يشبه صياغة جديدة للمدينة. أقام مجموعة من المعارض في عدد من الدول، بينما كان معرضه الأخير الذي ضم أكثر من 22 عملاً الأول له في دبي.

يمتاز عمل الفنان الفرنسي باعتماده على الجانب التصويري، فهو يأخذ المتلقي بدهشة إزاء العمل المخلص تماماً إلى صدقية وواقعية المشهد، ويعيدنا إلى المدارس القديمة التي كانت تعنى بنقل الواقع، ولكنها اتجهت إلى تصوير مقاطع من الحياة اليومية، وكذلك الأفراد والأشخاص.

ينقل المدينة بتفاصيلها، تماماً كما في فنون عصر النهضة، فلا يختفي تأثر الفنان بالأعمال التي جسدت إيطاليا في تلك الفترة. هذه العناية بالتفاصيل تجعل اللوحات تبدو وكأنها أقرب إلى أن تكون منتمية إلى فن التصوير الضوئي أو الفن الذي يجمع بين الغرافيك والتصوير والرسم.

تتسم أعمال بيريه بكونها تجمع ما بين التصوير والتشخيص الواقعي، والتجريد الهندسي، معتمداً على التفاصيل البسيطة في العمل، فالأجزاء الصغيرة في العمل هي أكثر ما يلتفت إليه الفنان. يسعى إلى تقديم المدينة بأسلوب مثالي، فيبدو أنه يصور المدينة متكاملة بشكلها المتألق، ويبتعد عن الصخب والضجيج الذي تحمله حياة المدن السريعة الإيقاع كدبي، ويصوّر السكون والهدوء. يقوم هذا البناء في اللوحة على علاقة متينة بين الأضواء، فهو يسافر في رحلة بين هذه العناصر، ليقوم بترتيبها ضمن أبجدية لونية خاصة قوامها انتزاع دهشة كبيرة من المتلقي لمجرد رؤية اللوحة.

ومن الأبراج يأخذنا الفنان في جولة بين الشوارع، حيث السيارات ولافتات الطرقات التي تشير إلى التوجهات، فيصوّر منطقة ديرة وبر دبي، ثم يتجه بنا إلى معالم معروفة في هذه الإمارة، ومنها أبراج الإمارات، وبرج العرب، وبرج خليفة، إلى جانب عدد من الأبراج في منطقة المارينا.

ويتعزز مع هذه المشاهد النزعة المحلية للبلد، من خلال حرص الفنان على تقديم الوجوه الإماراتية في لوحته، على الرغم من أن البلد يمتاز بكثرة الجنسيات التي تعيش على أرضه، إلا أنه نجد حرصه على إبراز التداخل بين المدينة وأبنائها، أي الإنسان في بيئته، وكيف تتداخل العلاقة بينهما.

يتفوّق الجانب المادي على الحياتي في معرض بيريه، الذي يستمر حتى الأول من أغسطس، فهو شديد الحرص على إبراز الوجه العمراني، مخففاً من حدة الوجه الحياتي للمدينة، وكأنه يوجد مسافة بين وجه المدينة وشكلها الخارجي وعمق الحياة فيها، فلا يمنح نفسه موقع ناقل الحياة أو الحضارة أو حتى العادات والمشكلات والهموم، بل يتخذ لنفسه موقع المهتم بالشكل وتصويره.

هنا يدخلنا الفنان في نوع محايد من الفنون التي تحصر نفسها في هم التوجه الفني، دون أن تطرح قضايا فلسفية عميقة على صلة بالمكان. ولكن هذا الاهتمام بنقل شكل المدينة لم يمنعه من إيجاد روابط بينها وبين الناس الذين يصورهم وإن قل عددهم في لوحاته، أو حصروا ضمن مشاهد محددة، يمارسون حياتهم اليومية على الطريق بالقرب من الأماكن التي تعد أساسية في دبي.

علاقة الإنسان ببيئته لا يمكن أن تختفي تماماً، فهي لا يمكن إلا وأن تظهر ولو بنسبة محدودة أو خجولة في اللوحة.

كل هذه الاحتمالات التي يضعها بيريه للوحته، تجعلنا نطرح كثيراً من الاسئلة حول الانتماء المكاني والزماني المعلن للوحة، المتجرد من حركة الحياة وسياقها وتطورها، فيبدو العمل كما لو أنه يمثل لحظة من ذاكرة بحجم مدينة كاملة. في سياق آخر، تحضر أسئلة حول الوجوه المتعددة للمدينة، ولماذا يحاول الفنان أن يقيد فكره في إطار محدد وفي توجه معين؟ ومهما تعددت الإجابات على هذه الأسئلة تبقى الدهشة التي يصنعها هي ما يأخذ المشاهد في هذا المعرض.

تويتر