أسّسه أحمد المنصوري بدعم حكومي وفيه قطع وأدوات نادرة تلخص تاريخ المنطقة

«معبر الحضــارات».. متحف جديد في الشندغة

صورة

يسعى المواطن أحمد المنصوري، من خلال تأسيسه متحف «معبر الحضارات»، الذي من المتوقع افتتاحه قريباً في منطقة الشندغة التاريخية، إلى تجسيد مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، «إنه قدرنا كمنطقة أن نكون في وسط العالم، وقدرنا أن نكون مركزاً لالتقاء الشعوب، ووعاء تمتزج فيه الحضارات والثقافات»، الأمر الذي يتمثل في عرض باقة منوعة من مقتنياته التاريخية والتراثية النادرة التي حط رحال جزء كبير منها في الدولة، ليؤكد مكانتها الجغرافية المميزة.

عكف المنصوري، العضو في المجلس الوطني الاتحادي، منذ ما يقارب الربع قرن على جمع مقتنيات تاريخية نفيسة تنتمي إلى حقب زمنية مختلفة، تعكس صور حضارات وحكايا شعوب من أنحاء متفرقة من العالم وأخرى تراثية نادرة.

ترعرع المنصوري على حب الاقتناء والارتباط الوثيق بالتراث، الذي ورثه، على حد قوله، عن والده الذي ورثه هو الآخر عن والده، ونما ذلك الحب حتى غدا ممارسة وجدت مكانها على أرض الواقع تمثلت في المشاركة في بناء القرية التراثية التي زارها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في صحراء البرشاء، وإدارة مشروع تأسيس القرية التراثية في منطقة الشندغة التاريخية في أول دورة لمهرجان دبي للتسوق.

«قيمة تاريخية.. لا مادية»

يؤكد المنصوري أن هواية جمع المقتنيات مكلفة، ويرى أن «الحديث عن القيمة المادية للمقتنيات يفقدها قيمتها الأكبر التاريخية والثقافية، التي تفوق المكانة والأهمية المادية، لاسيما حين يكون الهدف من وراء جمعها وطنياً ثقافياً، وحينها لا يمكن تقديرها بثمن».


دعم ملف «خور دبي»

يأمل المنصوري أن يشكل متحف «معبر الحضارات» رصيداً غنياً في ملف تسجيل خور دبي في لائحة التراث العالمي في الـ«يونيسكو»، لاسيما أن موعد افتتاحه قد يتزامن وزيارة الخبير من مركز التراث العالمي التابع للـ«يونيسكو» لتقييم الملف في الشهر الجاري.

دأب المنصوري على جمع مقتنياته الغنية من مختلف دول العالم، لاسيما الأوروبية منها، إلا أن أغلبها نجح في اقتنائه من داخل الدولة بعد أن حطت رحالها فيها عن طريق مختصين، الأمر الذي يؤكد مكانتها كملتقى شعوب تمتزج فيه الحضارات والثقافات. وحرص على ضمها لمتحفٍ بسيط في منزله ضمن خزائن زجاجية في العام 2002، لم يسعها كاملةً ليسدل عليه الستار حين شاء القدر أن يكتب لها مكان آخر هو بيت المغفور له الشيخ حشر بن مكتوم آل مكتوم، في منطقة الشندغة التاريخية.

قادت المصادفة المنصوري إلى مشروع المتحف، خلال إلقائه في منزله محاضرة حول الخليج العربي، الذي يملك عنه خرائط أصلية تؤكد تاريخه وأهميته الجغرافية على مر العصور، حيث عرض عليه مدير إدارة التراث العمراني في بلدية دبي، المهندس رشاد بوخش، الفكرة.

ويعمل المنصوري، الذي شارك في إنشاء مركز محمد بن راشد للتواصل الحضاري في العام 1998، حالياً على وضع اللمسات الأخيرة على «معبر الحضارات»، الذي يسعى من خلاله للتأكيد على الدور الكبير الذي لعبته الدولة تاريخياً ومدينة دبي خصوصاً في التقاء الحضارات واندماجها.

المنصوري قال لـ«الإمارات اليوم»، «ترجع حماستي لتأسيس متحف يجمع باقة منوعة من المقتنيات التاريخية والتراثية التي أملك، للتأكيد على الدور الكبير الذي لعبته الدولة تاريخياً ومدينة دبي خصوصاً في التقاء الحضارات واندماجها، نظراً لموقعها المميز الذي جعل منها مقصد التجار والبحارة والمستكشفين منذ عقود زمنية طويلة، وذلك من خلال تجسيد مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، «إنه قدرنا كمنطقة أن نكون في وسط العالم، وقدرنا أن نكون مركزاً لالتقاء الشعوب، ووعاء تمتزج فيه الحضارات والثقافات»، الأمر الذي تبرهن عليه الكتب والوثائق والمستندات والخرائط القديمة، التي أملك منها جزءاً كبيراً».

وأضاف «يضم المتحف الذي جاء اسمه تجسيداً لهدفه الأساسي (معبر الحضارات)، مجموعة واسعة وغنية من المقتنيات التاريخية التي تعود إلى حقب زمنية مختلفة، مثل أنواع مختلفة نادرة من الفخاريات والأسلحة والوثائق والعملات التاريخية المعدنية والتحف وغيرها». ويحتضن المتحف لمدة عام كامل بالإعارة أندر قطعة إسلامية تعود إلى العام 950 للهجرة، وهي عبارة عن ستارة نادرة للكعبة الشريفة بعثها أشهر سلاطين الدولة العثمانية السلطان سليمان القانوني.

وأوضح المنصوري «يشتمل المتحف الكائن في بيت الشيخ حشر بن مكتوم على 10 غرف، جمعت في ست منها المقتنيات ضمن مجموعات وفقاً لأنواعها وتاريخها، وعليه وزعت إلى غرفتين لما قبل الميلاد، وغرفتين للأسلحة القديمة، وغرفتين لما بعد الميلاد، وتضمان مجموعة واسعة من المقتنيات التي يعود أغلبها إلى العهد الإسلامي، بالإضافة إلى غرفة خاصة بالمخطوطات الأصلية والخرائط المتعلقة بالخليج العربي، وأوائل المطبوعات حولها تعود إلى أكثر من 4000 سنة، فضلاً عن العملات التاريخية المعدنية».

وذكر «يضم المتحف المقتنيات التي أملكها إلى جانب تلك المعارة، ويعود تاريخ جمعها فعلياً إلى العام 1989، وذلك حين زاد شغفي بهذه الهواية التي ولدت ونمت بالوراثة عن طريق جدي ووالدي، اللذين كانا يعكفان على جمع المقتنيات لاسيما التراثية ويشاركان بها في المعارض الداخلية والخارجية، كالاحتفالات باليوم الوطني لقيام الدولة، الأمر الذي عززته من خلال رحلات سفر مختلفة لاسيما إلى اليمن والدول الأوروبية التي تزخر بالمقتنيات».

وأضاف المنصوري «أملك مقتنيات تنتمي إلى حضارات مختلفة كاليونانية والرومانية والفينيقية والسومرية والصينية وحضارات عربية قديمة كالحميرية وحضارة سبأ، وعليه فهي تقدم قصص وحكايا شعوب من أرجاء العالم».

ومن هذه المقتنيات «تحف وأوان فخارية وأخرى نحاسية مثل صينية نقشت عليها قصة سيدنا يوسف، عليه السلام، وأسلحة قديمة مثل السيوف ومنها سيف مذهب يعود إلى أيام المغول، ومخطوطات ومطبوعات كالنسخة الأولى للمطبوعة القديمة التي تعود للرحالة الإيطالي بالين، التي سلط فيها الضوء على الدول التي زارها خلال رحلاته، ومنها مناطق مختلفة من الدولة حالياً كخورفكان وجزيرة ياس ودبي، والذي طبع في العام 1589، ويوجد منها ما يقل عن 20 نسخة حول العالم، فضلاً عن عملات نقدية تعود إلى الإسكندر المقدوني أحد ملوك مقدونيا الإغريق، ومن أشهر القادة العسكريين والفاتحين عبر التاريخ. وأخرى للصحابة كالزبير بن العوام حواري رسول الله، وأول من سل سيفاً في الإسلام، والسياسي الأموي والقائد العسكري الحجاج بن يوسف الثقفي».


ستارة الكعبة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/10/29049.jpg

يحتضن المتحف قطعة معارة من دار «إنليبرس» للكتب والمخطوطات الأثرية النمساوية، من ستارة نادرة للكعبة الشريفة، بعثها السلطان سليمان القانوني عام 950 للهجرة، الستارة التي تحتفظ برونقها بعد مرور 470 عاماً على حياكتها، تبقى شاهداً على تسابق الملوك المسلمين للحصول على شرف ستارة الكعبة.


هواية الاقتناء

قال أحمد المنصوري «هواية الاقتناء هادفة، وتسعى إلى تسليط الضوء على تاريخ وحضارات الشعوب، فكل قطعة من المقتنيات تروي قصصاً وحكايات يكمل بعضها بعضاً، الأمر الذي يمنح فرصة كبيرة ومهمة للأجيال الشابة للتعرف إليها، خصوصاً حين يتم تبنيها ويتوافر لها مكان يضمها، ويقدم نبذات موجزة حولها».


أحلام المنصوري

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/10/29050.jpg

يحلم المنصوري مستقبلاً بافتتاح مكتبة عامة أمام العامة تضم مجموعة واسعة من الكتب المتعلقة بالخليج العربي، في محاولة لإثراء الدراسات المتخصصة المرتبطة به، مستثمراً بذلك خبرته في مجال البحوث، التي توجها بتأسيس مركز دبي للاستشارات والبحوث والإعلام (بحوث) في العام 2002 وترأسه، ويقوم المركز على إعداد الدراسات الاستراتيجية للجهات الحكومية والخاصة في مجالات السياسات العامة، كالتحليلات الجيوستراتيجية، والتخطيط الاستراتيجي ودراسات الرأي العام، كما شارك المنصوري أيضا في عضوية العديد من الجمعيات المهنية، والوكالات المتخصصة، والمنظمات غير الحكومية.


قدر عائلي

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/10/29052.jpg

تبدو هواية جمع المقتنيات في عائلة المنصوري كأنها قدر عائلي، فقد ورثها عن والده، الذي ورثها بدوره عن والده، واليوم يرى في أولاده الثلاثة أبرز ملامح هذه الوراثة، ألا وهي الحرص، الأمر الذي لمسه مبكراً أمام عينيه أثناء تجوالهم في متحف المنزل الذي كان يضم مقتنياته سابقاً، ما بث في نفسه سعادة عارمة لاسيما أنه يرى اقتداءهم به يتجلى في هذه الصورة وصور أخرى.

ويرجع المنصوري الفضل في تنمية هوايته الخاصة بجمع المقتنيات إلى والده، الذي زرع فيه حب الهواية التي أخذها هو الآخر عن والده، وذلك عن طريق غرس الحرص على الحفاظ على المقتنيات الأثرية في نفسه، بالإضافة إلى إدراك أهميتها مبكراً.


بيت الشيخ حشر بن مكتوم آل مكتوم

يقع بيت الشيخ حشر آل مكتوم، الشقيق الأصغر للشيخ سعيد آل مكتوم، شمال غرب منطقة الشندغة، ويطل على شارع الخليج، وتبلغ مساحته 1022 متراً مربعاً. ويعد من أهم معالم العمارة التراثية التقليدية في الإمارة، لقيمته التاريخية، ويتميز البيت عن جميع مباني الشندغة والمباني التاريخية بشكل عام بوجود مربعة دفاعية (برج استطلاعي) في أعلى مدخل البيت يدل على قيمة تاريخية دفاعية لمباني الشندغة السكنية، إضافة لوجود «بارجيل» ضخم كتميز في الشكل الهندسي، وآخر أصغر منه ويقع على الواجهة الرئيسة للبيت المطل على الخليج. ويحتوي البيت على زخارف جمالية نباتية أو هندسية تؤكد الأصالة التراثية والتاريخية للمبنى.

تويتر