السينما مغامرة للمنتج والفنان والمشاهد

فنانون إماراتيون: «الشـــاشة الصغيرة» بيتنا الآمن

شاشة التلفزيون لاتزال هي الأثيرة لدى الممثل الإماراتي. تصوير: أسامة أبوغانم

بعد مرور سبع دورات من مهرجان دبي السينمائي وست من مهرجان الخليج السينمائي، وتعاقب الدورات بين مسابقة أفلام من الإمارات، ومهرجان الشرق الأوسط السينمائي في أبوظبي، الذي تغير مسماه في ما بعد لمهرجان أبوظبي السينمائي، فإن ثمة حراكا سينمائيا تغير في الإمارات من دون شك، فهناك المئات من الأفلام القصيرة والوثائقية التي ربما صنعت خصيصاً للمشاركة في تلك التظاهرات، وثمة ثقافة سينمائية أصبحت أكثر عمقاُ بالضرورة سواء بالنسبة للمشاهد أو المبدع، لكن في المقابل مشاركة نجوم الدراما الإماراتية في أعمال سينمائية، وتحديداً الروائية منها ظلت قليلة للغاية، حتى مع الوضع في الاعتبار أن المحاولات التي قصد أصحابها بالفعل فكرة العرض في دور السينما هي نفسها لاتزال محاولات معدودة.

وقبل انطلاق المهرجانات السينمائية التي أخذت المنحى الدولي أو الخليجي من حيث المشاركات، كانت هناك محاولات قليلة، لم يصل منها بالفعل لقاعة السينما سوى فيلم «حلم» للمخرج هاني الشيباني عام ‬2005، وظن الكثيرون حينها أن الحاجز بين الفنان الإماراتي والسينما قد انكسر، رغم أن هذا الفيلم نفسه لم يقدم نجوماً، واعتمد على شباب لم يكمل معظمهم مشوارهم، في حين بدأ الاتجاه في إنجاز أفلام إماراتية يأخذ شكل المحاولات بعدها، وليس الظاهرة، رغم أن ذلك العام نفسه صادف عام انطلاق مهرجان دبي السينمائي.

وما بين «حلم الشيباني» و«عقاب» و«رمال عربية» وحتى «بني آدم» لمجيد عبدالرزاق، و«حنين» لمحمد الطريفي، و«دار الحي» لعلي مصطفى وغيرها لم يظهر الممثل الإماراتي النجم، بشكل يمكن ان يساند انطلاقة السينما الوليدة، ما عمق بالضروة الهوة التي لاتزال تفصل بين أفلام قليلة تصنع، فتعرض عرضاً أو عرضين مهرجانيين، وتظل في ما بعد بعيدة عن الجمهور العادي في قاعات السينما.

عقبات كبيرة

ثقافة جديدة

رئيس مهرجان دبي والخليج السينمائيين عبدالحميد جمعة أكد أن الأفلام الإماراتية بالفعل بحاجة إلى دعم، ليس مادياً أو فنياً فقط، بل جماهيريا أيضاً، مضيفا «نجحت دورات المهرجانين بالأرقام في صياغة ثقافة سينمائية جديدة، وتبقى الخطوة الأهم في استثمار تلك النتائج، والقفز بالفيلم الإماراتي في سياق منافسة على الجمهور في دور السينما المختلفة، وهو أمر سيحتاج فيه الفيلم الإماراتي من دون شك إلى دعم الجمهور ايضا».

فيما رأى الفنان جابر نغموش أن معظم المشروعات الفاشلة، أو التي لم تتم، بناء على ما يرويه له أصدقاؤه من الفنانين، أو حتى تجاربه الشخصية، هي مشروعات مرتبطة غالباً بصناعة «فيلم سينمائي»، مضيفاً «لا تكاد تمر فترة إلا ويعرض أحدهم مشروع فيلم سينمائي عادة ما يكون كبيرا، لكن المحصلة دائما تكون عدم إنتاجه».

ويرى نغموش أن المعوق الإنتاجي المادي وغياب مظلة داعمة بشكل صريح للسينما ليس هو المعيار الوحيد، مضيفاً «هناك مشكلة كبيرة أيضاً في النص، فكتابنا أصبحوا معتادين النصوص التلفزيونية بشكل يجعل النفس الدرامي التلفزيوني حاضراً في كتاباتهم السينمائية، فضلاً عن أن أي مشروع سينمائي حال إقامته ستصاحبه ريبة كبيرة من أن هناك جمهورا بالفعل سيشاهده في دور العرض خارج أسوار المهرجانات، وهو أمر يحتاج إلى تنمية ثقافة سنمائية جديدة».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/05/0373572.jpg

الفنان الإماراتي القدير جابر نغموش رغم توالي أعماله الناجحة، سواء في أجزاء «حاير طاير» الستة، أو «طماشة» الأربعة، وغيرها، لم يظهر في عمل سينمائي واحد حتى الآن، رغم أنه سبق وأعلن أنه بصدد الشروع في عمل مهم قبل نحو عامين، كان شديد الحماسة له، حيث يرى نغموش أن الفنان الإماراتي الذي يدين للمسرح بأنه كان الحاضن الأساسي لعطائه في السبعينات والثمانينات بشكل أكبر، أصبح الآن مدينا للتلفزيون بهذه المظلة، فيما يرى أن السينما «لم تعط ولم تأخذ حتى الآن من الفنان الإماراتي»، متوقعاً في الوقت ذاته أن تثمر نتاجات المهرجانات المختلفة التي تحتضنها الدولة في مرحلة ما، مضيفاً أن هذا «ربما يحتاج مرحلة زمنية اطول قد تتجاوز الجيل الحالي تماما الذي ارتبط بشكل وثيق بالتلفزيون. نغموش اشار أنه رغم أن العمل التلفزيوني يكتنفه دائماً الكثير من العقبات، إلا أن نظيره السينمائي تبقى امامه دائماً عقبات أكبر، بل إن بعضها يستعصي حله في غياب مؤسسات تدعم تلك الصناعة بشكل واضح، مضيفاً «لن يحقق أي مشروع سينمائي مكسباً مادياً مباشرا، أو حتى يتمكن من تغطية نفقاته، أو تقليص خسائر متوقعة، من دون الدعم المؤسساتي، لأننا لانزال في مرحلة بناء الثقة، ومحاولة خلق أسس لصناعة هي غير موجودة بالأساس، وتعتمد على طرف آخر هو الأكثر أهمية في تلك المعادلة، وأعني به الجمهور، الذي عليك أن تقنعه بالمراهنة على التخلي عن عاداته في الاختيار وحضور فيلم إماراتي، ربما في تجربة أولى لمعظمهم، وهي مجازفة نحتاج لأن نعي أنها إذا تحققت فيجب أن تكون في مصلحة تكوين صورة إيجابية عن الفيلم الإماراتي».

الفنان والمنتج أحمد الجسمي، الذي قام في الفترة الأخيرة بإنتاج معظم المسلسلات الإماراتية التي عرضت على شاشتي تلفزيوني «دبي» و«سما دبي»، رأى أنه في مقابل أن صناعة الدراما التلفزيونية في الإمارات أصبحت بالفعل بمثابة صناعة رصينة تتجه لأن تكون لها أصولها وثوابتها، وموسمها، فإن صناعة الأفلام السينمائية لاتزال تتحسس طريقاً مشابها رغم انها تظل بمثابة الحلم الذي لم يتحقق بالنسبة لمعظم الفنانين، مضيفاً «العملية الإبداعية لا يمكن ان تكون منفصلة لدى المبدع، بالسياق الواقعي، فعلى شاشات التلفزيون يشاهد كتاب الدراما والممثلون والمخرجون سنوياً عشرات الأعمال المعروضة فعليا، والتي تلقى ردود فعل متباينة من حيث التقدير والإشادة وغير ذلك، ما يتحول تلقائياً إلى محرض لاستيلاد مشروعات جديدة، وهو السياق الذي يغيب قطعاً عن صناعة الأفلام».

المردود الفني

الجسمي أضاف أنه «أحياناً ما يحدث تعارض بين عمل بعض الممثلين في فيلم ما، وهذا نادر، بسبب قلة الإنتاج، وبين تصوير مسلسل درامي، ومن دون تردد يختار الفنان الطلة التلفزيونية، حيث لايزال معظم الفنانين غير واثقين تماماً من المردود الفني للعمل السينمائي، لاسيما أن معظمهم يرتبط بعروض مهرجانية، وليست جماهيرية، في حين يبقى العمل التلفزيوني مشاهدا لدى قطاع أوسع من الجمهور، ويلقى اهتماما نقديا وإعلاميا أوسع، وهذا هو ما يهم دائماً الفنان الإماراتي».

الفنانة سميرة أحمد التي قدمت العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية الناجحة ترى أن معظم الفنانين الإماراتيين مدينين في صقل موهبتهم بالفعل للمسرح، في مقابل أن التلفزيون منحهم ليس فقط الانتشار الأوسع، بل أيضاً الأمان المادي الأفضل، مشيرة إلى أن «العمل التلفزيوني يمثل مكافأة مستحقة لفنانين تفاعلوا مع خشبة المسرح بلا حدود»، لكنها في المقابل ترى أن «دورات المهرجانات السينمائية المتلاحقة التي احتضنتها الدولة تبقى عديمة الأثر، ما لم تستطع أن تنجز على الأقل مجموعة قليلة من الأفلام القادرة على اجتذاب الجمهور للتعاطف مع مشاهدتها على أسس فنية، أو حتى صياغة مشروع سينمائي واضح». وأضافت سميرة «بالطبع يفضل الفنان الإماراتي النجم الطلة التلفزيونية، فهو لايزال يتشكك في إمكانية وصول العمل السينمائي إلى جمهور خارج قاعات المشاهدة المهرجانية، في حين أنه يثق بأن العمل التلفزيوني رسالة، ستصل بالفعل إلى متلقيها، وهو المشاهد».

مشكلة نص

الفنان حبيب غلوم الذي يمتلك بالفعل أكثر من مشاركة سينمائية إحداها عرضت بالفعل في دور السينما ولم تشارك في أي مهرجان سينمائي وهي فيلم «عقاب» لمجيد عبدالرزاق، في مقابل العشرات من الأعمال التلفزيونية، يجزم بأن الممثل الإماراتي خصوصاً فئة النجوم منهم، ليسوا ضد العمل السينمائي الجيد، لكنهم يطمئنون أكثر إلى المعالم الواضحة التي تحيط بمعظم المشروعات التلفزيونية التي تقدم لهم، مضيفاً «هناك مشكلة في النصوص في كلا المجالين، لكنها بطبيعة الحال تبدو أكثر بروزاً في السينما، كما أن هناك مشكلة التمويل تبقى ملحة في المشروع السينمائي، في حين أنها في الدراما التلفزيونية تبقى منوطة بجهة إنتاج محددة تسعى لتسويق العمل لدى جهات أيضاً محددة، كما أن ظاهرة المنتج المنفذ التي يتبعها الكثير من القنوات قد ساعدت في تقليص عنصر المجازفة المادية لمصلحة إنتاج غزير من الأعمال».

تويتر