ترحيب فني مشروط بتجربة المطرب الممثل

مغنون أمام كاميرا الدرامـــا

صورة

فرضت التجربة الدرامية الأولى للملحن والمطرب الإماراتي فايز السعيد نفسها على الوسط الفني الإماراتي، الذي بات يترقب إطلالة تلفزيونية له في رمضان المقبل، في المسلسل الذي يقوم بإنتاجه الفنان أحمد الجسمي، ويتوقع عرضه على شاشة «سما دبي» الفضائية وتوقع مراقبون للوسط الفني أن يكون اشتراك عدد من المطربين في أعمال تلفزيونية مقدمة لعودة غزو الأغنية لعالم الدراما، عبر بوابة النجوم، متوقعين أن تتغير طبيعة بعض المسلسلات مستقبلاً لتستوعب أعمالاً غنائية، بخلاف الشكل التقليدي السائد حاليا، وبعد أكثر من ‬40 عاماً من أوج ازدهارها عادت تجربة الاستعانة بأصحاب الصوت الحسن، لأداء أدوار تمثيلية في الدراما للازدهار، لكن على شاشة التلفزيون هذه المرة، وليس السينما كما كان الأمر سابقاً، وبرع فيه خصوصا العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وشادية وصباح، وفي الوقت الذي عرفت فيه الدراما التلفزيونية المصرية هذا النوع عبر العديد من الأعمال، القديمة والحديثة، منها مسلسل «آدم» لتامر حسني، فإن الدراما الخليجية تخوض التجربة هذا العام في مسلسل «يا مالكاً قلبي»، الذي أسندت بطولته إلى جانب السعيد، لمطربة أيضاً هي العراقية شذا حسون.

آراء

«الخبز لخبازه»

يدافع أهل كل مهنة عن حدودها، ودائماً ما يكون الترحيب إذا تواف بالأساس، حذراً بالمتسللين إليها من أبناء المهن الأخرى، وهو أمر يبقى على أشده أيضاً في مهنة التمثيل، التي باتت تستوعب أعداداً من المطربين، سواء في السينما أو التلفزيون. المثل الشعبي «اعط الخبز لخبازه» يرفعه كثير من الممثلين لمقاومة هذه الظاهرة التي يتقاسم عبرها بعض المطربين، جمهوراً مختلفاً، وبعد أن رفض البعض أن يكون الموسم الرمضاني حكراً على نجوم الدراما عبر لجوئهم إلى المشاركة في تقديم برامج تلفزيونية، جاء تواتر اشتراك فنانين في المسلسلات بمثابة رفع لشعار آخر مؤداه أن «الملعب دائماً يتسع للجميع». منتجون رفضوا التصريح باسمهم أكدوا أن الفنان الإماراتي أحمد الجسمي كان الأكثر ذكاء على صعيد الإنتاج المحلي باستعانته بمطربين في مسلسله الرمضاني الجديد، في حين يرى البعض أن الجسمي تورط في أجور طائلة أضيفت لأعبائه، وقلصت من أرباحه المتوقعة. في المقابل يبقى لدى المطرب المشارك في الأعمال الدرامية ما يخسره ايضاً، وهو جمهور أغانيه وألبوماته الذي قد يقبل أو يرفض التجربة الجديدة للمطرب، وهو ما أكده فايز السعيد، الذي قال لـ«الإمارات اليوم»، إنني «أقف أمام كاميرا (يا مالكاً قلبي)، وعيني على جمهور عرفني عبر الأغنية وألحانها».

لم تعكس آراء الممثلين أنفسهم ترحيباً مطلقاً بالتجربة، واشترط معظمهم وجود مبرر درامي للجوء إلى مطرب في المشهد التمثيلي، لاسيما إذا كان الدور يتطلب القيام بالغناء، في حين كان تحفظ البعض مرتبطاً بمدى توافر المقدرة والتمكن من التمثيل، دون أن يكون الأمر منوطاً بمجرد استثمار شهرة المطرب.

في المقابل، وصف فنانون لجوء المخرج حسب المفترض أو المنتج حسب واقع الحال الذي يجعل من الأخير متدخلا جوهرياً في خيارات فنية، بأنها محاولة ذكية لتسويق أفضل للعمل، بسبب أنه سيجذب إلى الشاشة جمهور الأغنية، لاسيما إذا كان المطرب الذي تتم الاستعانة به ذا جماهيرية كبيرة.

منتج مسلسل «يا مالكاً قلبي» الذي صورت مشاهده في دبي، الفنان أحمد الجسمي أعرب عن اندهاشه من انتقاد البعض له بسبب استعانته بفايز السعيد، مضيفاً: «ليس هناك منتج يحبذ المخاطرة، وينحاز لاختيار لا يدري تماماً مؤداه، لكن في الوقت ذاته هناك التزام أدبي بأن يلجأ المنتج، لاسيما إذا كان يمتلك الأدوات الفنية التي تؤهله لذلك، لاختيارات غير تقليدية بين الحين والآخر، تسهم في تطور القالب الدرامي الثابت من جهة، وتحقق عنصر المفاجأة للمشاهد من جهة أخرى».

وأضاف الجسمي: «لا يمكن إنكار حقيقة أن الاستعانة بمطرب في السياق الدرامي أمر له تبعات أخرى، أبعد من مجرد اتخاذ قرار كهذا، سواء من الناحية المادية، أو الفنية، فتقاليد العمل وآلية تنظيمه وطبيعة التصوير تختلف، وقد يؤثر ذلك في دولاب العمل، كما أن نجاح التجربة من عدمه يختلف أيضاً باستعداد المطرب الذي وقع عليه الاخيار لدخول عالم الدراما».

الفنانة رزيقة طارش رأت أن الاستعانة بمطرب في سياق المشهد التمثيلي أمر تعرفه صناعة الدراما، ويتم اللجوء إليه وفق مقتضى السيناريو، أما الاستعانة بمطرب لأداء أدوار رئيسة فهو أمر مختلف، ويتطلب عوامل مختلفة أبرزها أن يكون هناك مبرر للجوء إلى مطرب بعينه، كأن يكون الدور أكثر تناسباً معه عن مختلف الفنانين المرشحين له، فضلاً عن أن يكون المطرب نفسه لديه موهبة التمثيل، قبل أن يصقلها بالتمارين والممارسة.

مشروطة

مشاركة المطرب في جوهر العمل الدرامي تبقى مشروطة أيضاً بالنسبة للفنانة فاطمة الحوسني، التي تضيف: «لا يمكن اعتبار تجارب الأغاني المصورة مقياساً لنجاح بعض المطربين أمام كاميرا التصوير الدرامي، الذي تبقى له شروطه الخاصة، تماماً كما أن الطلة على الجمهور عبر خشبة المسرح مختلفة تمام الاختلاف عنها على الشاشة، لذلك فإن هناك شروطاً فنية يجب أن تتوافر في المطرب كي يستوعبه العمل الدرامي، تماماً كما أن هناك شروطاً تفرضها طبيعة كل مهنة تتعلق بالأداء والموهبة والأدوات».

الفنانة الكويتية مريم الصالح رأت أن هناك نوعاً من الاستسهال لدى البعض لولوج عالم الدراما، وهو انطباع سرعان ما يتبدد لدى صاحبه، «لكن بعد أن يكون قد اضطر لخوض تجارب فاشلة، إلا في حالات يكون فيها المطرب قادراً بالفعل على أن يستوعب المتغير الفني بين تجربة الطرب وتجربة التمثيل»، مضيفة: «لا يمكن لأسرة الدراما التلفزيونية إلا أن تحتضن القادمين إليها، لكن في المقابل يجب على هؤلاء القادمين أن يحترموا تقاليدها الفنية، وأن يكون وجودهم فيها مرهوناً باستيفائهم لشروطها، خصوصاً الفنية منها».

صعوبة

المخرج السوري عارف الطويل، الذي يتولى إخراج «يا مالكاً قلبي» من واقع تجربته مع المطربين فايز السعيد وشذا حسون التي لها تجربة تمثيلية أخرى، يرى أن هناك صعوبة كبيرة أن تحكم الخيارات الفنية أغراض المجاملة، مضيفاً: «من الممكن أن يكون إضافة أسماء بعينها ذات شهرة لدى جمهور الأغنية، مؤثراً من ناحية التسويق والترويج للعمل، لكن أمام الكاميرا هنا مهنة وحرفة وموهبة، لا يمكن أن يكون ثمة عمل جيد دونها، وليست هناك أي علاقة طردية بين نجاح الفنان في عالم الطرب لكي يكون ناجحاً بالقدر ذاته في الدراما عموما، والتلفزيونية خصوصا».

وأضاف الطويل: «الفيصل هنا هو مدى توافر الشروط الفنية والأدوات لدى صاحب هذه التجربة، وفي كل الحوال سيبقى الأمر منوطاً باحتضان زملائه في أسرة العمل له، ومدى استجابته لمعايير الاختلاف بين كاميرا التصوير الدرامي التلفزيوني، وغيرها، وهو أمر أزعم أنه تم في (يا مالكاً قلبي)، بشكل احترافي». الفنان فايز السعيد نفسه لم يخف حقيقة أن وجوده في عمل درامي للمرة الأولى بالنسبة له مجازفة حقيقية، مضيفاً: «ظللت شهوراً طويلة، كي أتمكن من اتخاذ قرار حاسم بالمشاركة، ومن خلال المخرج وتوجيهات الجسمي، ومعاونة أسرة العمل أحسب أنني قد اقتربت كثيراً فيه من شخصية الممثل، لأخوض عملاً ستتوقف إمكانية تكراره على مدى تقبل الجمهور والنقاد له أثناء العرض، رمضان المقبل».

وأكد السعيد احترامه لفكرة التخصص والموهبة، مضيفاً: «أعي أن الممثلين المحترفين أقدر مني على أداء الأدوار الدرامية، كما أنني لا أتوقع أن يكون أحدهم ملماً بفنيات التلحين والغناء لمجرد الرغبة في خوض تجربة، لكنني كنت أمام نص، وحماسة فنان قدير هو أحمد الجسمي، والأهم دافعي الذاتي، لخوض هذه التجربة الجديدة».

تويتر