والدته تؤكد: «كؤوس التكريم لم تضمن له حياة لائقة»

مروان عبدالله نجم ينام في المســـرح

صورة

من أكثر العبارات التي تتكرر في جلسات الفنانين الإماراتيين «الفن لا يؤمّن خبزاً لأبنائه»، لكن المعاناة مع الفنان مروان عبدالله الذي يعد من أبرز الوجوه الفنية لجيله، سواء في المسرح أو الدراما والبرامج التلفزيونية، أبعد من ذلك، حيث لم يتمكن، عبر تفرغ كامل للفن فرض عليه «بطالة موسمية»، من توفير مأوى له، ولأمه التي تتقاضى معاشاً متواضعاً من وزارة الشؤون الاجتماعية منذ انفصالها عن أبيه الفنان عبدالله صالح.

وعلى الرغم من أن المنزل الذي لجأت إليه الأم وابنها، تعود ملكيته إلى عدد كبير من ورثة عمها الراحل، إلا أنهما اضطرا إلى المكوث فيه سنوات طويلة، قبل أن يتفاقم وضع البيت بفعل غياب الصيانة، ما أدى إلى وقوع أجزاء من السقف في أماكن متعددة، جعلت أم الفنان تلوذ إلى بيت شقيقتها، فيما لم يجد مروان سوى مسرح دبي الأهلي للمبيت.

مروان الذي اضطر إلى بيع سيارته القديمة في وقت سابق من اجل الإنفاق على صيانة البيت الذي يقع في منطقة الطوار (‬1) بدبي، ويتنقل بوساطة سيارة اجرة في أوقات التمرينات المسرحية، أكد أنه فشل في كل محاولات توفير المال اللازم لإجراء صيانة ضرورية للمنزل. وقال لـ«الإمارات اليوم» إن «الورثة الشرعيين يأتون بين الحين والآخر للمبيت معنا في المنزل على الرغم من وضعيته الصعبة، كما أنهم غير مقتنعين بأن فناناً ووالدته يمكن أن يعانيا أزمة مادية مزمنة».

وأضاف مروان عبدالله الذي ارتبط في وقت سابق مع تلفزيونَي دبي وأبوظبي لتقديم برنامجين ناجحين هما «سوالفنا حلوة» و«سينماتك»، فضلاً عن إنجازه العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية المتميزة، قائلاً «أتقاضى مبالغ مالية جيدة في فترات عملي الموسمية، لكنني في المقابل أجلس أشهراً طويلة في انتظار مكالمة هاتفية من منتج هنا أو هناك للبدء في مشروع جديد، في وقت تستنفد الصيانة المتكررة للمنزل وأعباء المعيشة كل ما أحصل عليه من أجور، وحينما حاولت الحصول على عمل ثابت وجدت جميع الأبواب موصدة أمامي».

ضريبة

أفتخر

عبر الفنان مروان عبدالله عن فخره بانتمائه إلى الوسط الفني، وقال: «أفتخر كوني فناناً، حتى لو لم يكن الوسط الفني قادراً على تأمين الخبز والمأوى لأبنائه»، مضيفاً «أشعر بغصة عميقة حينما أقلب محفظتي فأجدها خاوية، وغصة أكبر حينما أستشعر معاناة أمي وهي بلا مأوى حقيقي، لكن كل هذا لم يتحول عندي إلى غضب وحنق على قدري الذي جعلني فناناً». وقال: «لو لم أكن فناناً لما كنت مروان عبدالله، ولما تمكنت من إخراج كل هذه الشحنة التي بداخلي في صورة أعمال فنية يراها البعض استثنائية، وفي المجمل لو لم أكن فناناً لكنت ميتاً أو غير موجود بالأساس».

وعلى الرغم من أنه يواصل التمثيل الذي أحبه من والده الفنان عبدالله صالح، إلا أنه لا يتمنى أن يكون ابنه فناناً «الفن جعلني أؤجل الزواج حتى الآن، وجعلني غير قادر على القيام بمهامي عائلاً ألمي، لذلك سأحرص على أن يكون حظ ابني أوفر مني».

تابع «لم تسنح لي ظروفي الاجتماعية، وإحساسي بأنني مسؤول منذ صغري عن والدتي، إكمال مرحلة التعليم الثانوي، لذلك فأنا أحمل الشهادة الإعدادية فقط، ما شكل عائقاً حال دون محاولتي الالتحاق بمؤسسة دبي للإعلام في وقت سابق، ومؤسسة أبوظبي للإعلام، وكذلك وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، على الرغم من أن الكثير من الفنانين الذين يعملون في الوزارة يعلمون مدى إخلاصي وشغفي لإفادة المجتمع من بوابة الفن، ومنهم والدي عبدالله صالح، والدكتور حبيب غلوم الذي أعربت له عن رغبتي الملحة في العمل في وزارة الثقافة».

ورأى مروان أن شبح البطالة الذي يلاحقه، حتى في مبيته على خشبة مسرح دبي الأهلي «ضريبة يمكن أن يجد أي فنان نفسه يدفعها ما لم يتمكن من تأمين الوظيفة المستقرة»، مضيفاً «لا يوجد بنك يمكن أن يقبل تمويلي بقرض كي أتمكن من الخروج من مأساة السكن التي تعانيها أمي، لأنه ليست هناك جهة مخولة منحي شهادة راتب، على الرغم من أنني على استعداد لتقاضي المقابل الأدنى في سبيل ذلك».

وقال الفنان إن الكثيرين من أقربائه والمحيطين به تتملكهم علامات استفهام من حقيقة مأساته، ويجدون تناقضاً واضحاً بين صورة الشاب الذي يظهر بكامل أناقته على شاشات التلفزيون وكل ما يتعلق بصورته فناناً، في مقابل حياة حقيقية أخرى بائسة، مضيفاً «هم ربما يتوقعون أنني قادر على تدبير وظيفة بفضل الشهرة، لكن الحقيقة أنني أظل حريصاً على إعطاء صورة مشرفة للفنان الإماراتي، ولا أتردد في أن أتحلى بحسن الهندام من أجل ذلك، في الوقت الذي أرفض فيه أن يكون التحاقي بوظيفة ما من بوابة الوساطة والمحسوبية».

سيارات الأجرة

اعترف مروان عبدالله بأنه ربما يلجأ إلى «الكذب المباح» من أجل هذه الغاية التي لا يريد عبرها أن يحافظ على «الصورة الوردية» للفنان في محيط المجتمع، «ربما يسألني أحدهم عن نوع السيارة المفضلة لي في القيادة، فأجيب بأنها (بنتلي)، ويتوقع أن ذلك يعني امتلاكي لها، في حين أنني زبون دائم لكل شركات سيارات الأجرة في الدولة، حسب مواقع التصوير والتدريب».

وكشف عن أنه تقدم للالتحاق بوظيفة في وزارة الثقافة منذ عام ‬2003، مؤكداً أنه لا يملك الكثير من الخيارات في هذا الشأن. وقال: «التحقت بدورات دراسية توفرها شركة أدنوك وخرجت بما يعادل الصف الأول الثانوي بسبب اضطراري إلي إجراء جراحة في ركبتي، ولم أكمل دراستي حينها لانكفائي على العمل في المسرح، وهي الإصابة التي جعلتني غير لائق صحياً للانضمام إلى جهاز القوات المسلحة أو الشرطة، كحال بعــض زملائي في المسرح».

قلق الأم

تعاني المواطنة (زهرة)، والدة النجم مروان عبدالله، أوضاعاً نفسية سيئة، بعد أن أصبح لقاؤها بابنها عابراً، وفقدت المأوى الذي شعرت بأنه يهدد سلامتها، مشيرة إلى أن أجزاءً من سقف بعض الغرف ودورة المياه تساقطت بالفعل، وأنها كانت تشعر بكثير من الحرج حينما يطرق بابها أحد الورثة الشرعيين مطالباً بحقه في المنزل الذي يعود تاريخ بنائه إلى ‬35 عاماً مضت، قبل ان تضطر إلى مغادرته.

وكشفت أم الفنان أن دخلها الشهري هو معاش تبلغ قيمته ‬3400 درهم من وزارة الشؤون الاجتماعية، فضلاً عن نصيبها في معاش والدها المتوفى، ومقداره ‬1500 درهم. وقالت لـ«الإمارات اليوم» حول خروجها من البيت المتهالك: «ليس لدي خيار آخر سوى اللجوء إلى منزل شقيقتي، لكنني أشعر بقلق كبير على ابني، ونصحته بعدم المبيت في المنزل خشية تعرضه لأي مكروه جراء حالة البيت المزرية، الذي يحتاج إلى صيانة عاجلة، ريثما نسلمه إلى الورثة».

وأضافت «تقدمت بأوراقي إلى مؤسسة محمد بن راشد للإسكان منذ عام ‬2006، ولم يصل دوري حتى الآن، وحينما قمت بمراجعة الموظف المختص أفاد بأن المؤسسة تلجأ إلى ترتيب أبجدي حسب الحروف الأولى لمقدم الطلب، ويتوجب عليّ المزيد من الانتظار، فيما تم ارسال موظف رسمي إلى المنزل منذ ايام قليلة فقط وقام بتصوير جوانب منه، من دون أن يشير إلى أن ثمة حلاً قريباً للمشكلة».

الوالدة (زهرة) التي لم تستطع ان تغالب دموعها أثناء حديثها، أضافت «كل ما أصبو إليه هو أن أكون مطمئنة على ولدي، فهو في حالة نفسية سيئة، وبات يشعر بأن كؤوس التكريم وشهادات التقدير المحفوظة في خزانة خاصة في موضع بارز من المنزل الآيل للسقوط، ويعلوها الغبار الآن، غير قادرة على ان تضمن له حياة تليق بمبدع، لتبقى خشبة المسرح ملاذه الأخير في النوم ليلاً، بعد أن كان يشغلها نهاراً ومساءً بالأداء الفني».

تويتر