تحدث عن «رفيق عمره» في أمسية بـ «اتحاد الكتاب بأبوظبي»

مارسيل خليفة: أحمل قــصيدة درويش في قلبي

صورة

بين وهج حضور يتحدى الغياب للشاعر الراحل محمود درويش، وقسوة فقده؛ جاءت الأمسية التي حل الفنان اللبناني مارسيل خليفة ضيفاً عليها، مساء أول من أمس، ونظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بمقره في أبوظبي، بالتعاون مع جمعية البيارة الفلسطينية في باكورة التعاون بينهما، وتحدث فيها خليفة عن تجربته مع درويش في ما وصفه بـ«جردة حياة، شعر، موسيقى، تاريخ، أمكنة، حاجة ملحة لأن أقول كل شيء لأتخلص من ثقل أشياء عديدة ترمي بوزنها على الذاكرة، كما على الجسد والروح، كأن سنين الحياة تهرب ونحاول أن نلتقطها، أن نستوقفها، نستدعي كل شيء مجدداً، كل تلك السنوات التي عشتها مع شعر درويش، لقد رغبت في نقل الأحداث والتواريخ والانطباعات»، مؤكداً أنه يحمل قصيدة درويش في قلبه، إذ ارتبطت موسيقاه منذ بواكيرها الأولى بشعر صاحب «مديح الظل العالي».

خلال الأمسية التي شهدت حضوراً جماهيرياً ضاقت به قاعة المحاضرات في اتحاد الكتاب، وتابع جانب منه الأمسية وقوفا، توجه مارسيل خليفة بحديثه إلى رفيق عمره الراحل قائلاً: «سأحرث السماء، سأتبع أثر نجمة لألقاك، أرغب في قبضة ريح أحملها في جناحي لأطير إلى جنتك، سنحمل قمح روحك ونزرعه فينا، نشتهي بريق حضورك لنستعيد الدهشة الأولى، أحن إلى صداقة تأخذ عذوبة الحب، أحس بالحر يخترق أعماقي»، مضيفاً «اشتاق إلى قصيدتك المبللة بالندي يا محمود ليسرق المكان انتباهه لأغاني الحب التي ترددت في الأفق البعيد، أغنية يشردها الغياب ويغسلها سحاب ليل ينام بين الأمواج، تقطفه الخناجر وتطويه زغرودة الانتظار». وتساءل خليفة: «كلمات مبعثرة تخرج من هذا الفقد الصاعق، كيف سنشفي روحنا المكسورة ولقد مات شيء فينا، يوجعنا هذا الموت الشديد، وهذا الغياب المحلق في المدى».

ارتباط

قدرة الروح

في بداية الأمسية قرأ رئيس الهيئة الإدارية لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي، الكاتب محمد المزروعي، كلمة كتبها الشاعر محمود درويش بعد سماعه أسطوانة مارسيل خليفة الأولى عام ‬1967 التي تضمنت أربع أغنيات من شعره، قال فيها «لعل أغنية مارسيل خليفة هي إحدى الإشارات القليلة إلى قدرة الروح فينا الآن على النهوض، فعندما كنا نستثني التعبير الثقافي من شمولية ما تعرض له الموقف العربي من انهيار عام كنا ندافع عن أمل شخصي في حماية منطقة من الروح يصعب اجتياحها بالدبابة أو بالعزلة، لقد أغلق القلب حتى صرنا ندهش من تحمل عصفور سماء، وسط هذا الخراب كانت أغنية مارسيل خليفة تنتشل القلب والأجنحة من الركام، كانت قوتها الهشة هي قوة الحياة في حصار السؤال والجواب، فيها وجدنا قوة المأخوذين إلى الموت على الغناء وعلى إبداع مستوى للواقع نمتلك فيه حرية افتقدناها فيما سبق من كلام وإيقاع». ورغم الوقت الطويل الذي قضاه مارسيل خليفة في ختام الأمسية لتوقيع ألبومه «سقوط القمر»، إلا أنه أمام إصرار الحضور الكبير، قدم أغنيته الشهيرة «أحن إلى خبز أمي» لينهي بها الأمسية.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/03/04-321548789633333.jpg

عن علاقته بشعر الراحل محمود درويش، قال مارسيل خليفة «لسنين طويلة ارتبطت موسيقاي بشعر محمود درويش، فتآلفت أعمالنا في ذاكرة الناس حتى صار اسم أحدنا يستذكر آليا اسم الآخر، ولا عجب في ذلك، فكل محطات مساري الموسيقي مليئة بالإشارات إلى شعر درويش، بدءا بـ(وعود من العاصفة) وصولا إلى سقوط القمر، أحسست أن شعر درويش قد أنزل لي وعلي، فطعم خبز أمه كطعم خبر أمي، كذلك عينا ريتا ووجع يوسفه من طعنة أخوته وجواز سفره يحمل صورتي أنا، وزيتون كرمه، رمله وعصافيره، سلاسله وجلادوه، مطاراته ومحطاته، رعاة بقره وهنوده، كلها كلها سكنت في أعماقي، فلا عجب إن ألفت موسيقاي أبياته بشكل طبيعي دونما عناء أو تكلف، يقيني أن شعره كتب لأغنيه، لأعزفه، لأصليه، أحكيه ببساطة على أوتار عودي»، مشيراً إلى أنه كل يوم يبحث عن جديد في شعر درويش، فهو عصي على الإمحاء، إذ انه يستطيع أن يتجدد، ويعيد تأليف نفسه من خلال الموسيقى، وتحويلها إلى أغنية.

ولفت إلى أن «موسيقاه لشعر درويش تنحو باتجاه الشكل الدرامي والتأليف الغنائي الحر غير المسجون في ضوابط محددة سلفاً، وهكذا لا تقطع مع الطرب إنما توازن بينه وبين الاهتمام بمخاطبة وعي المتلقي، مدشنة بذلك علامة مبتكرة مع الجمهور وهادفة إلى إعادة تشكيل الذوق السائد مع عالم صوتي جديد معبر عن معطيات جديدة، بناء مقتصد وحريص على عدم الوقوع في الوسائل التزيينية والزخرفية القائمة على إغراءات السهولة»، معتبراً أن «هذا اللقاء يمثل لحظة انتقال بالأغنية العربية بين عالم الانفعال السلبي إلى مجال العقل الإيجابي. والموسيقى اعتبرها جزءاً من حياتي، منذ وعيت الحياة. الموسيقى تتملكني، لقد سلكت طريق الموسيقى عبر الشعر، ووصلت إلى مرحلة أن اقرأ القصيدة موسيقياً».

سر الفرح

استطرد مارسيل خليفة «لقد بحثت مع درويش عن أغنية تقودنا إلى المستحيل، ترشدنا إلى الدروب المجهولة لنبلغ سر الفرح. لا أستطيع أن أشرح ما كتبت من موسيقى لقصائد وأغنيات. نداء شعر درويش تشرد في أعماق قلبي الذي ينبض بوحشية ولا أعرف كيف أهدئه، أبحث وأحاول القبض على الأغنية كي لا تفلت مني، إنها لعبة عبثية. صراع من أجل المستحيل، ظل وراء الاندهاش، بحث في الظلام، يوماً بعد يوم تأتي القصيدة لأنسجها بألحان جديدة مثل تنهيدة، مثل همسة. في (سقوط القمر) أحمل قصيدة درويش في شفاه قلبي، أسدل بلذة وشاح الصباح الندي». موضحاً أن «سقوط القمر» لم يولد من نزوة طائشة، «إذ خرج على منوال إيقاع الحب من نار لا يوقدها حطب البراري، نعبث لينطلق المستحيل ونكتبه على ألواح الحياة. نعبث لئلا يضيع منها الجميل وينكسر، نبحث من جديد عن المعنى، وحده الحب في هذا العالم كان يفهمنا، يقيم فينا ينادينا، يحمينا من فضول المساء، ومن بخار البن في الفنجان». واستعرض خليفة في الأمسية التي قدمها الناقد الدكتور معن الطائي محطات من حياته وعلاقته بدرويش، من بينها بداية تعلمه للموسيقى والعزف على العود وهو في الـ‬16 من عمره، إذ كان عليه أن يذهب من ضيعته (عمشيت) إلى بيروت مرتين أسبوعياً لتلقي دروس الموسيقى، وخلال هذه الرحلة تعرف إلى القضية الفلسطينية وهو يمر في طريقه على المخيمات.

كما توقف مارسيل أمام بداية تلحينه لقصائد درويش بعد حرب ‬1967، عندما توقفت الحياة، ووجد نفسه وحيداً مع العود، ودواوين درويش، كذلك اللقاء الأول مع درويش وبعض الحفلات والفعاليات التي حضرها معه. وتوقف خليفة أيضاً عند محاكمته بسبب أغنية «أنا يوسف يا أبي» عام ‬1999، وحصوله على جائزة أكاديمية «شارل كروس» لعمل «تقاسيم المهدي» لمحمود درويش، ثم وداعه للشاعر الراحل في مكالمة هاتفية لم يقل له فيها وداعاً.

تويتر