رحلة العقيق والذهب من بغداد إلى ميتشيغن ثم دبي

إيفيت ميخو: مجوهراتي تحمل حكايـة الآشوريين

صورة

وظفت المصممة العراقية ايفيت ميخو فكرة «الأنتيك» في مجوهراتها المستوحاة من الحضارة الآشورية، وتحديداً من كنوز الملك نمرود، التي أثرت فيها كثيراً، ما انعكس على حليها ليصبح رمزاً للتراث العراقي الأصيل، فيما تصاميمها المعطرة برائحة الفيروز والعقيق المعتق صارت تحفة فنية مطعمة بدنانير الذهب المعروفة قديماً بـ«الليرات».

دخلت ميخو عالم التصميم بمحض المصادفة، فلم تبق زوجة مسؤول عراقي في الثمانينات لم تقتن مجوهراتها، وكذا نساء الطبقة المخملية من المجتمع، والطبيبات والوزيرات وزوجات الدبلوماسيين، ومنهن زوجة السفير الأميركي في العراق في ذلك الوقت، فعندما كانت ميخو في السادسة عشرة من عمرها كانت تلاحظ بإعجاب «مسبحة» لم تفارق كف والدها، وكانت جمالية هذه «المسبحة»، كما تذكر، في الحجرين المصنوعة منهما، وهما الكهرمان والعقيق الحر.

في تلك الفترة، وتحديداً في البلدان العربية، بما فيها العراق، الذي كان يزخر بالإبداع في جميع المجالات، ومنها صياغة الذهب، كان دارجاً إهداء الليرات الذهبية في المناسبات السعيدة، فحصلت ميخو على عدد من الليرات التي باتت تجمعها وتحتفظ بها، إلى أن قررت إعادة صياغتها مع إضافة عدد من الأحجار الكريمة وتحديداً العقيق الذي يذكرها بوالدها، وصنعت أول قطعة مجوهرات احتفظت بها لنفسها، وكانت عبارة عن سلسلة.

المجتمع العراقي

من هنا أصبحت تلك القطعة التي صممتها ميخو بمثابة أيقونة، جذبت إليها جميع سيدات المجتمع العراقي، اللاتي طلبن منها تصميم قطع شبيهة لهن، خصوصاً السيدات العاملات في مناصب قيادية، وساعد على رواج تصاميم ميخو عملها في السفارة الأميركية في العراق، وتحديداً في أحد اللقاءات مع زوجة القنصل الأميركي، التي أعجبت بالسلسلة التي كانت ترتديها، وطلبت أحد التصاميم لتقتنيها، وبدورها زوجة السفير الأميركي أعجبت بذات القطعة ولم تتردد في شراء أحد تصاميم ميخو.

كانت المصممة تمتلك «غاليري» لعرض تصاميمها الفريدة والمحدودة في منزلها، إذ لم تتجاوز المجموعة المطروحة للبيع نحو ‬40 قطعة فقط، تختلف إحداها عن الأخرى، الأمر الذي أسهم في زيادة الطلب على تصاميمها، خصوصاً أطقم العقيق والفيروز المطعم بدنانير الذهب، والأساور الذهبية المشغولة باللؤلؤ الحر، بل صارت السيدات يحضرن قطعاً ذهبية قديمة لتحولها ميخو إلى قطع عصرية وحديثة تتناسب مع ما كان دارجاً في تلك الفترة.

وبلغت تصاميم ميخو مجدها في أواخر الثمانينات، فتوسعت في تجارتها مع حفاظها على جودة المنتج النهائي، لاسيما أنها ترسم تصاميمها بنفسها، فيما تستعين بصاغة المجوهرات في تنفيذ الرسومات بالذهب، أما بقية مراحل التصميم والتنفيذ فتقوم بها ميخو بنفسها، كما تستعين بخمس عاملات لعرض المجوهرات، وتلقت ميخو طلبات تصميم قطع فريدة من وزراء عراقيين في تلك الفترة، منهم وزير سابق طلب عقداً خاصاً لابنته، كما اقتنت طبيبة خاصة لإحدى الشخصيات المعروفة في العراق عقداً أبهر سيدات المجتمع العراقي، الأمر الذي فتح امامها فرصة لتصميم مجوهرات لسيدات معروفات امتنعت ميخو عن ذكر أسمائهن.

وفي عام ‬1990 سافرت ميخو إلى أميركا لزيارة أقارب لها، إلا أن تلك الزيارة استمرت أكثر من ‬20 عاماً، حين لم تتمكن من العودة إلى العراق لظروف الحرب التي كانت في تلك الفترة، مخلفة وراءها كل شيء جميل يمكن أن يذكرها بالعراق؛ بما في ذلك تصاميمها وتجارتها وزبائنها، لتشق الطريق من بدايته في أميركا، لكن في خياطة وتصميم فساتين العرائس.

عودة للمجوهرات

حول عودتها وحنينها للمجوهرات، قالت ميخو لـ«الإمارات اليوم»: «مع صعوبة الوضع في العراق قررت وأسرتي أن نستقر في أميركا، وتحديداً في ميتشيغن، هنا نصحني زوجي بأن أفتح متجراً لبيع فساتين الزفاف، لاسيما أنني مصممة أزياء وأعرف تفاصيل الخياطة والتطريز، وعلى مدى ‬20 عاماً في أميركا صرت أمتلك أحد أفضل محال فساتين الأعراس، إلا أن حنيناً ما بداخلي دفعني إلى العودة لتصميم المجوهرات»، لكن سيدات المجتمع الأميركي تختلف ذائقتهن عن العربيات اللواتي يفضلن الذهب الخالص، تستدرك ميخو، وتضيف «الأميركيات يعشقن اللؤلؤ الذي يعد جزءاً ضرورياً لابد من وجوده في خزانة كل عروس».

ولفتت إلى أن صناعة الأزياء تزخر بالإبداع «إلا أن العشق الأول للمجوهرات جعلني أترك بوتيك الأزياء لإدارة زوجة ابني، لأتفرغ لتصميم المجوهرات التي من خلالها أشعر بأنني في العراق»، وتضيف «مجوهراتي فيها حفاظ على التراث القديم الممتد لآلاف السنين، لكنني أطرحها بتصاميم عصرية تتناسب مع أذواق السيدات اللاتي يفضلن في الوقت الحالي أساور اللؤلؤ الناعم المشغول بقطع الذهب المزخرفة، إضافة إلى أطقم خاصة من العقيق والذهب».

وتتابع المصممة العراقية «قبل أربع سنوات انتقلت إلى العيش في دبي، الجميل أنني التقيت بعدد لا بأس به من السيدات العراقيات اللاتي تعاملت معهن سابقاً، الأمر الذي دفعني إلى مواصلة تصميم المجوهرات، إلا أنني مقلة في التصميم، ففي العام أنتج ‬30 قطعة كحد أقصى، وذلك لأنني أحب التأني في تصميم المجوهرات وإعطاء كل تصميم حقه من الإبداع، كما أنني أصنع عدداً قليلاً جداً من كل قطعة، الأمر الذي يجعل التصميم فريداً من نوعه، وحالياً تفضل النساء العقود والأقراط الطويلة والأساور الكبيرة الحجم، لكن الناعمة، على أن تكون متنوعة بالأحجار الكريمة والذهب الخالص عيار ‬21».

تويتر