معرض «الجمعية العام» رصد 3 عقود على تطور الحركة التشكيلية في الإمارات

أعمـــال تختـزل أحــلام وهمــوم 43 فناناً

صورة

زخم لوني ورؤى بصرية وأفكار فنية تتبلور من خلالها أعمال إبداعية تتفاوت قوتها بحسب احترافية وموهبة وفكر منتجها، هناك في متحف الشارقة للفنون اجتمع 43 فناناً تشكيلياً من دول مختلفة ومن بيئات ثقافية واجتماعية متفرقة، واختزل كلٍ منهم أحلامه وآماله وذاكرته في لوحة فنية تقليدية أو عملٍ تركيبي وآخر نحتي، أو ربما صور فوتوغرافية وحتى صور متحركة ضمن فنون الفيديو والأداء الحركي، ترقى للمشاركة في الدورة الـ30 للمعرض السنوي العام لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، الذي يعكس واقع الحركة التشكيلية الإماراتية المعاصرة.

جنود مجهولون

استعان المقيم العام للمعرض العام خليل عبدالواحد بفريق فني قدم الاستشارات والمساعدات الفنية، وتعاون بشكل كبير مع المقيم للخروج بالمعرض في صورته النهائية، ومنهم الفنان محمد القصاب والفنانة ابتسام عبدالعزيز، وحول العمل الاستشاري قالت عبدالعزيز إن «الفريق قام بفرز وتوزيع الأعمال المقدمة للمشاركة في العرض، إلا أنه لم يتدخل في العمل التقييمي الذي كان في صلب مهام المقيم العام، الذي استعان بنا في مسائل التنفيذ والاشراف على توزيع الأعمال وتحديد المكان المناسب لكل عمل، استناداً إلى تناغم وتجانس أفكار الأعمال مع رؤية المقيم البصرية، كما تمت متابعة الكليات والجامعات والتواصل معهم لإشراك أعمال الطلاب ضمن المعرض».

وأكدت أن «الفريق قدم استشارات فنية لفنانين تقدموا بأفكار أعمال جيدة، لكن المحصلة النهائية لتلك الأعمال أضعفت من الفكرة، وهنا تدخل الفريق لغرض تطوير الأفكار وتحسين العمل، كما قدمنا نصائح فنية وتقنية لفنانين كانوا يفضلون الاستعانة بأصوات مصاحبة للعرض دون أن تخدم العمل، فضلاً عن التدخل في تغيير بعض الأعمال أثناء عرضها وتركيبها، لاسيما إذ كانت الأفكار جيدة وطريقة التنفيذ متذبذبة».

وشاركت الفنانة ابتسام عبدالعزيز في فكرة عمل «بورتريه شخصي» يعتمد على فكرة التخاطب مع فئات عمرية مختلفة في الاعتماد على علم النفس وكيفية رؤية الانسان لأبعاد وزوايا الأمور، وفي العمل نوع من السخرية والغموض، فالشخص الذي رسم اللوحة ليس هو الفنان إنما المشاهد والموديل المرسوم هو الفنان نفسه، إذ قام المشاهدون برسم ما يعرفونه عن الفنان وما يجول في خاطرهم نحوه ورسم انطباعاتهم عنه، من هنا تفاوتت اللوحات بحسب المشاهد الذي قد يرى الفنان شكلاً خارجياً فقط، أو اسقط أموراً وأبعاداً نفسيه تجول في خاطره حول الفنان، والجميل أن العمل شارك في تنفيذه أطفال، إضافة إلى بالغين من الجنسين.

130 عملاً هو ما يميز المعرض السنوي العام، الذي افتتحه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، أول من أمس، ويستمر لغاية 21 فبراير الجاري، خصوصاً في وجود ذلك التنوع في أساليب الطرح والمضامين والتقنيات، إذ تتفرع الأعمال إلى فنون معاصرة مثل الرسم وفنون الفيديو، إضافة إلى الأعمال التركيبية وفن الأداء الحركي والمجسمات وأعمال الفيديو التي أنتجها فنانون تشكيليون إماراتيون ومقيمون ومشاركون من خارج الدولة، وذلك لقصد تبادل الخبرات وتفعيل اللقاء المباشر مع الفنانين من أصحاب الانجازات الفنية والمساهمين في تطوير الحراك الفني في دولهم، وبالتالي الاستفادة والاطلاع على تجاربهم الفنية.

نقلة نوعية

قدم المعرض الذي امتد لثلاثة طوابق كامله وضمن 30 غرفة عرض، أعمالاً بإمكانها ان تحدث نقلة نوعية في الحراك التشكيلي الإماراتي، وذلك بحسب المقيم العام للمعرض خليل عبدالواحد الذي قال لـ«الإمارات اليوم» إن «قوة المعرض دليل واضح على تطور الفنانين أنفسهم، الأمر الذي انعكس على الأعمال المطروحة التي واكبت بشكل كبير النتاج العالمي السائد في الوقت الراهن ضمن أشكال فنية وأعمال تنوعت في تعاطيها للفنون بمظهرها التقليدي المتمثل في اللوحة المسندلة والمنحوتة، وكذلك المظهر المعاصر المتمثل في فنون الفيديو والأداء الحركي وفنون التركيب».

ولفت إلى أن «للاستشاريين الفنيين دوراً كبيراً وأثراً مهماً في احداث تغيير على مستوى المعرض الذي وبحسب الفنانين أنفسهم أو حتى المهتمين بالساحة الثقافية والفنية في الإمارات أكدوا أن المعرض العام في دورته الـ30 جاء بأعمال وتجارب فنية زخمة ومتطورة ولا تقل أهمية عن التجارب العالمية، إذ يعود ذلك إلى مساعدة الفنانين محمد القصاب وابتسام عبدالعزيز اللذين قدما استشارات فنية كان لها أثر واضح ولمسات خاصة في تنفيذ المعرض، لاسيما وأن ابتسام عبدالعزيز مرت بتجربة تقييم المعرض في دورته الـ،28 وكانت من أفضل الدورات على الاطلاق».

تجارب مؤثرة

حول الأعمال الفنية المعروضة أكد عبدالواحد أن «هناك أعمالاً برزت بقوة وأحدثت نقلة نوعية للمعرض، منها عمل الفنان والكاتب محمد المزروعي الذي اتاح للمتفرج حرية التنقل بعشوائية بصرية داخل المرسم أو الاستوديو الخاص بالفنان، فكانت هناك كمية من الأعمال والأشياء التي لا يخلو منها أي مرسم فني، إذ تمكن المزروعي من خلق تجاوزات نوعية يمكن للمتفرج من خلالها التعرف إلى بعض الآليات الاستقرائية للفن».

وأوضح عبدالواحد أن «عمل الفنان مطر بن لاحج، تحت عنوان (لغة تنعي نفسها)، كان حديث الجميع، لاسيما وأنه قدم عملاً نحتياً على شكل نصب اعتبره رسالة لإنقاذ اللغة العربية التي تعاني التهميش والاهمال والهجران، وتتكون المنحوتة من ثلاث كتل معدنية، كتلة الوسط تحمل جثمان اللغة العربية، بعدما أصيبت في مقتل أدى إلى تمزيقها بعد ان اخترقها رمح الثقافات الدخيلة المنبسط تحت حرف الضاد، وبالتالي سيلان دماء اللغة وجسدها بحرف الهاء المتناثر بكثره تحت الجسد المصاب في دلاله إلى استغاثة اللغة».

ثقافة الإنسان

ليس بعيداً عن الأعمال القوية، هناك عمل الفنان محمد القصاب، الذي استخدم في عمله «حياة الألمونيوم» مواد من ثقافة الإنسان وبيئته المحلية من أواني طهي وأسلاك وإطارات النوافذ، إذ يبرز العمل التجاوب الواضح مع بعض وحدات الألمونيوم الاستهلاكية بلونها المعدني الناصح، وهي تتراص بأحجامها المختلفة محفزة بذلك العين والبصيرة على استلهام بعض من مكوناتها اللصيقة بالحياة اليومية، التي ترتكز بوضعياتها الكائنة على خواص تشكيلية عدة منها التنغيم والتكرار والتوالي، حيث يمكن ملء القدور والأواني باحتياجات ورغبات ذاتية.

أفكار مكررة

حول تكرار أفكار بعض الأعمال، قال عبدالواحد إن «تكرار الأفكار لا يؤثر كثيراً في المعرض، وذلك لأن الفكرة المكررة تتم معالجتها وانتاجها بطريقة تختلف من فنان إلى آخر، إذ هناك تنوع كبير في طرح الفكرة والنتاج النهائي للعمل». ولفت إلى أن «هناك أعمالاً فنية تم تغييرها أثناء فرزها، خصوصاً أنها قد تضعف الفكرة القوية في الأساس، بالتالي تم ارجاع أعمال ورفض أخرى، بما تقتضيه مصلحة المعرض ومسيرة الفنان، كما أن هناك أعمالاً تم تغيير توزيعها ومكان عرضها في المعرض، وذلك لاختلاف العمل والتنفيذ النهائي عن الفكرة التي جاء بها الفنان بالصورة والحجم الصغير».

غموض وذاكرة

قدم المعرض عدداً كبيراً من الأعمال الفنية، منها عمل «استرجاع» للفنان جاسم ربيع وهو صور مطبوعة على ورق، خلصت إلى مزيج من الحزن الخفي على الذاكرة المفقودة والتائهة في صحراء النسيان، وعدم المقدرة على التخلص منها بحكم تداخلها مع أحداث أخرى. كما شارك الفنان خالد البنا في المعرض، بعمل خلايا وهو عمل كولاج ومواد مختلفة، ويسعى من خلال عمله لقراءة الخلايا النائية والمتناهية في الصغر ومحاولة التأمل للتعرف وفهم ما تحمله تلك الخلايا من طبائع مادية وروحية، وبالتالي التعرف إلى الجسد الكلي.

وعرض الفنان سعيد الشامسي عملاً يتجاوب مع التطور التكنولوجي الهائل في تقنيات الاتصالات، واعتمد في عمل «الهاتف» على مظهر الهواتف العمومية في مختلف الدول التي كانت وسيلة التواصل بين الناس قبل أن تحل مكانها الهواتف النقالة.

في لوحة «طير الغابة» التي شارك الفنان عبدالرحمن المعيني بها، عبر عن طبيعة البيئة التي عاشها برموز وأشياء غير واضحة وغير مألوفة لدى كثيرين غير الفنان نفسه، فرموز أعماله تلك تتسم بالغموض والتأمل والضياع، رغم استخدامه وتوزيعه الألوان التي تريح العين وتدل على الاستقرار، وبالتالي هو أراد نسج قصته من وحي الخيال.

«عمل فني يلبس» هو أحد أعمال الفنانة ماجدة نصر الدين، وهو عبارة عن لوحات غاية في الصغر مشغولة بتقنية اللوحة الضخمة، وتتآلف مع بعضها أحياناً وفي أحيان كثيره تتضاد، لكن محصلة ذلك هو عمل فني واحد، رغم اختلاف الأحجام.

ومن أعمال الفيديو قدمت الفنانة منى عبدالقادر عمل فنون الفيديو بعنوان «منظار»، وهو يتحدث عن طريقة رؤيتنا للحياة ومدى تأثير هذه الرؤية في قراراتنا ومشاعرنا، على اعتبار أنها المحرك الرئيس لكل تصرفاتنا، وتختلف من نظريات ايجابية أو سلبية، وفي العمل صبي يصنع لنفسه منظاراً من الورق، ويرى من خلاله مشاهد من الحياة منها البشع والجميل.

تويتر