الدراما المحلية إنتاج خجول.. وصناعة لم تصل إليها «السعادة» (2-3)

المسلسل الإماراتي.. الغائبون كُثر هذا العام

صورة

ثلاث ظواهر رئيسة تفصح عنها الدراما الإماراتية، التي لا تُنتج جديداً إلا في رمضان، منذ سنوات ما بين انكماش أدى إلى تراجع عدد المسلسلات المحلية إلى نسبة 50%، مقارنة بشهر رمضان الماضي، وتوقف عدد من المنتجين، بعضهم أعلن مغادرة ساحة الإنتاج المحلي نهائياً، فضلاً عن هيمنة واضحة للأعمال الكوميدية، ليُسجل المسلسل الاجتماعي المحلي المعاصر غياباً لصالح استحضار بيئة تراثية ماضوية.
«الإمارات اليوم» تفتح في هذا التحقيق ملف الدراما الإماراتية، محللة ظاهرة التراجع، وتداعياته، وإلى أي مدى ينسحب على نوع ما يُقدم، مدققة في مدى صحة مقولات تُرَوَّج، تفترض محدودية فرص هذه الصناعة الوطنية، وغيرها مما يتم ترديده ويُتعامل معه باعتباره حقائق، أو مسلمات، وصولاً إلى النتائج والحلول.


الغائبون عن الموسم الدرامي الأكثر بروزاً في الإمارات، وهو الموسم الرمضاني، كُثر، وبعضهم يغيب نهائياً بغياب دوره منتجاً، في حين أن آخرين فضلوا حضورهم ممثلين، ولو بأدوار شرفية، كانت بالنسبة لهم طوق النجاة من الغياب التام.

جاهزون للدعم

قال رئيس جمعية المسرحيين الإماراتيين، الفنان إسماعيل عبدالله، إن «الجمعية جاهزة لتقديم كامل الدعم الفني، على صعيد استيعاب وتنظيم ورش وبرامج من شأنها دعم وتنمية تجارب ومواهب الكتابة»، في شتى أنماط الكتابة الدرامية.

وأكد عبدالله، الذي يغيب (كاتباً) هذا العام عن الدراما التلفزيونية الرمضانية، بعد تجربتين أوليين متتاليين، هما كتابة نص «لو أني أعرف خاتمتي»، وسيناريو «خيانة وطن»، اللذين عُرضا على شاشة تلفزيون «أبوظبي» خلال الموسمين الماضيين، أن هناك الكثير من الأقلام الإماراتية الواعدة والمبشرة، سواء في مجال الكتابة للمسرح أو التلفزيون، أو حتى السينما، فضلاً عن وجود العديد من المسابقات المحفزة التي تتم رعايتها في هذا المجال. وعلى الرغم من تفاوت المجال الإبداعي، إلا أن عبدالله، الذي يشغل أيضاً منصب الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، أكد حقيقة أن كثيراً من الكتّاب الذين أبدعوا في مجال الكتابة للمسرح، قادرون على إلهام ساحة الدراما عموماً بتجارب مختلفة، لاسيما أن الأول يظل «أبوالفنون»، مرحباً بأي تعاون تحت مظلة «الجمعية» مع المؤسسات المختلفة، من اجل استيعاب وتنمية المواهب الإماراتية في مجال كتابة النصوص الدرامية.

«أحاديث واهية»

الفنان والمنتج سعيد سالم، الذي قدم تجارب إنتاجية عدة، بعضها في مراحل سابقة ضمن عمله بإدارة الإنتاج في تلفزيون أبوظبي، وبعضها حديث بشكل مستقل، ومنها «أيامنا الحلوة»، الذي عُرض على شاشة «سما دبي» و«سوالف الدار» على تلفزيون الشارقة، أكد أن معضلة الدراما الإماراتية تظل «إنتاجية» وليست «فنية» في المقام الأول. وأضاف: «الإنتاج سابق للنجومية والمقدرة على التسويق وليس العكس، وإذا كان البعض يرى أن الدراما الإماراتية تفتقد البريق والجاذبية خليجياً وعربياً، فهذا أدعى إلى دعمها ومساندتها». وتساءل سالم: «أين كان جابر نغموش قبل (حاير طاير)؟ وكيف تجاوز عبدالله زيد مرحلة نمطية الأدوار، وصولاً لانتشار ونجومية إلا من خلال توافر فرص مهمة لتقديمه في أدوار لائقة، مثل دوره في (حبة رمل) وغيره؟».
وأكد سالم أن «أحاديث معوقات اللهجة الإماراتية، وخفوت النجومية، وحتى ندرة النص الجيد، تبقى أحاديث واهية، ومبررات غير مقنعة، لا تخفي حقيقة أن الإنتاج الدرامي بحاجة لأن يكون مدعوماً من قبل إدارات الإنتاج في التلفزيونات المحلية».


- «كثير من الفنانات الإماراتيات القديرات تراجع حضورهن وتلاشى على الشاشات المحلية، فأين هدى الخطيب، ورزيقة طارش وغيرهما، فأنا لست استثناء من هذه القاعدة».

- «انسحب كثير من المنتجين، مثل أحمد الجسمي وجمال سالم وحبيب غلوم، حتى إن سلطان النيادي يكتفي منذ سنوات بعمل وحيد، وهذا يعني أننا في مأزق».

- الإشكالية التي تقف أمام المنتج الإماراتي، هي أنه فنان في المقام الأول، وليس تاجراً يهدف إلى مجرد الربح، لذلك فإن التوقف يظل صحياً ومطلوباً أحياناً، وأفضل في كل الأحوال من إنتاج عمل ضعيف وتجاري.

- التحجج بعدم اعتياد المشاهد الخليجي على الدراما التي تتكئ على اللهجة الإماراتية، أو غياب النجم الذي يروج لتسويق العمل هو من الأفكار المغلوطة.

وما بين التوقف أو انحسار الأدوار في ظل عقبات عدة يواجهها هذا القطاع، مقابل محفزات غائبة، أعلن المُنتج، والكاتب جمال سالم، تفكيره في التوقف التام عن إنتاج مشاريع دراما محلية، مضيفاً: «توقفي هذا العام قسري، وليس اختيارياً، ظروف إنتاج الدراما المحلية تبدلت، وأولوية الإنتاج في محطاتنا الفضائية، لم تعد في مصلحة المُنتج الوطني».

وتابع: «أعيد حساباتي في هذه المرحلة، وقد أتوقف عن الإنتاج المحلي، وربما تقودني الخطوة التالية إلى التركيز على إنتاج دراما خليجية، وليست محلية».

وحول مقولة إن العمل الإماراتي لا يُسوق خليجياً، قال سالم «أولويتي، كسائر المنتجين الإماراتيين، إنتاج دراما محلية في المقام الأول، وليست خليجية، مضيفاً: «بلسان المنتج، ولسان الكاتب، ما يهمني في المقام الأول، هو وصول نتاجي إلى المشاهد المحلي، وتعبيره عن قضايا تمسه، وهو ما سيكفل للعمل النجاح، لتبقى قضية انتشاره خليجياً أو عربياً تبعية».

واعتبر صاحب «حبة رمل»، و«زفاف ملكي»، أن مقولة «العمل الإماراتي لا يُسوق خليجياً، أضحت لدى البعض بمثابة مسمار جحا، وشماعة لتعليق الأخطاء المترتبة عن غياب التخطيط المنهجي لاستيعاب إنتاج محلي».

من أبرز الوجوه التي تواصل غيابها كمنتجة، الفنانة سميرة أحمد، وهو غياب كاد يتواصل كممثلة أيضاً، لولا قبولها بدور شرفي، أمّن لها 20 مشهداً في مسلسل سوري جديد، يتم تصويره في الإمارات للعرض على شاشة تلفزيون أبوظبي، حيث تضيف: «بعد كل هذه السنوات والطريق المبكر مع الفن، أصبحنا في عداد المنسيين، وحتى مشاريعنا الإنتاجية الوطنية لا تجد من يهتم بها في قنواتنا المحلية».

وتابعت سميرة، التي أنتجت أعمالاً عدة وجدت طريقها لشاشات شبكة قنوات دبي، وشركة أبوظبي للإعلام، وقامت بأدوار البطولة في مسلسلات درامية لاتزال في أذهان المشاهدين: «حال المنتج الإماراتي في العموم، كحالي تماماً.. لا أحد يطلبك، لا أحد يرفع سماعة هاتفه، ويبشرك: نبغيك.. وحينما تُقدم مشروع إنتاج يتواكب مع تطلعات المرحلة الحضارية التي تمر بها الدولة، فإن رفضه يبقى أقرب من قبوله».

وقالت سميرة أحمد: «لم يتم إنصافي، سواء كمنتجة أو فنانة، أو بنت بلاد، وتعرضت للإقصاء والإحباط من مواقع يُفترض أنها المخولة بمنحي الفرصة، وإحدى دلائل ذلك مشروعي الأخير بتحويل رواية (عيناك يا حمدة) للكاتبة آمنة المنصوري، إلى مسلسل تلفزيوني يوثق لمسيرة المرأة الإماراتية قبل وبعد الاتحاد، تم رفضه، والمسوغات تبقى حاضرة دوماً».

وأضافت: «كثير من الفنانات القديرات الإماراتيات تراجع حضورهن وتلاشى على الشاشات المحلية، فأين هدى الخطيب، ورزيقة طارش، وغيرهما، فأنا لست استثناء من هذه القاعدة التي تميل لمصلحة شقيقاتنا الخليجيات على شاشتنا المحلية، وفق معادلة لا يتم التعامل فيها بالمقاييس ذاتها بين طرفيها: التلفزيونات المحلية، ونظيرتها الخليجية».

وتابعت: «إنتاجياً انسحب كثير من المنتجين الذين أمتعونا بأعمالهم، مثل أحمد الجسمي، وجمال سالم، وحبيب غلوم، حتى إن سلطان النيادي يكتفي منذ سنوات بعمل وحيد، وهذا يعني أننا في مأزق».
ورفضت سميرة أحمد بشكل قاطع ما يُردد بشأن أن من أبرز عوامل عدم تسويق المسلسل الإماراتي «اللهجة» أو «عدم وجود نجم استطاع أن يحقق جماهيرية خليجية»، أو حتى «ضعف النصوص»، مضيفة: «اللهجة الإماراتية ليست عائقاً، ولن نتخلى عنها للتغطية على حجج واهية، وقد اضُطررنا في بداياتنا لقبول أدوار بلهجات أخرى، لكننا الآن في وضع مختلف، وتغييب لهجتنا المحلية سيكون بمثابة طمس للهوية».

وتابعت: «رفضت أخيراً عملاً سعودياً، بسبب تمسك جهة الإنتاج بأن يكون دوري فيه باللهجة السعودية، وهكذا تحرص المؤسسات المختلفة على استحضار لهجاتها الوطنية، في الوقت الذي تؤدي فيه ممارسات لجان مسؤولة عن الإنتاج الدرامي في بعض مؤسساتنا التلفزيونية إلى عكس ذلك».

وأضافت: «الترويج لفكرة أن النجم الإماراتي لا يُسوّق خليجياً، ترويج مضلل، وإلا لماذا نبقى مطلوبين في أعمال خليجية، وماذا نُصنف الشغف والمحبة والتقدير الذي يحققه نجومنا في كل محفل، لكن تبقى القضية أن الفنان الإماراتي يقدم فنه دون دعم مؤسسي، وبشكل فردي، خلافاً لسوانا».

وبعد إنتاج ثرٍّ، لم تغب أعماله عن شاشات العرض على مدار أكثر من عقد، يغيب الفنان أحمد الجسمي هذا العام، منتجاً، عن الموسم الدرامي الرمضاني، ليشكل قبوله بدور في مسلسل «رمانة» بطولة الفنانة الكويتية حياة الفهد، ويبث على شاشة تلفزيون دبي.

وعلى عكس ما ذهبت إليه سميرة أحمد وجمال سالم، يرى الجسمي أن غيابه هذا العام لا يشكل مشكلة حقيقية، سواء بالنسبة له أو لشركته، مضيفاً: «الغياب الإنتاجي بالنسبة لي لا يعني الانسحاب، وسأعود الموسم المقبل بأفكار جديدة، وانفتاح أكبر».

وأضاف: «من ميزات الغياب العابر، أنه منحني فرصة أوسع لمراقبة الساحة، وتطوير الأفكار الإنتاجية، والأهم المشاركة في عمل خليجي أتوقع أن ينال رضا الجمهور، وهذا يظل مطلوباً بقوة بالنسبة للفنان المنتج».

صاحب شركة «سبوت لايت» الفنان حبيب غلوم، الذي يغيب هذا العام إنتاجياً، بعد محافظته على حضوره، منذ إعلانه تأسيسها، على مدار عامين بعملين مختلفين، يؤكد أنه انسحب هذا العام من سباق الإنتاج بسبب «عدم مجاراته متطلبات سوق الإنتاج، وتطلعه لعمل نوعي».

وتابع: «المشاريع الإنتاجية تظل مطروحة، لكن أن تصل إلى التوافق بين قناعاتك كفنان منتج من جهة، وقناعات وخيارات إدارات الإنتاج الدرامي في بعض القنوات الفضائية من جهة أخرى، فتلك هي القضية التي تؤمن لك استمرارية الإنتاج، وهو أمر ينسحب على الإنتاج الخليجي عموماً، وليس المحلي فقط».

وتابع: «الإشكالية التي تقف أمام المنتج الإماراتي، هي أنه فنان في المقام الأول، وليس تاجراً يهدف إلى مجرد الربح، لذلك فالتوقف يظل صحياً ومطلوباً أحياناً، وأفضل في كل الأحوال من إنتاج عمل ضعيف وتجاري».

«أُجزم بأن الجمهور الخليجي متابع جيد وشغوف بالدراما الإماراتية»، بهذه العبارة القاطعة، أكد المنتج والفنان سلطان النيادي، رفضه دعاوى أن المسلسلات المحلية ليس لها حضور أو شعبية لدى جمهور الدراما الخليجية، مضيفاً: «هي جزء من مقولات قديمة - جديدة، مللنا سماعها، وتفتقر إلى أي إحصاءات دقيقة».

وكشف النيادي أنه يفكر في التوقف عن الإنتاج بشكل نهائي، مضيفاً: «استمرار حالة غياب الدعم المؤسسي للمنتج الإماراتي ستقودني لا محالة إلى هذا القرار».
وأضاف النيادي: «التحجج بعدم اعتياد المشاهد الخليجي أيضاً على الدراما التي تتكئ على اللهجة الإماراتية، أو غياب النجم الذي يروج لتسويق العمل أيضاً ضمن الأفكار المغلوطة، التي لا يسعى مروجوها بكل تأكيد إلى مصلحة الدراما المحلية، وهي عكس ما نلمسه بأنفسنا، ونتابعه عقب عرض أعمالنا من ردة فعل الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي».

وتابع: «الذين يرون أن دراما الإمارات لا تمتلك نجوماً، أين يصنفون: سميرة أحمد وجابر نغموش وأحمد الجسمي وحبيب غلوم ورزيقة طارش ومرعي الحليان وغيرهم؟».

وأكد النيادي الذي يُنتج عملاً وحيداً قام بكتابة 25 حلقة منه، في حين كتب الخمس الأخرى الكاتب الإماراتي الشاب جاسم الخراز، وأن النص الجيد أيضاً لايزال أحد التحديات التي تواجه الدراما الإماراتية. وأشار المنتج الشاب محمد حسين إلى أن فرص إنجاز المشاريع أمام شركات الإنتاج الإماراتية واعدة، بشرط أن يتم اعتماد حلول غير تقليدية، في مقدمتها إدماج خدمات تسويق أعمال تقوم بإنتاجها شركات أخرى، وتقديم خدمات إنتاجية مساعدة لأخرى. وتابع: «لن تتمكن معظم الشركات من الاستمرارية في حال ألزمت نفسها بإنتاج مسلسلات محلية فقط، والانفتاح على السوق الخليجية والعربية ضروري، كما أن القيام بأدوار في مشاريع شركات أخرى، يبقى حلاً للتمكن من الاستمرارية». واعتبر حسين أن «النص» وليس «التمويل» هو العقبة الأساسية أمام أي منتج، دون أن يشكل المنتج الإماراتي استثناء.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر