الكتاب الذي يجتذب القارئ حالياً هو القادر على حل مشكلات الإنسان المعاصر

أحمد ملحم: الحوار مع الغرب يتطلب الإيمان بقيمة التسامح

صورة

أكد الأستاذ بجامعة الإمارات العربية لمادة اللغة العربية، الدكتور إبراهيم أحمد ملحم، أن استراتيجية الحوار مع الغرب، بالاعتماد على الترجمة، لا يمكن أن تكون على قدر كبير من الفاعلية، ما لم ترتبط بالإيمان بقيمة التسامح في ظل التعايش المشترك، واحترام الآخر حتى نحظى باحترامه، وأن السبيل إلى حوار الثقافات تكون بالترجمة؛ لمعرفة ما لدينا، وما لدى الآخر. داعياً إلى تطوير أساليب التدريس لتقبل تنوعاتنا واختلافاتنا، فنتقارب دون إلغاء الآخر المختلف أو المتنوع، والعمل على وضع قواعد بيانات ببليوغرافية، عما أُلف باللغة العربية أو ترجم إليها.

توازن

لفت الدكتور إبراهيم أحمد ملحم إلى أن الترجمة إلى العربية ليست الطريقة الوحيدة إلى حوار الثقافات، مؤكداً الحاجة إلى تحقيق توازن بين ما يُترجم إلى العربية، وما يترجم إلى الإنجليزية. وإحداث تغيير حقيقي في أساليب تدريسنا العام، والتي تؤدي إلى تأسيس رؤية أحادية غير قادرة على الحوار، وغير قادرة على استيعاب الاختلاف، والتنوع والتعدد.


مستشرقون

أشار الدكتور إبراهيم أحمد ملحم إلى أن حركة الترجمة من العربية إلى الإنجليزية نشطت في البداية، وانحصرت في المستشرقين، للتعرف إلى ثقافة الأمة التي جعلت السلطة العثمانية تتهاوى. وقد اتجهت مقاصدهم في اتجاهات مختلفة، مؤكداً أن عدم الفصل بين الواقعي والمتخيل أورثنا مشكلات ليس من السهل استئصالها من ثقافة الآخر.


• ما نريده من الكتب المترجمة، هو أن تكون قادرة على مخاطبة الإنسان، أكثر مما هي قادرة على تقديم معرفة جزئية تخصصية.

• ترجمة (ألف ليلة وليلة) صورت الرجل العربي هائماً على المرأة، سالباً لحريتها، لا هم له سوى إشباع نزواته، واستغلال السلطة.

وعزا أسباب تلك الصورة السلبية إلى أن تعزيز الحوار من طرف واحد سيبقى عُرضة للتغير؛ لأن مستوى المقارنة بين الترجمة التي تصل إلينا، والترجمة التي تصل إلى الآخر مازال هزيلاً جدّاً، إضافة إلى أن تفوق الآخر وإنجازاته المادية والمعنوية، والتي باعدت بينه وبين محاوره، كان دليلاً على ظهور اتجاهات تنحاز إلى صف التراث وحده، بوصف هذا الانحياز رد فعل على ما يجري، كما أن غياب التنسيق بين المترجمين العرب، بسبب غياب قاعدة ببليوغرافية، تتولاها جهة رسمية تكون متاحة على الإنترنت، سيؤدي إلى جهود تكرر نفسها، بمعنى وجود كتب مترجمة متعددة لكتاب واحد، وفوضى في المصطلحات.

جاء ذلك خلال المحاضرة التي استضافها مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام، في مستهل موسمه الثقافي حول «الترجمة وحوار الثقافات – استراتيجية تفعيل المهمش».

وقال ملحم إن القارئ، في كل زمن، يدرك أن ما يُترجم إلى لغته يَعِدُ بشيء يضيف إلى السائد أو الراهن، وقد نجحت دور النشر العربية، التي نشرت كتباً مترجمة تخاطب الإنسان بأفكار معاصرة تتغلغل في صميم حياته اليومية، مثل: البرمجة العصبية، وإيقاظ الحواس الداخلية، وفن التعامل مع الناس، والمذاكرة الفعالة، فحققت مبيعات كبيرة، اكتسحت غيرها من الكتب التي بقيت كاسدة؛ لأنها بتقصُّدها غير ما يخاطب الإنسان، أرادت أن تكون كاسدة. مؤكداً أهمية الترجمة، كونها العصب الحيوي القادر على إحداث التواصل الفعال بين الشعوب، وإحداث التعارف بين الأمم إذا أحسن توظيفها في المساعدة على فهم الآخر.

وأشار ملحم إلى أن التقارير الإعلامية، التي ترصد انطباعات المثقفين العرب، بعد انعقاد كل معرض من معارض الكتب الدولية في الوطن العربي، تنصبّ على شكوى الناشرين من تدني شراء الكتب الأكاديمية، مقارنة مع نسبة مبيعات مرتفعة لقصص الأطفال المقروءة والمحوسبة، وكتب الطبخ، والأبراج، ما يؤكد أن الكتاب يعيش أزمة تدل على جهل القارئ المعاصر، وأن الكتاب الإلكتروني بات منافساً للكتاب الورقي.

ورأى أن التحول عن الشعر في القديم كان بسبب تحول الثقافة، والتحول عن الكتاب الراهن هو، أيضاً، بسبب تحول الثقافة؛ فالشعر المقترن بالبطولة انهار أمام ذلك التحول، حيث أصبحت معظم الكتب الأكاديمية غير قادرة على ممارسة جاذبيتها له؛ بسبب دخول «العولمة» إلى حياتنا، الأمر الذي أعاد تشكيل ثقافتنا الجماهيرية، فأصبح الكتاب الذي يجتذب القارئ لشرائه ينبغي أن يحظى بمواصفات، أهمها: القدرة على حل مشكلات الإنسان المعاصر الذي يواجه تحديات متسارعة، سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، والقدرة على عبور الجسر المشترك بين الذات والآخر، قضايا الإنسان أينما وُجد.

وأضاف أن ما نريده من الكتب المترجمة هو أن تكون قادرة على مخاطبة الإنسان، أكثر مما هي قادرة على تقديم معرفة جزئية تخصصية؛ لأن القارئ العربي يريد التواصل مع الآخر، دون إرباك أو تعقيد في هذا التواصل. مؤكداً أن إغراق أسواقنا بالكتب المترجمة، واكتظاظ دورياتنا بالمقالات المترجمة، ودعواتنا بصوت عالٍ في المؤتمرات للتواصل مع الآخر عبر الترجمة، ستؤتي أكلها.. لكن بصورة سلبية.

تويتر