عرض «دبي الشعبي» استدعى «تيمورلنك» وصولاً إلى إسقاطات معاصرة

«رياح الخردة».. محاكمة شبابية لميراث الحروب

صورة

بالنسبة لمتابعي مهرجان دبي لمسرح الشباب، فإن عملاً من إخراج أحمد الشامسي، تبقى متابعته مبررة على أكثر من صعيد، فتجربة الشامسي تحديداً تصاعدت من المشاركة على هامش عروضه بعرض جامعي، ثم التصدي لمسؤولية إخراج عرض حصد العديد من الجوائز، هو «اللعبة»، ومثل الدولة خارجياً بمهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب.

طلال محمود: فصحى بلكنة خليجية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/10/555016.jpg

استدرك الفنان الشاب طلال محمود، بعض الملاحظات على أداء الفنانة علياء المناعي، مشيراً إلى أن الممثلة كانت بحاجة إلى توجيه وتعديل، فرغم أن النص باللغة العربية الفصحى، إلا أنها كانت بلكنة خليجية قريبة إلى العامية.

كما رأى طلال أن الاستعراضات التي تضمنها العمل جاءت على حساب العرض.

فيما رأى الفنان رائد دلاتي، أن أداء بعض الممثلين جاء ثابتاً، وتضمن أخطاء لغوية كثيرة.

ورأى الممثل الشاب أنس عبدالله، أن المبالغة في إظلام العرض لم يكن لها مبرر فني، مضيفاً هناك أكثر من 12 مرة ساد الظلام المسرح دون تغيير في الديكور، فضلاً عن رتابة الأداء التمثيلي. في المقابل، رأى باسم دواد، أن الاستعراضات جاءت بمثابة خيار فني موفق، مضيفاً «هي ليست مقحمة، بل كانت بمثابة فرصة لإراحة المتلقي المنغمس والمشدود للعرض».

أحمد الشامسي: التجريب حق

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/10/555018.jpg

تقبل مخرج ومؤلف العرض أحمد الشامسي، جميع الآراء التي تضمنها العرض بصدر رحب، لكنه أكد حق شباب المسرحيين عموماً في التجريب.

وأضاف: من حق الشاب أن يتعلم، ولن يتعلم الشاب إذا لم يخطئ، ومن حق الشاب أن يطبق رؤيته الفنية.

ورأى الشامسي، الذي بدأ التمارين المسرحية مع طاقم «رياح الخردة» منذ وقت معقول نسبياً، أن مهام المخرج، بالإضافة إلى ضمان تحقق رؤيته الفنية، هي توجيه الممثلين، وليس تدريبهم، وفي ما يتعلق بالمباشرة الشديدة في الطرح، قال: المباشرة في النص مطلوبة أحياناً، ما دمت تخاطب مجتمعاً ثرياً بالتعددية، فيه المثقف والمتعلم والأمّي.

العمل الذي يضع صانعه نصب عينيه جمهور المشاهدين، من وجهة نظري، لا يحتاج إلى رموز وإسقاطات تمنع المتلقي العادي من تلقي المعلومة.

محمود أبوالعباس: إسقاط معاصر

قال الفنان محمود أبوالعباس، إن إشكالية العمل مرتبطة بالخلط بين التاريخي والأسطوري، محاولاً التقرب من الوضع الحالي الذي يشهده العالم العربي، وحينما يكون لديك إسقاط معاصر يجب أن يكون الهدف واضحاً ومحدداً، من حيث الرؤية الإخراجية.

وتابع شخصية الحفار، الذي يشم رائحة الموت، هي تجسيد للوضع العربي الحالي، وأن هناك ضعفاً أدائياً ولغوياً لدى الممثلين.

هذه الأفكار المسبقة عن العرض بكل تأكيد تتلاشى بمجرد فتح ستارة عرض «رياح الخردة» لفرقة مسرح دبي الشعبي، الذي استضافه مساء أول من أمس، مسرح ندوة الثقافة والعلوم بدبي، ضمن عروض الدورة الـ10 لمهرجان دبي لمسرح الشباب.

لكن الفكرة الأبرز التي قد تلقي بظلالها مسبقاً، هي فكرة التمسك بظاهرة المخرج المؤلف، على الرغم من تكرار إشكالاتها، وإفقاد العمل عيناً أخرى، قادرة على إثرائه، بل طغيان حضور هوية احدهما، على حساب الآخر.

وفرض حضور أحمد الشامسي مؤلفاً على حضوره مخرجاً في «رياح الخردة» بشكل واضح، على نحو جعل معلومة المؤلف أكثر حضوراً من رؤية المخرج، في معظم مفاصل العرض الذي بدا كأنه محاكمة شبابية لفكرة الحروب عبر الأزمنة.

وتُحيلنا عناصر الديكور إلى بيئة مبهمة، وأفق ممتد ، يخلو من كل شيء سوى وسائد تحاكي أجواء العرض، موزعة بعناية على طرفي المسرح، وجوقة متراصة بخوف وترقب.

«إني أشم رائحة الموت.. اشلاء.. ودماء.. وصيحات أطفال».. عبارة يصدح بها شخص مسجى، قبل أن تتكشف خيوط العمل، ويتحور الديكور، ليستوعب خيوطاً تتدلى من أعلى المسرح، تصل كثافتها وتنويعاتها لتقترب من حلول الستائر المتعددة، التي يتم تطويعها لخدمة العرض.

شخص معدم ينتقي ما قد ينفعه بين مخلفات الحروب وسلال القمامة، قبل أن يعثر على بوق رآه مهيباً ودالاً يضمه إلى مقتنياته لتتوالى مشاهد الخراب والدمار التي بدت كأنها قرينة لظهور البوق.

وبدا جلياً أن المخرج يربط ربطاً مباشراً بين البوق ودلالة الحرب، باعتباره الأداة التقليدية لاستدعائها في الأزمنة الغابرة، لكن المخرج نجح في إسقاط تلك المظاهر المرتبطة بأزمنة غابرة، بما فيها ملابس الجنود تحديداً وقائدهم «تيمورلنك»، على التاريخ الحديث والمعاصر، بل إننا وجدنا نمطين من الملابس، في المشاهد نفسها.

وإلى جانب الشخص الذي تم نعته بـ«الغريب» في العرض، ويؤدي دوره علي الحيالي، بدأت تتكشف سائر الشخصيات، «المرأة» المكلومة التي فقدت زوجها وطفلها وتؤدي دورها علياء المناعي، وحفار القبور الذي يؤدي دوره عبدالله المهيري، بالإضافة الى حارس المنارة وقائد الجيش الطاغية «تيمور» ويؤدي دورهما على التوالي عبيد الحكمي وبدر الحكمي.

ويغوص العرض على مستوى الحكاية في معاناة المرأة التي تعاني بطش وهمجية جيش تيمور الذي استولى على المدينة ونشر الخراب والدمار وسفك الدماء، ومحا الحضارة والتاريخ وسبى النساء وقتل الأطفال والرجال والشيوخ، وحوّل المدينة المسالمة إلى أطلال وأشباح.

«لعنة البشر وحكمة القدر، ثيمة هذا العصر»، مقولة ينتهي إليها العرض الذي يُقتل فيه كل شيء، بما في ذلك الحكمة، وتتكرر فيه عبارة «اني أشم رائحة الموت»، لتضع أمام المشاهد سياقاً رابطاً بين الحرب الممتدة، منذ فجر التاريخ، مروراً بالعصور الوسطى التي استدعاها الشامسي، لإسقاطها على الواقع المعاصر، وهي حرب مستمرة، من وجهة نظر الشامسي الفنية بدل الاحتفاظ بثيمة استحضارها «البوق»، الذي يدفن كما الأموات، لكن هناك من ينبش لاستحضاره على الدوام، في كل العصور.

ولعبت عناصر السينوغرافيا دوراً رئيساً في العرض، خصوصاً الإضاءة، التي تنوعت دونما استعراض أو بهرجة، خدمة للعرض، كما جاءت الإكسسوارات والملابس مناسبة للأجواء النفسية، وسياق العرض، وقدم الممثل علي الحيالي، والممثلة علياء المناعي، أداء تمثيلياً مقبولاً.

وفي ما يتعلق بالرؤية الإخراجية، فإن الرسالة التي أرادها الشامسي باعتباره مؤلفاً، أولاً، قبل أن يكون مخرجاً، قد وصلت، بل إنها وصلت منذ البداية، وبمجرد الإلحاح على العبارة المفتاحية «اني أشم رائحة الموت»، بمعنى أن شخصية المؤلف هنا تضخمت وأخذت من حيز الرؤية الإخراجية، التي يجب أن تشد المتلقي حتى نهاية العرض، وهي واحدة من إشكالات الإصرار على أن يكون المؤلف هو نفسه مخرج العمل، لاسيما ما يتعلق بالتجارب المسرحية الشابة.

عرض اليوم

تُعرض اليوم مسرحية «مطر تصاعدي» لمسرح العين، تأليف أحمد الماجد، وإخراج عبدالله الظاهري.

كما تعرض أيضاً مسرحية «الظمأ» لمسرح رأس الخيمة الوطني، تأليف فيصل الدرمكي، وإخراج عبدالله الحريبي.

تويتر