موسوعة استغرق إنجازها 12 عاماً بجهد فردي ويتمنى صاحبها أن ترى النور

جهاد صالح يوثق «رواد النهضة الفكرية في فلسطين»

الكاتب والباحث جهاد صالح جمع المادة الميدانية على مدار 12 عاماً. من المصدر

هي تتويج لمسيرة طويلة من العمل والنضال والكفاح المسلح والكتابة والأدب والتوثيق والبحث، إنها موسوعة الرواد والأعلام الفلسطينيين التي استغرق العمل فيها 12 عاماً، وكان بطلها الكاتب والباحث والمناضل الفلسطيني جهاد صالح، الذي انتهى أخيراً من الجزء الأول والمكون من ستة مجلدات، في كل مجلد 500 صفحة عن رواد الفكر والإبداع في فلسطين، من عام 1850 حتى عام 1917، والجزء الثاني يتناول الأعلام منذ عام 1917 حتى عام 1948، تاركاً ما تبقى من تلك المسيرة الفلسطينية منذ النكبة الفلسطينية الأولى التي شردت الشعب الفلسطيني وغرزت مكانه في فلسطين الكيان الصهيوني، إلى الأجيال الجديدة.

بدأت موسوعة «رواد النهضة الفكرية والأدبية وأعلامها في فلسطين»، التي تتناول المفكرين والأدباء والمبدعين في مختلف مجالات الإبداع والمعرفة بالتوثيق والبحث عن هؤلاء المبدعين منذ عام 1850 حتى عام 1948، وتناول فيها الباحث 225 شخصية فلسطينية ممن لهم بصمات واضحة في مجمل الحياة الفكرية والأدبية والإبداعية في فلسطين على مدار نحو 100 عام. وقسمها الباحث الموسوعي إلى مرحلتين، الأولى أطلق عليها مرحلة الرواد، بمعنى من أسس وبنى وبالتالي استحق أن يكون رائداً، وبدأت مع عام 1850، حتى عام 1917، وهم كثر وتوزعوا على مجالات عدة، في الرواية والقصة والشعر والأدب عموماً والفكر، ومن بينهم روحي الخالدي، كلثوم عودة، وخليل بيدس، وغيرهم. والثانية مرحلة الأعلام، وبدأت مع عام 1917 حتى عام 1948، وهم الذين استفادوا وأضافوا إلى ما قدمه الرواد، ومن بينهم، إبراهيم طوقان وفدوى طوقان، ومعين بسيسو، ومحمود درويش وغيرهم، فبدأت الموسوعة التي كتب مقدمتها الناقد والباحث الدكتور فيصل دراج، مع روحي الخالدي وانتهت مع محمود درويش.

في سطور

ولد جهاد صالح في مايو عام 1948 في قرية دير دبوان برام الله، عاش في مدينة اربد شمال الأردن، وتلقى تعليمه هناك، والتحق بصفوف الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1968، وهو عضو الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، وعضو مجلس أمناء ملتقى المثقفين المقدسي، وعضو مجلس أمناء الكلية العصرية الجامعية

تبوأ مناصب ومواقع عدة، إضافة إلى حمله السلاح من أجل تحرير فلسطين، كتب العديد من الأبحاث والدراسات.

من مؤلفاته: الجبل والضباب (قصص)، دار ابن رشد، بيروت 1979، الزورق (كتابات)، دار ابن رشد، بيروت 1980، سداسية ماجد أبوشرار (كتابات)، اتحاد جمعيات الصداقة الفلسطينية 1980، رجل بقدم واحدة (قصص)، دار ابن رشد، بيروت 1982 وغيرها.

وقال جهاد صالح لـ «الإمارات اليوم»: «راودتني فكرة إصدار موسوعة حول رواد الحركة الفكرية والأدبية وأعلامها في فلسطين للفترة الواقعة بين عامي 1850 و1948، وهي الفترة التي استطعت الوصول إليها بعد جهد كبير ومواجهة الصعاب والمشكلات العديدة في عملية البحث والجمع والتوثيق، والتأكد من صحة ودقة المعلومات التي تم جمعها»، ولفت صالح إلى أن السبب الذي دفعه إلى إنجاز هذه الموسوعة هو أن الكثير من الكتب والمؤلفات التي تناولها العرب بعد عام 1948 لم تشر بشكل موسع إلى هذه الفترة بسبب التهجير القسري والاحتلال الصهيوني الذي دمر وأتلف وصادر وأحرق كل ما له علاقة بالكتابة والنشر والتأليف والتوثيق، وخسرت فلسطين الكثير من المؤلفات والوثائق والكتب والمكتبات، فكان لابد من القيام بعمل بحثي طويل يركز على كيفية جمع هؤلاء الرواد.

وأوضح أن ما جمعته في الموسوعة في القسمين يزيد على 225 رائداً وعلماً فلسطينياً، لهم باع طويل وحضور كبير في المشهد الإبداعي منذ البدايات، سواء في التأليف أو القصة أو الشعر والتاريخ والفنون الشعبية والتراث ومختلف مجالات المعرفة، مشيراً إلى أن القسم الأول تناول الرواد بين عامي 1850 و1917، بمعنى خلال الفترة العثمانية، وهم جيل الرواد، بمعنى الأوائل الذين بدأوا وشقوا الطريق، وهؤلاء جميعهم كتبوا ونشروا في فلسطين، والثاني بين عامي 1917 و1948، وهم جيل الأعلام الذين استفادوا وبنوا وأضافوا على ما حققه وأنجزه جيل الرواد، بعضهم كتب ونشر في فلسطين، وبعضهم تجاوز فلسطين إلى بلدان عربية أخرى، وذلك في مختلف المجالات الثقافية والإبداعية.

وقال «من أصعب المشكلات التي واجهتني خلال جمع المادة الميدانية على مدار 12 عاماً، كيفية الحصول على المصادر والمراجع، خصوصاً في ما يتعلق بالقسم الأول من الموسوعة، الذي تناول فترة الرواد، فقد صادر الكيان الصهيوني وأحرق كل الصحف والمجلات والمطبوعات والأرشيف والمكتبات، وكل ما يمكن أن يؤشر إلى مدى عمق وحيوية المشهد الثقافي والإبداعي الفلسطيني في محاولة لطمسه والتخلص منه، ومع ذلك نجحت في الوصول إلى الكثير من المعلومات والمراجع التي أسهمت بشكل عميق في التعريف بأولئك الرواد، وتمكنت من الوصول إلى بعض الكتب المفيدة، وبعض الأعداد من مجلات فلسطينية تناولت الرواد بصيغة أو بأخرى، مثل مجلة النفائس البصرية، وفلسطين، ومرآة الشعب، والجامعة العربية، والكرمل، وغيرها، وهو ما أسهم وسرع في البدء بعملية التوثيق والقراءة المعمقة والتحليلية».

وأكد صالح قائلاً: «اليوم أستطيع القول بأنني أنهيت القسم الأول من الموسوعة وهو جاهز ومخرج ومدقق لغوياً وتاريخياً ومعرفياً ومنهجاً، ويتكون القسم الأول من ستة أجزاء، ويحتوي كل جزء على 500 صفحة عن أولئك الرواد وما أبدعوه، ولفت إلى أنه في فلسطين لا توجد مؤسسات قادرة على حمل هذا المشروع ونشره والاعتناء به، وزار الإمارات من أجل طرح الفكرة والبحث في مدى إمكانية تبني المشروع وطباعته ونشره وتوزيعه، ليكون حاضراً في كل مكتبة وفي كل مؤسسة وفي كل بيت، وقبل كل شيء أن يكون حاضراً في فلسطين، كل فلسطين، فهي بالنسبة لي كما بالنسبة لنا جميعاً فلسطين الواحدة الموحدة المحررة.

وأوضح صالح: من بين أهم الرواد في الموسوعة، روحي الخالدي الذي يعتبر مؤسس الأدب المقارن في الوطن العربي، فهو أول من نشر الأدب المقارن، وأول من تحدث عن الثقافة الفرنسية ورموزها، من خلال كتابه «علم الأدب في تاريخ الفرنجة والعرب وفكتور هوجو»، حيث كشف من خلال هذا الكتاب عن مدى تأثر الفرنسيين بالأدب العربي والتراث العربي، وتحديداً فكتور هوجو الذي كان معجباً بالفروسية العربية خصوصاً عنترة بن شداد، ومن بين الرواد أيضاً كلثوم عودة، التي تعتبر أم الاستشراق الروسي، وهناك كثر من الرواد الذين تعلموا الروسية واطلعوا بشكل جيد على الأدب الروسي.

أما خليل بيدس، فهو أول قاص وروائي فلسطيني وأول رواية له كانت تحمل عنوان: الوارث، وهي أول رواية فلسطينية، كما أنه أصدر مجموعتين قصصيتين.

ولفت صالح إلى أن أالبية الرواد هم من خريجي المدارس الروسية في فلسطين، حيث كانت الثقافة الروسية الأكثر انتشاراً في فلسطين، وكان هناك في فلسطين في تلك المرحلة، دار معلمين ودار معلمات (روسيا)، وأكد صالح أنه من المهم إعادة الاعتبار لهؤلاء الرواد والتعريف بهم وبما قدموه.

الأعلام

قال صالح إن الأعلام الذين تحدثت عنهم في الموسوعة هم الجيل الذي جاء بعد الرواد واستفاد منهم وبنى على ما كان لديهم وأضاف عليه، ويبدأ هؤلاء الأعلام مع إبراهيم طوقان وفدوى طوقان، مروراً بتوفيق زياد ومعين بسيسو واميل توما واميل حبيبي وسميح القاسم وغيرهم، وينتهي الأمر عند محمود درويش المولود عام 1948 حيث تبدأ مرحلة جديدة أتمنى من يأتي ويكملها.

ولفت إلى أنني عملياً كتبت عن الذين فارقوا الدنيا، ولم أكتب عن أحد من الأحياء. وأوضح: بدأت حياتي مناضلاً فلسطينياً منتمياً إلى صفوف الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكنت مقاتلاً حاملاً بندقيتي من أجل تحرير فلسطين، وما زلت أناضل من أجل ذلك، بالقلم والكتابة والتوثيق والبحث، فهي كلها حلقات متصلة في السلسلة النضالية الهادفة إلى تحرير فلسطين.

وقال صالح «شخصياً مرتاح لهذا العمل، حيث لم يكلفني أحد للقيام بهذه المهمة، وكل ما أريده أن أسجل هذا الموقف للأجيال المقبلة الذي بدأت فيه وأنجزته وصولاً إلى عام 1948، ليأتي غيري ويكمل المشوار، وهو جزء من واجبي الوطني». مشيراً إلى أنه طرح الموضوع على دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة من أجل تبني هذا المشروع وطباعته ونشره، ورحبوا بالفكرة ووعدوا بدراسته.

تويتر