الأحياء التراثية تعكس نقاط الاختلاف والتشابه بين الحضارات

«زايد التراثي».. حوار متواصل بين الثقافات

صورة

رغم الاختلافات التي قد تبدو واضحة وجلية بين دول العالم وثقافات شعوبها، إلا أن هذا الاختلاف غالباً ما يخفي خلفه أوجه تشابه مهمة، حيث تكتسب أهميتها من كونها تمثل أسساً للحوار المشترك بين ثقافات العالم وشعوبه. هذا الحوار يمكن أن يلمسه بوضوح زوّار مهرجان الشيخ زايد التراثي المقام حالياً في الوثبة، من خلال أجنحة الدول المشاركة في المهرجان، بعد أن استحدث المهرجان في هذا العام استضافة أحياء تراثية تعبر عن ثقافات الدول الأخرى لترسم لوحة متكاملة مع التراث الإماراتي، الذي يزخر المهرجان بمفرداته وعناصره المختلفة.

تصاميم معمارية مميزة

يضم مهرجان الشيخ زايد التراثي تسعة أحياء تراثية، وهي: الحي الإماراتي الذي يستعرض أبرز مقومات الثقافة الوطنية، والحي التراثي السعودي والبحريني والعماني والمصري والمغربي بالإضافة إلى الحي التراثي البوسني والكازاخستاني والأفغاني، وتم اختيار الدول المشاركة وفق معايير أهمها التنوع، فهناك ثلاث دول خليجية تمثل مختلف مفردات التراث في منطقة الخليج، بينما تمثل مصر والمغرب تراث وحضارة شمال إفريقيا، في حين تم اختيار البوسنة وكازاخستان لإلقاء الضوء على ثقافات دول إسلامية في أوروبا. ويتميز كل جناح بتصميمه المعماري المستمد من حضارة بلده، وتقدم هذه الأجنحة عناصر رئيسة تعبر عن التراث في مختلف أشكاله وهي الحرف التراثية والمأكولات الشعبية والبضائع التقليدية والفنون الفلكلورية.

محال متنوعة

بلغ عدد المحال المشاركة في الحي التراثي الإماراتي 126 محلاً تنوعت بين صناعة الدخون والعطور، والأشغال اليدوية والتراثية والتصميم، والرسم، والملابس، والعبايات، والشيل والتطريز، والطهي، وإعادة التدوير واستغلال خامات البيئة. وتم اختيار العارضين في الحي من خلال مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، التي تنظم الأحياء التراثية في الشيخ زايد التراثي 2015. بينما وصل عدد الأسر المواطنة المسجلة لدى مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية إلى أكثر من 1000 أسرة.

تعكس الأحياء التراثية التسعة التي يستضيفها المهرجان في دورته الحالية ثقافات وتراث شعوب مختلفة من قارات مختلفة، ليشعر الزائر مع انتقاله من حي إلى آخر، كأنه في رحلة سفر يجول خلالها بين البلدان التسعة، يدخل أسواقها التراثية، وأحياءها القديمة، ويتعرف إلى الصناعات التقليدية والمنتجات اليدوية التي اشتهرت بها.

هذه الجولة تكشف أن ما يحمله التراث لكل دولة من خصوصية وتفرد باعتباره جزءاً من شخصيتها وهويتها الوطنية، إلا أن هناك ثمة أرضية مشتركة بين الأحياء المختلفة، ولعل من أبرز ملامح التشابه بين هذه الدول هو الارتباط الوثيق بين التراث والمرأة، فإليها يرجع الفضل في وجود هذا التراث، أو جانب كبير منه، عبر توظيفها الخامات والموارد المتاحة في البيئة حولها لصناعة أدوات وأشياء تلبي احتياجات الأسرة اليومية، وهي أيضاً حارسة التراث التي تعمل على حمايته واستمراريته من خلال ما تقوم به من أعمال يدوية متصلة به، بل ولا تكتفي بذلك، ولكن تعمل على تطوير هذا التراث وتوظيفه ليواكب احتياجات الحياة حالياً.

يعتبر الحي الإماراتي في مهرجان الشيخ زايد التراثي من أكثر الأحياء التراثية ثراء وتنوعاً، فهو يضم عشرات المحال الصغيرة التي تعرض مختلف المنتجات التي ترتبط بالتراث الإماراتي، بداية من الملابس التراثية، خصوصاً الأزياء النسائية التي تتميز بشكلها وزينتها الخاصة مثل خيوط التلي. أيضاً يضم السوق المفروشات المختلفة برسوم وعبارات من البيئة الإماراتية، بالإضافة إلى الدخون والعطور المنزلية الصنع التي تقوم بصناعاتها سيدات إماراتيات وفقاً لخلطات توارثنها من الأمهات والجدات، أو خلطات جديدة قمن بابتكارها بأنفسهن، وغالباً ما تجمع بين العطور التقليدية مثل العود والمسك وبين العطور الحديثة خصوصاً الفرنسية بما يلبي حاجة الأجيال الجديدة من الشباب من الجنسين. كما يضم الحي الإماراتي انواعاً من المأكولات الشعبية مثل المالح والمخللات والتمور. بينما احتلت الإكسسوارات المرتبطة باليوم الوطني الـ44 لدولة الإمارات العربية المتحدة جابناً كبيراً من المعروضات في الحي. كما حضرت الصقور التي تعد من اهم الهوايات المرتبطة بالتراث الإماراتي في الجناح، ليكون في متناول الزائر التعرف إلى هذه الهواية والاقتراب من الصقر وربما حمله على ذراعه والتقاط صور تذكارية فريدة.

وتعبر الأحياء التراثية الأخرى عن تراث دولها، كما في الجناح العماني الذي يعرض العديد من المنتجات اليدوية مثل الإكسسوارات والثريات وقطع الديكور والفضيات والمنتجات النحاسية والخشبية، والملابس النسائية والرجالية بأشكالها وتصميماتها التقليدية المختلفة، إلى جانب المأكولات كالتمور والمخللات والمعجنات والأسماك المجففة وغيرها. الأمر نفسه ينطبق على الجناحين السعودي والبحريني وما يعرضانه من منتجات حرفية مختلفة تجمع بين التراث والأصالة من ناحية والمعاصرة من ناحية أخرى، وتعبر عن التقارب بين التراث في دول منطقة الخليج.

ويزخر الجناح المغربي بالمنتجات اليدوية التي تعبر عن التراث المغربي في المناطق المختلفة، مثل الثريات والمنتجات النحاسية والخشبية والفضيات، وكذلك الثوب المغربي بمختلف أنماطه وأشكاله والأحذية المغربية التراثية، والإكسسوارات وقطع الزينة الشخصية والمنزلية، وأدوات المطبخ من الفخار التي تتميز بها المغرب. إلى جانب الحلوى والمأكولات المغربية الشهيرة. بينما تحظى الفقرات الفنية التراثية التي يقدمها جناح المغرب باهتمام زوار المهرجان خصوصاً فرقة الفنون الشعبية التي تتفرد باللون التراثي الذي تقدمه.

ويستقبل الحي المصري زواره على أنغام الموسيقى الطربية الأصيلة مصحوبة بصوت كوكب الشرق أم كلثوم، في حين تزخر محاله بالمنتجات التقليدية والأثاث المطعم بالصدف والتصميمات الهندسية العربية، ومنتجات الرخام والنحاس المشغول والزجاج الملون والملابس والتحف وغيرها من منتجات المحافظات المصرية المختلفة مثل الوادي الجديد وسوهاج وقنا وغيرها.

في حين تمثل الأحياء التراثية للبوسنة وكازاخستان وأفغانستان فرصة مهمة أمام الجمهور للتعرف إلى تراث وثقافات هذه الدول وشعوبها، وما تتميز به عن غيرها من الدول الأخرى، وكذلك ما قد يجمعها مع غيرها من الدول.

تويتر