معرض «الحرب والسلام» يضم 120 عملاً

صفحات مجهـــولة من الفن الروسي في ضيافة أبـوظبي

صورة

«الحرب والسلام»؛ وما تزخر به من ثنائيات الموت والحياة، الحزن والفرح، الألم والأمل، جسّدتها مجموعة من أهم وأجمل الأعمال الفنية التي أنتجها عدد كبير من الفنانين الروس، وجمعها المعرض الذي افتتحه، مساء أول من أمس، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في قصر الإمارات بأبوظبي، وهو المعرض الأول الذي تنظمه مؤسسة ART RUSSE في دولة الإمارات.

بما يقرب من 120 عملاً فنياً؛ يقدم المعرض سجلاً بصرياً فريداً لموضوعي الحرب والسلام، وما يرتبط بهما من ثيمات كانت موضوعاً لأعمال فنية سجلها الفن الروسي والسوفييتي خلال القرن الـ20، عبر أنامل فنانين معروفين لدى ملايين مواطني الاتحاد السوفييتي السابق، لكنهم لم يكونوا معروفين خارج هذه الدول حتى وقت قريب، نتيجة لعزلة مدرسة الفن السوفييتي عن السياق الثقافي العالمي بسبب سياسة «الستار الحديدي»، وهو ما يجعل الأعمال المعروضة بمثابة صفحات مجهولة تماماً من تاريخ الفن الروسي، يمنح المعرض الذي يستمر حتى 10 ديسمبر 2015، فرصة نادرة لزواره لاستكشافها.

لا سياسة

«لا علاقة لي بالسياسة؛ لكني أرغب في توجيه رسالة إلى العالم من خلال هذه المجموعة من الأعمال النادرة، بضرورة الاستفادة من مآسي الماضي وأحزانه، حتى لا تتكرر مرة أخرى».. بهذه الكلمات رد مؤسس ART RUSSE أندريه فيلاتوف، على سؤال «الإمارات اليوم» حول تنظيم معرض حول الحرب والسلام في هذا التوقيت، وعلاقته بما تشهده المنطقة من أحداث.

وأوضح فيلاتوف أنه بدأ في جمع هذه المجموعة منذ 2008، ساعياً إلى اختيار كل ما يعبر عن الحرب والسلام، ويمكن أن يوصل للمتلقي شعور الفنانين الذين عايشوا الحرب العالمية الثانية، وما عانوه وشاهدوه في فترة الحرب، وكذلك إحساسهم بفترات السلام وانعكاسها على الحياة الأسرية واليومية في روسيا، مع إفراد مساحة كبيرة لتجسيد مشاهد من الطبيعة الروسية بكل ملامحها.

وأضاف: «احتفلت روسيا العام الماضي بمرور 70 عاماً على النصر الروسي، إذ فقدت روسيا ما يقرب من 26 مليون شخص خلال الحرب العالمية الثانية، وبالنسبة لي شارك جدودي في الحرب، وقتل أحدهم، كل هذه المعاناة تفرض علينا ان نستفيد من هذا الماضي حتى لا يتكرر في الحاضر أو المستقبل». لافتاً إلى أنه يهدف كذلك من خلال مؤسسته إلى تعريف العالم بالفن الروسي، والثقافة الروسية، وخلق حوار بين الثقافات المختلفة.

ووصف رجل الأعمال الروسي مجموعته الفنية بأنها «متحف متكامل»، موضحاً أن تكوين المجموعة احتاج منه جهوداً كبيرة، واستغرق وقتاً طويلاً في البحث عن القطع الفنية وإجراء مفاوضات مع مالكيها للحصول عليها استمرت في بعض الأحيان سنوات عدة، وتنقل من مكان لآخر خلف هذه اللوحات، فيعضها حصل عليه من الفنانين أنفسهم، والبعض الآخر من مقتنين آخرين، أو مزادات فنية، بينما كان محظوظاً لأنه اشترى ثلاث مجموعات كبيرة ما سهل عليه الأمر كثيراً «الفكرة تقوم على تكوين مجموعة متكاملة، سواء من خلال الشراء أو الاستبدال وهو أمر معروف بين مقتني الأعمال الفنية، ما يشكل في النهاية متحفاً متكاملاً، وكلما زادت المتاحف الفنية في العالم كلما زادت فرصة أشخاص أكثر معلومات عن الفن والفنانين من كل مكان».

صعوبات

وأشار فيلاتوف إلى أن هناك صعوبات عدة واجهته خلال رحلة تكوين مجموعة الحرب والسلام، بعضها مادي فلم يتمكن من شراء بعض الأعمال لارتفاع ثمنها، أو لرفض أصحاب القطع بيعها، وهناك لوحات في المجموعة احتاجت إلى مجهود كبير لأنها تكمل مع قطع أخرى قصة كاملة، فكان عليه أن يتتبع أثر بقية اللوحات حتى تكتمل القصة مثل لوحة «الهارب من الجندية» لجيلي كوزيف، والتي يظهر فيها جندي قرر الهرب من ساحة الحرب والعودة إلى منزله، والتي ترتبط بلوحة «المرأة الغسالة» التي تظهر فيها زوجة الجندي وهي تغسل الملابس، ويظهر هذا الارتباط عند وضع اللوحتين معاً، ثم تكملهما لوحة «لقاء بعد الفراق» التي يحتضن فيها الجندي ابنته عقب عودته إلى المنزل، وكانت اللوحة الأولى في ألمانيا والثانية في أميركا والثالثة في جنيف. أيضاً هناك لوحة «فتيات يغسلن الملابس» للأخوين الكسي وسيرجي تكشاف، والتي اشتراها من العائلة المالكة البريطانية.

تعريف العالم

وقال فيلاتوف إنه اعتمد في اختيار القطع التي يقتنيها على قلبه ومشاعره، إلى جانب الخبرة والسعر وعوامل أخرى، مشيراً إلى أن مقتنياته الفنية هي كل عالمه، رغم أنه رئيس الاتحاد الروسي للشطرنج، فقد ولد في ظل الإمبراطورية الروسية، وتحديداً في أوكرانيا، ويحب بلده ويؤمن بأهمية ما أنتجه فنانوها من فنون فريدة، ويسعى إلى تعريف العالم عليها.

ولفت إلى أنه اتجه حالياً إلى شراء أعمال فنانين معاصرين، لتقديم نماذج من الفن الروسي في مراحل زمنية مختلفة.

وأرجع فيلاتوف اختيار الإمارات وأبوظبي لعرض مجموعته؛ لمكانتها كمركز ثقافي يضم متاحف عالمية، مثل متحفي اللوفر وغوغنهايم، ورغبته في تكريس حوار الثقافات بين البلدين، منوهاً إلى أن جزءاً صغيراً من المجموعة سيتم عرضه في الصيف المقبل في بريطانيا، كما تلقى عروضاً أخرى يدرسها حالياً.

العالم يتذكر

من أبرز الأعمال التي يتضمنها المعرض لوحة «العالم يتذكر» لماي دانتسينج، التي استغرق تنفيذها 10 سنوات كاملة. وتعبر اللوحة عن اكتشاف الجيش السوفييتي لرسوم رفائيل للعذراء مريم، وتقدم اللوحة مقاربة لتحرير هذه اللوحة التي عثر عليها في نفق مظلم، وتحرير أوروبا من الحكم الفاشي، بينما جاء تجسيد صورة العذراء مريم تحمل الطفل في وسط اللوحة رمزاً للحياة الجديدة التي أطلق سراحها الجيش السوفييتي، في حين يرمز الجنود والمستنزفين حولها إلى التضحيات التي قدمت من أجل هزيمة الفاشية. وانتهى العمل بها عام 1985، بالتزامن مه احتفالات العيد الـ40 ليوم النصر الذي تم فيه استسلام الجيش النازي للاتحاد السوفييتي. وقال أندريه فيلاتوف إنه يمول حالياً مشروع إصدار كتاب ضخم حول هذه اللوحة وما تحمل من تفاصيل يقوم على إعداد أكاديمي متخصص.

4 أقسام

يحوي معرض الفن الروسي «الحرب والسلام»، الذي يضم أكثر من 120 عملاً عن تاريخ الفن الروسي والسوفييتي طوال القرن الـ20، أربعة أقسام؛ يحمل الأول عنوان «إرث الحرب»، ويضم الأعمال المتعلقة بالنزاع وآثاره المباشرة ولغة النصر. ويتمحور القسم الثاني حول موضوع الطبيعة والجمال، في حين يعرض القسم الثالث لوحات كبيرة حول موضوع التأمل. ويتناول القسم الأخير موضوع السعي والأعمال البطولية للرجال والنساء السوفيتيين في الحقول، وقاعات الحفلات الموسيقية، والمسابقات الرياضية. ويتضمن المعرض في أقسامه الأربعة أعمالاً فاتنة من بينها تماثيل لـ«فيرا موخينا» و«يفغيني فوشيتيش»، ولوحة للحياة الساكنة لـ«الكسندر غيراسيموف» و«اليكسي غريتساي»، وعمل المناظر الطبيعية لـ«نيكولاي أندرونوف» و«سيميون شويكوف»، ولوحات أسلوب الحياة لـ«نيكولاي باسكاكوف» و«أركادي بلاستوف»، ولوحات «أبرام أرخيبوف» و«ألكسندر بوبنوف»، وتصميم المناظر الطبيعية لـ«طاهر صلاحوف» و«فلاديمير ستوزهاروف»، فضلاً عن روائع «نيكولاي فيشين» والأخوان «تكاشيف» و«نيكولاي ريريخ» وغيرها الكثير.

الحرية

توقف أندريه فيلاتوف في حديثه أمام واحدة من لوحات المعرض هي لوحة «الحرية» لأفسي مويسينكو، مشيراً إلى أن البعض يرونها مرعبة، لكنه يجدها معبرة بوضوح عن أهوال الحروب والمعتقلات، لأن الفنان رسمها بناء على تجربته الشخصية التي عايشها عندما قضى ثلاث سنوات في معسكرات التعذيب ما جعله إنساناً مشوشاً، نصف حي نصف ميت، يرتدي خرقاً بالية يندفع بقوة نحو الحرية وفي الخلفية يظهر ضحايا التعذيب. واللوحة جزء من سلسلة تضم تسع لوحات عن الحرب بعنوان «هذه لا يمكن نسيانها»، وعرضت للمرة الأولى في المؤتمر العالمي لنزع السلاح والسلام العام.

تويتر