تصدَّرت اهتمامات حكومة دولة الاتحاد منذ نشأتها

الدبلوماسية الإماراتــــية.. سيرة طويلة من الحكمة

صورة

فور تأسيس دولة الاتحاد، بل وقبل ذلك بكثير، أدرك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أهمية الدبلوماسية والعلاقات الخارجية للدولة الجديدة، وعمد سريعاً إلى وضع الشؤون الخارجية على رأس اهتمامات الحكومة الجديدة، التي تشكلت برئاسة الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم. وكان الشيخ زايد أسس الدبلوماسية الإماراتية لتكون سيرة متواصلة من الحكمة.

«كان لدى الشيخ زايد برنامج عمل واضح بالنسبة إلى السياسة الخارجية»، يقول ميرزا الصايغ في لقاء له تضمنه كتاب «زايد رجل بنى أمة»، الصادر عن «الأرشيف الوطني». ويضيف: «كان يعرف تماماً ماذا يريد من دبلوماسييه، وكان يدرك بدقة السبل الدبلوماسية التي كان لابد للإمارات من ممارستها، بحيث تضمن إسماع صوتها، حيث يجب أن يُسمع. كانت تعليماته تقضي بأن تبنى السياسة الخارجية للإمارات على مبادئ شرعة الأمم المتحدة، والوثيقة التي قام على أساسها مؤتمر منظمة الدول الإسلامية.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/27429_EY_07-12-2014_p30-p31-111100.jpg

التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول، لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ 2 ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها. واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971» التي أطلقها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات، واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني» التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.


لمشاهدة صور تاريخية للدبلوماسية الإماراتــــية، يرجى الضغط على هذا الرابط.


أرقام وأحداث

183

عدد الدول التي ترتبط مع دولة الإمارات العربية المتحدة بعلاقات دبلوماسية.

73

عدد سفارات الدولة في الخارج، بالإضافة إلى 13 قنصلية وأربع بعثات دائمة.

109

عدد السفارات الأجنبية لدى الدولة، إلى جانب 74 قنصلية عامة، و15 مكتباً تابعاً للمنظمات الإقليمية والدولية.

220

مليار درهم حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي استقطبتها الإمارات، لتتبوأ المرتبة الثانية عربياً بين الدول الأكثر جذباً لرأس المال الأجنبي، في تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) للاستثمار العالمي لعام 2011.

وفي صلب سياسته كان حريصاً على توحيد الرؤية للموقف داخل الوطن العربي، وكان شعاره الذي لا يخطئ، التآلف والتسامح بين العرب وصمودهم واتحادهم حيال الآخرين. كان دائم السعي لتوثيق علاقة بلاده بجيرانها، وكان لجهده هذا دور كبير في إنشاء مجلس التعاون الخليجي».

وعلى رأس المنظمات الدولية والإقليمية، التي بدأت دولة الاتحاد المساهمة في أعمالها بنشاط وفاعلية واستمرارية في الأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، وحركة عدم الانحياز. كانت توجيهات الشيخ زايد لدبلوماسييه تقضي بالمطالبة بالحد من إنتاج أسلحة الدمار الشامل وبيعها، ووضع حد للأعمال الإرهابية، ودعم المؤتمرات واللقاءات الدولية، لاسيما تلك التي ترعاها الأمم المتحدة، التي كان شديد الإيمان بأهدافها في حماية الأمن والاستقرار الدوليين. وكان دائم الحرص على أن يضع مشكلة الجزر العربية الثلاث التابعة للإمارات، والواقعة تحت الاحتلال الإيراني، أمام المجتمع الدولي من خلال منابر هذه المنظمات، وذلك بهدف تسليط الضوء على الظلم اللاحق ببلده. كما كانت توجيهاته إلى الدبلوماسيين الإماراتيين تؤكد أهمية الدفاع عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

وارتأى الشيخ زايد أن العلاقات مع الدول المفردة لها أهمية استراتيجية كبيرة، وبدأت دولة الإمارات مشوار الدبلوماسية بإنشاء سفارة في الأمم المتحدة، وكان مهدي التاجر يتخذ من بريطانيا مقراً له، لكنه يخدم في جميع أوروبا الغربية. وكان تريم عمران في مصر، وسعيد غباش في لبنان، وراشد المخاوي في الكويت، وبدأت وزارة الشؤون الخارجية من خلال إنشاء أربع سفارات وبعثة واحدة بالأمم المتحدة.

وفي التاسع من ديسمبر من عام 1971، تم قبول الإمارات عضواً بالأمم المتحدة، لتكون العضو الـ132 بالمنظمة الدولية. قال كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة، في ما بعد «تبين لي أن رئيس دولة الإمارات كان علماً من أعلام الحكمة، وكان معروفاً في منطقة الخليج بما يصوغ من الأفكار النيرة، وبما يتمتع به من على الصعيد الدولي».

كانت الدبلوماسية والصداقة الراسخة على أعلى الدرجات من أولويات الشيخ زايد، إدراكاً منه لمدى حاجة الإمارات العربية المتحدة إلى الأصدقاء في العالم، وفي هذا السياق قام في عام 1972 بزيارات رسمية شملت: باكستان، والسودان، وعمان، ومصر، وبريطانيا، وليبيا، والصومال.

ولم تمضِ أشهر على إعلان تأسيس الإمارات حتى كانت الدولة الفتية تفتح لها سفارات وبعثات دبلوماسية في عواصم كبرى في العالم. في الاتجاه نفسه؛ بدأ الشيخ زايد، من باب الرؤية المستقبلية وتوقع حاجات الدولة المقبلة؛ إعداد السلك الدبلوماسي قبل إنشاء الدولة بأشهر، والحقيقة أن عملية اختيار المرشحين للخدمة الدبلوماسية وتدريبهم كانت قد بدأت في أعقاب اجتماع دبي في صيف عام 1971.

ويروي الصايغ قصة التحاقه بالسلك الدبلوماسي، مشيراً إلى أنه عاد في أوائل السبعينات من الأردن، بعد إنهاء دراسته الجامعية، وفي أواخر أغسطس وجد وظيفة مع شركة دبي للبترول براتب شهري 1500 روبية. وفي صباح اليوم التالي كان من المفترض أن يبدأ عمله في الشركة، لكنه استدعي إلى اجتماع في مقر الحكومة الاتحادية بالشارقة، فقد كان الشيخ زايد قد أصدر دعوة مستعجلة لجميع حَمَلة البكالوريوس في الإمارات الشمالية، لحضور ذلك الاجتماع المخصص لاختيار موظفين في السلك الدبلوماسي.

وأضاف: «لم أكن أعلم شيئاً، لا عن الوظيفة التي كانت ستعرض علينا، ولا عن الراتب الذي سنتقاضاه. طلبت من شركة دبي للبترول أن تأذن لي بأن أبدأ العمل في اليوم التالي. طبعاً كان طلبي ضرباً من الجنون لكن في تلك الأيام كنا في فيض من المشاعر الوطنية، واعتبرنا حضور الاجتماع نوعاً من الواجب الوطني». وفي اليوم التالي التقى في الشارقة كل خريجي الجامعات، عدا الأطباء، من دبي والإمارات الشمالية، ولم يتجاوز عددهم الـ25. وفي الاجتماع أخبروهم بأن الشيخ زايد طلب حضورهم إلى أبوظبي في اليوم التالي. يكمل الصايغ: «استقبلنا الشيخ زايد، ثم التقينا الشيخ راشد الذي كان يزور أبوظبي»، مضيفاً: «أنا متأكد أن كل واحد منا وافق على الالتحاق بالسلك الدبلوماسي؛ فالشعور بالحاجة إلى وضع جهودنا في خدمة الوطن كان شعوراً لا يحد منه أي اعتبار».


دبلوماسية راسخة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/2336721.jpg

نجحت الدبلوماسية الإماراتية في أن ترسخ أقدامها وتحقق حضوراً متزايداً ليس على مستوى المنطقة والوطن العربي فقط، لكن على مستوى العالم، وتتسم سياسة الإمارات الخارجية بروح العدالة، وحماية حقوق الإنسان واحترامها، من خلال تشريعات حرصت على تكريس المساواة والعدالة بين أبناء الشعب، وإعطاء المرأة حقوقها، وتوسيع تمثيلها في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتعزيز مشاركتها في أسواق العمل، بتجسيد منظومة المثل العربية الإسلامية الحقيقية، بالإضافة إلى تطوير التشريعات الكفيلة بحماية حقوق الإنسان، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وضمان الحماية والدعم للمتضررين منها، وفق ما نصت عليه الاتفاقيات الثنائية والدولية ذات الصلة.


جهود مكثفة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/2336401.jpg

قامت دبلوماسية دولة الإمارات بجهود مكثفة وتحرك نشط، من أجل العمل على احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والخلافات الناشبة، سواء على صعيد المنطقة أو خارجها. وسعت بشكل دؤوب لتعزيز مختلف برامج مساعداتها الإنسانية والإغاثية والإنمائية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للعديد من الدول النامية، خصوصاً تلك التي تشهد حالات نزاع أو كوارث طبيعية، فضلاً عن مساهماتها الأخرى الفاعلة في العديد من عمليات حفظ السلام، وحماية السكان المدنيين، وإعادة الإعمار في المناطق بعد انتهاء الصراعات، وهو ما يجسد شراكتها المتميزة مع أطراف عدة، وتفانيها من أجل تحقيق الأهداف النبيلة من صيانة واستقرار السلم والأمن الدوليين.


استراتيجية ثابتة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/2336421.jpg

تميزت السياسة الخارجية لدولة الإمارات، التي وضع نهجها مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، بالحكمة والاعتدال وارتكزت على قواعد استراتيجية ثابتة، تتمثل في الحرص على التزامها بميثاق الأمم المتحدة، واحترامها للمواثيق والقوانين الدولية، وإقامة علاقات مع جميع دول العالم، على أساس الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، والعمل على حل النزاعات الدولية بالحوار والطرق السلمية، والوقوف إلى جانب قضايا الحق والعدل، والإسهام الفعال في دعم الاستقرار والسلم الدوليين. وحققت دبلوماسية دولة الإمارات انفتاحاً واسعاً على العالم الخارجي أثمر إقامة شراكات استراتيجية سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية وعلمية وتربوية وصحية، مع العديد من الدول في مختلف قارات العالم، ما عزز المكانة المرموقة التي تتبوأها في المجتمع الدولي.

تويتر